التعريف بالكتاب: كان كتاب قاسم أمين ”1863- 1908م” ”تحرير المرأة - 1899” أول كتاب أثار زوبعة، أومعركة فكرية واجتماعية في الثقافة والمجتمع العربيين الحديثين، مما دفع مجموعة من الكتّاب إلى الردّ عليه أهمهم: ويندر جدا أن يوجد شخص يبتدئ بعد بلوغه سنَّ الرجوليَّة في إصلاح ما فسد من ملكاته ثمَّ ينجح في ذلك، اللهم إلا حد محدود. ومن المعلوم أن الطفل لا يعيش من طفوليته إلى سنِّ التمييز إلاَّ بين النساء؛ فهو دائما محاط بأمه وأخواته وعماته وخالاته وخادماتهم وصواحباتهن، ويرى أباه في أوقات قليلة. فإذا كان هذا الوسط الذي ينشأ فيه طيباً، كانت تربيته طيبة، وإن كان سيئا؛ ساءت تربيته. والأم الجاهلة ليس في استطاعتها أن تصبغ نفس ولدها بصبغة الصفات الجميلة؛ لأنها لا تعرفها، وغاية ما تستطيع هو أنها تدعه يلتقط الخلال الرديئة بما يعرض له إن لم تبذر بيدها حبوبها في نفسه، وتغرس فيها الملكات السيئة. أليس من جهل الأم بقوانين الصحة أن تهمل ولدها من النظافة؛ فيعلوه الوسخ، وتتركه مترشدا في الطرق والأزقة يتمرَّغ في الأتربة كما تتمرَّغ صغار الحيوانات؟ أليس من جهلها أن تدعه كسلان يفرُّ من العمل، ويضيع وقته - الذي هو رأس ماله - مضطجعا أو نائما أو لاهيا مع أن سن الطفولية لا يعرف الكسل؛ وهو سنُّ النشاط والعمل والحركة؟ أليس من أثر جهلها أننا مصابون بشلل في أعصابنا حتى صرنا لا نتأثر من شيء مهما بلغ في الحسن والقبح. فإذا رأينا عملا جميلا مدحناه من طرف اللسان. وإذا شاهدنا فعلا قبيحا استهجناه بهزِّ الرءوس، وظاهر من القول، بدون أن نشعر بانبعاث باطني يقهرنا على الإندفاع إلى الأول، ولا على الابتعاد على الثاني؟ أليس من جهلها أن تسلك في تأديب ولدها طريق الإخافة بالجن والعفاريت، وأن تأخذ من وسائل صيانته ووقايته من المُضرات تعليق التعاويذ والطواف به حول القبور وفي زوايا الأضرحة، وغير ذلك مما لا يبالي به الجاهلون بأصول الدين وفضائل الأعمال، وله من الأثر السيء في أنفس الناشئين بل وفي أرواح الرجال ما يجرُّ إلى كل شرًّ ويبعد عن كل خير؟. يتبع