امتن الله تعالى على المؤمنين بأن جمع قلوبهم على الإيمان ووحد كلمتهم ضد الأعداء، وجعلهم إخوة متحابين متعاونين، ولقد صالح الإسلام بين الأوس والخزرج و جمع شملهم بعد التفرق، قال تعالى: {واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا}. وأصحاب القلوب السليمة الطاهرة النقية يدركون من الأجر، ويبلغون من المنازل ما لا يبلغه الصائمون القائمون بصيامهم وأعمالهم الصالحة؛ كما روى أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: (كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار تَنْطِفُ لحيتُه من وضوئه قد تعلَّق نعليه في يده الشمال، فلما كان الغدُ قال النبي صلى الله عليه وسلم مثلَ ذلك، فطلع ذلك الرجل مثلَ المرةِ الأولى، فلما كان اليومُ الثالثُ قال النبي صلى الله عليه وسلم مثلَ مقالتِه أيضا، فطلع ذلك الرجلُ على مثل حاله الأولى، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال: إني لاحيتُ أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثا فإن رأيت أن تؤويَني إليك حتى تمضيَ، فعلتُ، قال: نعم، قال أنس: وكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئا غير أنه إذا تعارَّ وتقلَّب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبَّر، حتى يقومَ لصلاة الفجر، قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا، فلما مضت الثلاث ليال وكدت أن احتقر عمله قلت: يا عبد الله، إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هَجْرٌ ثَمَّ، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرار: ”يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة” فطلعت أنت الثلاثَ مرار فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملُك فاقتدى به، فلم أرك تعمل كثير عمل فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: ما هو إلا ما رأيت، قال: فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا، ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك وهى التي لا نطيق) رواه أحمد أخي عليك أن ترد الإساءته بالإحسان، وترد جهل بعض الناس بالحلم، قال تعالى {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم، وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم}. وصاحب القلب السليم على إخوانه المسلمين متصف بصفات أهل الجنة {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين}. إن قلوب العباد تفسدها الضغائن والشحناء والحسد والأحقاد؛ حتى يشقى بها أصحابها في الدنيا، فلا يهنأون بعيش، ولا يرتاح لهم بال، ولا ترفع لهم أعمال.. أما عن عدم رفع العمل الصالح بسبب الشحناء فجاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، انظروا هذين حتى يصطلحا، انظروا هذين حتى يصطلحا”. رواه مسلم فإن بلغ الهجر بينهما سنة كاملة فالأمر أخطر، والإثم أشد؛ لما جاء في حديث أبي خراش السلمي رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه” رواه أبو داود، فكيف إذا بهجران وتقاطع يمتد سنوات كثيرة ؟! إن رمضان شهر خير وبركة وإحسان، وهو فرصة عظيمة لتطهير القلوب من أدران الحسد والبغضاء، إنه فرصة لوصل أرحام قطعت، وزيارة إخوان هجروا،إنه مناسبة جليلة لإزالة أسباب الخلاف والنزاع بين المتخاصمين، ووضع حد للمتهاجرين والمتقاطعين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ”من سره أن يذهب كثير من وحر صدره فليصم شهر الصبر أو ثلاثة أيام من كل شهر”. رواه أحمد.