لايزال واقع الإقامات الجزائرية بالجزائرية يثير الشك والتذمر في الأوساط الطلابية، خاصة فيما يخص طريقة تسيير هذا القطاع من قبل مسؤولين عينوا لضمان خدمة للطالب الجزائري، والذي من المفروض أن يكون إطارا في المستقبل تعول عليه البلاد. ولكن الواقع المر الذي يعيشه الطالب جعله يتحول إلى أداة لتغطية الواقع المنافي لكل متطلبات الحياة العلمية التي تليق به.. جولة ميدانية قادتنا إلى مختلف الأحياء الجامعية بالعاصمة، للوقوف على المعاناة التي يعانيها طلابنا وسط ارتباك المؤسسات الإدارية في كيفية ضمان السير الحسن لهذه الإقامات التي أصبح يسميها البعض ”مقابر جماعية للطلاب”. الإقامة الجامعية دالي إبراهيم 2.. غرباء يستولون على الغرف منذ سنوات وجهتنا الأولى كانت الإقامة الجامعية دالي ابرهيم 2 للبنات.. كانت الساعة تشير إلى العاشرة صباحا، معظم الطالبات غادرن الإقامة بحكم الالتحاق بالجامعة، فيما وجدنا مجموعة منهن داخل غرفهن يستعدن للالتحاق بمعاهدهن وجامعتهن. الحركة دؤوبة، صوت المذياع كان ظاهرا للمقيمين والزائرين.. إذاعة البهجة. من جهة أخرى يصادفك صوت أغان من الشرق الجزائري بصوت الفنان ”خلاص” الذي استقطب جمهوره بصوته المميز، ما يوحي أن صاحبة الغرفة من صميم الشرق الجزائري. وفي رواق مقابل للحي الجامعي شدنا صوت الأغاني القبائلية، فأدركنا أننا أمام ”فسيفساء لأصول طلابية”، فمنهم من جرجرة ومنهم من الهضاب العليا وآخرون مولوعون بالعاصمة. اقتربنا من إحداهن، حيث كانت منشغلة بترتيب أمور الغرفة من تنظيف ومسح، فلما علمت بهويتنا قالت بصوت خافت.. لماذا تأخرتم، أنا قابعة بهذا الحي منذ أكثر من 3 سنوات عشت فيها بكل تقلباتها ”المزاجية”، شفنا فيها الإقصاء، العنصرية في المعاملة من قبل أعوان الأمن، لا ندري كيف تسير أمور هذه الإقامات، فهناك أشخاص لا علاقة لهم بالجامعة ولكنهم استفادوا من سكن جامعي، بالاضافة إلى طلبة انتهت مدة دراستهم و مازالوا يستولون على سكنهم الجامعي وكأنها ملكية فردية، في حين أن طلبة آخرين يلهثون وراء الإدارات الجامعية للظفر بغرفة في الحي، إلا أن المسؤولين لم يستجيبوا لهم.. إنها السياسة الغامضة التي باتت تهدد مصير ومستقبل الطلبة، فالمشاحنات والأساليب البيروقراطية التي تصادف الطلبة أصبحت تحيط بالطالب الجزائري من كل ناحية. طالبات تستنجدن.. كلاب ضالة تغزو الحي من جهة أخرى ترى الطالبة إيمان، السنة الثالثة بمعهد التسيير والاقتصاد، أنه ”يمكن لأي وافد أن يتسلل إلى عمق الإقامة والقيام بأي فعل بالحي الجامعي.. الأسوار مفتوحة، الإنارة العمومية منعدمة وانقطاعات الكهرباء واردة في أي لحظة، بسبب تكرار حوادث الشرارات الكهربائية التي لا يجد الطلبة حيالها ليلا غير المغامرة لإصلاحها بأنفسهم. الحياة هنا تتوقف قبل نزول الليل، والحركة زادت في أخطارها عشرات الكلاب الضالة التي تغزو الإقامة منذ سنوات''. إنها الوضعية المزرية لهذه الإقامة في ظل الصمت المطبق على أخطار تهددهم.. وزيادة على مياه الصرف النازلة عليها من المجمعات السكنية التي تعلو موقعها، يواجه ما تبقى من الأسوار الخارجية شبح مياه الينابيع المتفجرة فيها، في غياب بالوعات المياه والتدهور الفظيع للمسالك التي تربطها بالعالم الخارجي، وحتى تلك التي تمكّن الطلبة المقيمون من التنقل إلى مراقدهم.. وهو ما حرمهم من إمكانية ولوج حافلات النقل الجامعي إليها لتقريبهم من مآويهم أو لنقلهم باكرا إلى مقاعد دراستهم الجامعية، خاصة في فترة الأمطار. والأغرب نجده في مطعم الإقامة، الذي - حسب بعض الطلبة من المتحدثين ل''الفجر” - نقص الكراسي، زيادة على رداءة تلك الوجبات، حيث أكدت إحدى الطالبات أن المياه القذرة أصبحت تغزو أروقة الحي الجامعي ومساكن الطلاب، ما يستدعي كل يوم تخطي المياه القذرة.. إلى حد الاستنجاد براقي بالنسبة للطالبات اللواتي مسهن مكروه بمجرد تخطيهن لهذه المياه العكرة، حيث ينهضن بالليل للذهاب إلى المرحاض ولكن يقفن أمام الأبواب خوفا من أي مس، ولكن معظمهن يستسلمن للأمر الواقع.. وهو الأمر الذي جعل إحدى الطالبات تنتابها حالة هستيرية من الصراخ، ما استدعى إحضار راقي، حسب رواية إحدى الطالبات. الجرذان والحشرات تقاسم الطالبات غرفهن ببن عكنون حالة الاكتظاظ التي تشهدها الإقامات ساهمت في تدهور الأوضاع الاستيعابية للطلبة، حيث واصلنا جولتنا إلى الأحياء الجامعية مرورا بحي بن عكنون للبنات، فوقفنا على الأوضاع الكارثية التي يعيشها الطلبة داخل إقامات أشبه بالمحتشدات يتقاسموها رفقة الجرذان في غرف متآكلة ومهترئة. هذا ما وقفنا عليه خلال زيارتنا للإقامة الجامعية للبنات ببن عكنون، فبمجرد دخولنا إلى الجناح رفقة مجموعة من الطلبة، حتى صادفتنا الروائح الكريهة المنبعثة من دورات المياه. دخلنا إلى الغرف فوجدناها عبارة عن علب كبريت، إذ لا تتجاوز مساحة الغرفة 4 م2 ورغم ذلك يقطن بها 4 طلبة.. ولكم أن تتصوروا حجم المعاناة، مثلما عبّرت إحدى المقيمات قائلة: ‘'لما يريد أحدنا تغيير ملابسه، وجب علينا الخروج إلى الرواق من شدة الاكتظاظ الذي تشهده الغرف، لم نستطع الصمود بسبب رائحة الرطوبة فاضطررنا إلى الخروج من الغرفة بسرعة''، وهنا أخبرتنا إحدى الطالبات أنه مع قدوم فصل الصيف تتحول الغرف إلى ملجأ للجرذان والصراصير، حيث يضطررن إلى مقاسمة الغرف رغما عن الطالبات، إضافة الى تحول المكان إلى مكان للقاء مشبوه للعشاق على الرصيف المحاذي لوزارة الأشغال العمومية، وهو ما يمس بالسمعة والشرف، وما اشتكى منه جل السكان القاطنين بالمكان. إدارة الخدمات الجامعية تطمئن الطلبة وتعد بأجواء سكنية مريحة.. كشفت مصادر مسؤولة في الخدمات الجامعية أن الشروع في استعمال البطاقة المغناطسية، سيسمح للطالب بالاستفادة من كل الخدمات التي تقدمها مديريات الخدمات الجامعية، كما ستساهم هذه البطاقات في تسهيل عمل أعوان الأمن في الإقامات لتفادي دخول الغرباء إلى الأحياء الجامعية. كما تعمل هذه البطاقات بطريقة آلية بتقنية السكانير بتوفر أجهزة إعلام آلي، حيث بمجرد إدخال البطاقة ستظهر كل البيانات الخاصة بالطالب مع صورته. وتعتبر هذه البطاقة شخصية ولا يجوز إعارتها لأي كان، ويتم استظهارها أيضا عند أي مراقبة من طرف أعوان الأمن، بالإضافة إلى استخدامها في المطاعم للقضاء على الطوابير، حيث ستغلق المجال أمام أولئك الذين يقومون بالازدواجية في الوجبة، بكشفهم من طرف الجهاز الذي سيقوم بالرنين إذا كان صاحب البطاقة قد تسلم وجبته لذلك اليوم. ويدخل هذا الإجراء في إطار عصرنة قطاع التعليم العالي في جانبه المتعلق بالخدمات الاجتماعية إلى فرض رقابة أكثر على الطلبة وفرض صرامة واحترام للقوانين الداخلية، خاصة ما تعلق بمواقيت الدخول مساء للإقامات الجامعية. ومن بين الإيجابيات التي سيأتي بها النظام الحد من تحركات بعض الطالبات بعد مواقيت الدراسة من خلال إجبارهن على تسجيل الدخول باستعمال البطاقة التي تحفظ في الذاكرة الإلكترونية كل التفاصيل بدقة فيما تعلق بالتاريخ وساعة الدخول. كما تحتفظ الذاكرة بعدد الغيابات، وهو إجراء رقابي ووقائي يمكِّن إدارة الإقامات الجامعية من معرفة أدق التفاصيل حول كل طالب. كما سترصد التحركات والسلوكات المشبوهة لبعض الطالبات اللائي يتخلفن عن مواقيت الدخول المحددة قانونا بالتاسعة مساء، حيث يمنع بعدها السماح للطالبة بالدخول. وفي ذات السياق، سبق للمديرية العامة للديوان الوطني للخدمات الجامعية، إرسال تعليمة لمدراء الإقامات الجامعية تقضي بمنع الطلبة من استعمال الهوائيات المقعرة في الإقامات الجامعية، بعد أن شهدت انتشارا واسعا، كما أعطى إشارة انطلاق تزويد مطاعم الإقامات الجامعية بأجهزة مراقبة وكاميرات، وأدرجت عددا من الإجراءات والتدابير حيز التنفيذ بهدف تحسين وضعية الإقامات. وهذه البطاقة ستقوم بالقضاء نوعا ما على تلك المظاهر السلبية التي ترتكبها بعض طالبات الإقامات الجامعية من خلال المبيت خارج الإقامات، ما يتسبب في تذمر الأولياء وخوفهم على مصير بناتهم، حيث أن العديد من الأولياء من أجبر بناته على التوقف عن الدراسة في ظل انعدام الرقابة ببعض الأحياء. وفي انتظار تحسين ظروف الطالب من خلال خلق جو مريح بالغرف الجامعية وتجهيزها، يبقى الطالب يتخبط بين سوء التسيير والتنظيم.. في انتظار قرارات فعالة وجدية تضمن للطالب سنوات دراسية مريحة.