وأنا أتابع ما يجري في بلدنا ومحيطنا الإقليمي منذ فترة غير قليلة، تمتد على الأقل إلى نهاية شهر ديسمبر ومطلع جانفي عامي 2010/11م، أو ما دعي وقتها بخريف الغضب عندنا ووصفته الدوائر الرسمية ولواحقها الاعلامية على رأسها تلفزيون اليتيمة ب: انتفاضة ”الزيت والسكر.” تماما مثلما وصفت من قبل 05 أكتوبر 1988م بانتقاضه ”الخبز أو الجوع.” وجدت علية القوم ممن ابتلانا الله بتوليهم رقابنا وسياسة شأننا الخاص والعام.. لا يختلفون في شيء من حيث الغرائز و الطباع، وطريقة التفكير وأسلوب العمل والتعامل مع الرعية لا المواطن – والفرق شاسع بين المعنيين قانونيا كما يعلم المختصين.- تلك الموروثة عن العهد الكولونيالي زمن الاستعمار! وخاصة منطق إدارة حركاته المطلبية و الاحتجاجية؛ حيث تفسر دوما بكونها من فعل جهات خارجية متآمرة، وفي أحسن الظروف تكيف بأنها بفعل أطراف داخلية مشبوهة متعاونة مع الأجنبي، تعمل لتنفيذ أجندات مغرضة لا تخدم الوطن.. وأن الشعب الجزائري لا يقوى بمفرده من القيام بهذه الأعمال المناهضة لحكامه. ومن ثم فالمنطق الوحيد والأسلوب المناسب للتعاطي مع مثل هكذا حركات، هو مزيد من الحشد الأمني، واستعمال للقوة المفرطة للردع، وقطع دابر مخططاتهم العدائية.. لاسترجاع السكينة والطمأنينة. ألم يقل كبيرهم في آخر تصريحاته الكاريكاتورية أنه أعد ”فليتوكس” لقتل البرغوثة ؟ ! ذكرني ذلك بمنطق وأسلوب المحتل الفرنسي في التعامل مع ثورة نوفمبر 54م صبيحة اندلاعها؛ حيث طلعت صحافة الكولون وأعوانهم بالجزائر، فضلا عن صحافة الميتروبول بفرنسا؛ لتفسر فعل الثورة وعملها المسلح وقتها بأنه خارج عن القانون، ومن فعل متمردين وإرهابيين.. كما وصفه الحاكم العام ”روجي ليونارد”، ورئيس حكومة فرنسا زمنها ” منديس فرنس”.. وغيرهم، بأنه انعكاس لظواهر تونسية ومغربية تارة، وتحريض من حكومة مصر والجامعة العربية بتنسيق مع الشيوعية العامية..! ؟ بعدها جاء منطق و أسلوب المواجهة الأمنية والعسكرية التي عبر عنها ونفذها وزير داخلية المحتل الفرنسي وقتذاك” فرانسوا ميتران” قائلا: ”إن المفاوضات الوحيدة مع المتمردين هي الحرب.” ذلك أن الفرنسيين كانوا ينظرون إلى الجزائريين المسلمين نظرة دونية عنصرية، تقوم على فكرة ”عدم الأهلية”؛ لذلك دعوهم ”الأهالي” وقننوا حياتهم وفق ما تقتضيه هذه التسمية العنصرية قانونيا وسياسيا. ليفرضوا وصايتهم عليهم في أنفسهم ونسائهم و ذراريهم وكل ما يملكون؛ حتى لعلع رصاص نوفمبر، وسالت دماء الشهداء الطاهرة أنهارا، وسقط مليون ونصف المليون شهيدا ضريبة للتحرر، ولتتكبد فرنسا هزائم عسكرية ودبلوماسية و أخلاقية مدوية.. حينها جاءها القول الفصل في الميدان لتفهم وتقتنع صاغرة بأن للشعب الجزائري حق تقرير مصيره، وتطلب مرغمة الجلوس للتفاوض الذي أفضى إلى توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في 19 مارس 62م ؛ عيد النصر الذي نحتفل بذكراه اليوم. لا أدري لماذا راودتني فكرة المقارنة هذه، على الرغم من كون السلطتين مختلفتين؛ فالأولى فرنسية استعمارية خارجية، والسلطة الحالية جزائرية وطنية..؟ أحس و كما تلاحظون معي أن هناك تشابها و أكاد أقول تطابقا ! في النظرة إلى المواطن الجزائري بين الأمس واليوم؛ والزعم بأنه قاصرا وغير مؤهل لإدارة شؤونه وتقرير مصيره ؟ ألم يتنكر حكام الأمس واليوم لمطالبه المشروعة في الحرية، وحقه في الاختيار السيد لما يناسبه من سياسيات وبرامج ورجال.. لإدارة وحل مشكلات حاضره وتأمين مستقبل أجيال الغد ؟ ألم يتعامل الطرفان مع مطالبه المشروعة و حركاته الاحتجاجية بالتشكيك والاتهام إلى حد التخوين.. ووصف حراكاته المجتمعية القائمة ببلدنا منذ مدة، ونعت أصحابها من قبل حكام و مسؤولي جزائر اليوم -الذين لم نفوضهم يوما؛ لا بالانتخاب ولا بالوفاق السياسي، ولا بالبيعة ليخلدوا في مناصبهم- قلت:تارة ” بالشرذمة” في حراك بطالي الجنوب، وأخرى بالشتم الجارح لآبائنا ووالدينا-أقدس رمزية عائلية لدى الإنسان الجزائري- بسبب اختلاف في الرأي والموقف من مرشح الاليغارشية الضيقة، والجملكية الجديدة. ثم الكشف عن النفسية السادية المريضة، والذهنية العنصرية العتيقة لدى من تسلقوا لتولي المناصب السامية في الدولة وينعموا بمزايا الحكم ونعيمه.. على حساب ركام جماجم و أشلاء وإرث شهداء الأمس، وضحايا المأساة الوطنية، وعفة ووطنية من سلموهم السلطة من أخيار الاوراس وحماة الوطن.. فضلا عن حرمان وآلام شرائح واسعة من المجتمع الجزائري؛ ليهينوا بصفاقة فئة أصيلة وعزيزة من شعبنا ”الشاوية الأحرار” وينعتوهم ب”حاشا رزق ربي!”، وكأني بهم من جنس الجن والشياطين، ورموز للشر المستطير ببني البشر ! !.. ذلك غيض من فيض من السلوكيات الرعناء، والتصرفات اللامسؤولة لهؤلاء؛ فضلا عن استعمالهم للحلول الأمنية من مضايقة وقمع واعتقال، وغلق لفضاءات التعبير، ومصادرة لرأي المعارضين..؟! فهل حل بيننا وفي بلدنا اليوم عهد ”الاحتلالات الداخلية” المكملة ”للإحتلالات الخارجية” بالأمس للشعوب والأوطان ؟ ألم يحن أوان ”الهبة الوطنية” المشابهة لهبة نوفمبر54 بالأمس، لكن بالنضال السلمي المنظم والمستمر هذه المرة ؟.. لأجل التخلص من بقايا الذهنية والممارسات الكولونيالية القديمة لدى مسؤولينا، وتطهير إدارتنا ومؤسسات الحكم عندنا، والقوانين التي تنظم تؤطر حياتنا، وبرامجنا التنمية، وسياساتنا المستقبلية.. من فكر الوصاية، وعقلية العشيرة، و وهم الزعيم الملهم الواحد الأحد – أستغفر الله-، وريع وفساد المجتمع المفيد.. ممن قال بشأنهم وأفعالهم المشينة في حق المواطن والوطن؛ رمز النضال والشرف، عف اللسان وعنوان النزاهة، حكيم الوطن..المرحوم عبد الحميد مهري: ” هذا زمن الدناءة و للدناءة رجالها.”