تعرف بعض الأنشطة التجارية خلال شهر رمضان الكريم بولاية تسمسيلت، رواجا كبيرا، إذ يكثر الطلب خلاله على بعض المنتجات التقليدية التي تتفنن أيادي حرائر تسمسيلت في إعدادها وبيعها. ويأتي في طليعتها المطلوع المسمى محليا ”الكسرة” بشتى أنواعه وأذواقه، ابتداء من المطلوع العادي، مطلوع الكوشة وانتهاء بالمطلوع الفرينة.. فلا تحلو شربة رمضان في غياب ملكة المائدة. فالعديد من أسواق وشوارع تسمسيلت تعج ببائعي المطلوع ك”مارشي حليمة” بعاصمة الولاية وسوق الحد بثنية الحد، حيث تعرف هذه الفضاءات التجارية حركية غير عادية لاقتناء الخبز.. طوابير من المواطنين كلهم يرغبون في الشراء، فلم يعد للخبز السوري الذي أذهب عقول الزبائن في وقت سابق ينافس المطلوع الذي بقي محافظا على شعبيته كأحد أهم المنتجات التي يكثر عليها الطلب في رمضان، حيث تسيل رائحته الشهية لعاب الصائمين وتدفعهم للتسابق لاقتنائه بمجرد خروجه من الأفران التقليدية التي تنتشر في كل مكان. لكن مع هذا الرواج الكبير له إلا أن العديد من الزبائن يتساءلون عن غياب خبز الشعير المعروف محليا ب”الحامضة”، فلم يعد له وجود إلا في بعض أماكن محدودة كشارع أول نوفمبر الذي يشهد إقبالا كبيرا على اقتنائه في ظل قلته، ما يدخل الزبون في متاهة البحث عنه دون جدوى. ورغم الطابع الفلاحي المتميز الذي يطبع ولاية تسمسيلت حيث أضحت من بين الولايات المنتجة للحبوب خاصة الشعير، إلا أن فلاحي تلك المناطق، كعماري وأولاد بسام وبني شعيب ويوسفية، لم تعد تستهويهم فكرة صنع الحامضة نظرا للمشقة التي يتكبدها هؤلاء في التنقل إلى عاصمة الولاية لعرض سلعهم ومنتجاتهم التقليدية، فالحامضة رغم ما تحتويه من فوائد صحية تنعش معدة الصائم وتقي من أمراض السكر والقلب والتهاب الكبدي، وغيرها من الأمراض المستعصية التي تنغص حياة الصائمين، إلا أنها مهددة بالاندثار. هي تعتبر من أعرق منتجات التقليدية بالقرى الريفية التي جعلت العديد من صانعيها عاجزين على الحفاظ عليها والترويج لها، جراء عدم محاولة السلطات المحلية تشجيع المنتوج الريفي الذي يكاد يتوارى على الأنظار، فقد باتت المرأة الريفية تصنع خبزها لتسكن جوع أبنائها فقط، فقليلا ما تجد منتوج الحامضة يباع على قارعة الطرقات وفي الأسواق كما كان يحدث في سنوات الماضية. وقد أكدت السيدة دنيا، من بلدية اليوسفية شرق الولاية، على صعوبة تحضير الحامضة الذي يتطلب جهدا كبيرا، فبعد حصد الشعير يتم درسه وغسله أو عرضه لبخار الماء ”التفًوار”، بعدها يتم تجففه ونقله إلى بلدية ثنية الحد لطحنه في أعرق المطاحن الولاية ”رحى عمي رابح”، لتتم بعد ذلك غربلة مطحون الشعير بغرض الحصول على دقيق صاف يميل لونه إلى الفضي بالإضافة إلى النخالة. وبعدها الحصول على المادة الأولية تعجن كمية منها بالماء وتترك العجينة لمدة تقارب يوما كاملا، لتطهى في الفرن التقليدي أو”كوشة العرب”، وفي كل مرة يتم تدهن الحامضة عند طهوها بالزبدة أو زيت الزيتون أو دهان الحار ليسهل هضمها بعد ذلك. مجهود تخر له العزائم لوعورة صنع رغيف واحد من خبز الشعير. وفي ظل حنين العائلات لظفر بذلك الرغيف ليضفى نكهة مميزة لمائدة رمضان، يبقى المطلوع المنتوج الوحيد لايزال يصارع معالم العصرنة.