لا زلنا مع اسم الله (القريب)، والآية التي ورد فيها هذا الاسم هي قوله تعالى: ”وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ”(سورة البقرة) وقبل أن نقف عند تفاصيل هذه الآية نلتف انتباه القارئ إلى أن في القرآن الكريم عدداً ليس بالقليل من الآيات التي تبدأ ب:” يسألونك”ويأتي الجواب ب:”قل”إلا في هذه الآية، ولقد استنبط العلماء من ذلك أنه ليس بين الله وبين عبده وسيط أبداً، فإذا قلت: يا رب تُبْتُ إليك، يقول الله لك: وأنا قبلت يا عبدي. لكن قد يقول قائل أنه قد جاء في موضع آخر من القرآن قوله تعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ”(المائدة) فما معنى الوسيلة في هذه الآية؟ قال العلماء: الوسيلة هي العلم –لمعرفة الله عز وجل-والعمل الصالح. قال تعالى: ”قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا”(سورة الكهف) ومن الأخطاء الشائعة التي تصدر من بعض الناس أن يقول أحدهم لك: أجرِ لي استخارة ولا يعلم أنَّ الاستخارة بينه وبين الله مباشرة، وأنها لا تكون بالنيابة و الوساطة ”وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أجيب دعوَةَ الدَّاع” ”وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ” أنا أسمع صوتهم، وأرى حركتهم، وأنا مطَّلع على ما في قلوبهم، إن تكلموا فأنا سميع بصير، إن تحركوا فأنا سميع بصير، إن أضمروا فأنا مطلع عليهم، لا تخفى عليه خافية، إنه علم ما كان، وعلم ما يكون، وعلم ما سيكون، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون. يعيش المؤمن حالة ثقة بالله لا تقدر، ولا توصف، لأنه يستعين بالله، كفى بك قوة أن تدعو الله، إن أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله ، إن أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يد الله أوثق منك بما في يديك. هو معكم بلطف، من دون أن تتضايقوا، معكم وأنتم مرتاحون، معكم بعلمه. لكنه مع المؤمنين بالتوفيق، وبالحفظ، وبالتأييد، وبالنصر، هذه هي المعية الخاصة لكنها لا تكون إلا بثمن، قال الله تعالى: ”وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ”(سورة المائدة) ”وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَان” إذا دعاني حقاً، إذا دعاني مخلصاً، إذا اتكل عليّ، ولم يكن الدعاء شكلياً، ولا أجوف، دعاني وهو موقن أنني قادر على إجابته. لذلك فإنَّ الدعاء يحتاج إلى عناصر، أولها أن توقن أن الله موجود أولاً، ويسمعك ثانياً، وهو قادر على تحقيق دعائك ثالثاً، وهو يحب أن يرفعك رابعاً لذلك قال تعالى:” قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ” (سورة الفرقان) أي لا يكترث الله بكم لولا أنكم تدعونه، لأن الدعاء هو العبادة. إلا أن العلماء استثنوا إنسانين من وجوب تحقق شروط الدعاء، فالمضطر يستجيب الله له، ولو لم يكن أهلاً للدعاء، يستجيب له لا بأهليته، ولكن برحمته، والمظلوم يستجيب الله له لا بأهليته، ولكن بعدله أخي القارئ الله عز وجل قريب من كل مخلوق، ولا تخفى عليه خافية، والله عز وجل قريب من كل مؤمن، بمعنى أنه يستجيب لك. ”ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ”(الأعراف) مستحيل وألف ألف مستحيل أن تكون معتدياً على خلق الله، وتقول: له يا رب استجب لي، لأن الله عز وجل من خلال هذه الآية يقول لك: لن أستجيب لك، لأنك من المعتدين، ولن تستطيع أن تسأل الله إلا إذا كنت محسناً. و من أكبر الأشياء التي تدعو المؤمن إلى طاعة الله أنه يخاف أن تنقطع الصلة بينه وبين الله، لذلك قال بعض العلماء: ” مساكين أهل الدنيا، جاؤوا إلى الدنيا وغادروها ولم يذوقوا أطيب ما فيها، إنها الصلة بالله” قال تعالى: ”وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ” جنة في الدنيا وجنة في الآخرة. في أي ظرف كنت وفي أي مكان كنت إن كنت مع الله كان الله معك، إن كنت مع الله كنت في حماية الله.”فإني قريب”أي أنا معك. هذا عن قرب الله منك، القرب الذي يعلمك سرك ونجواك، فماذا عن قربك منه ؟! اسمع أخي الحديث الشريف، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (السَّخِيُّ قَرِيبٌ مِنْ اللَّهِ، قَرِيبٌ مِنْ الْجَنَّةِ، قَرِيبٌ مِنْ النَّاسِ، بَعِيدٌ مِنْ النَّارِ، وَالْبَخِيلُ بَعِيدٌ مِنْ اللَّهِ، بَعِيدٌ مِنْ الْجَنَّةِ، بَعِيدٌ مِنْ النَّاسِ، قَرِيبٌ مِنْ النَّارِ، وَلَجَاهِلٌ سَخِيٌّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ عَالِمٍ بخِيلٍ)(الترمذي) و اسمع الى قوله تعالى ”إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ” إن كنت محسناً فأنت قريب من الله، الإحسان المطلق، أن تحسن في بيتك فالنبي عليه الصلاة والسلام يستوصيك بالنساء خيراً، أن تحسن إلى أولادك، أن تحسن إلى جيرانك، أن تحسن في عملك، أن تقدم السلعة الجيدة بسعر معتدل، بمعاملة طيبة، إنَّ الإحسان واسع جداً اسم الله ( القريب ) أي يجب أن يكون قريباً من المؤمن، لأنه معك، تسأله فيجيبك، تتقرب منه فيقبلك، تستعين به فيعينك، تتوكل عليه، فهو حسبك، ونعم النصير، لذلك من عرف الله عرف كل شيء. (ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء). الدكتور راتب النابلسي