عندما عثرت بالصدفة على كتاب” ثورة في التربية” للحكيم الهندي اشو ترجمة الأستاذة فاطمة بلفوضيل هزني الكتاب في العمق وأقنعني بأنّ كل ما تعلمته في المدارس هو محض هراء وأنّ الحوار الدائر حاليا عن الإصلاح التربوي في الجزائر ليس أكثر من حوار طرشان طالما أنه لا ينظر بعمق للرهان الحقيقي في هذا الإصلاح وهو الإنسان في البدء والمنتهى. في هذا الحوار تعود الأستاذة والأكاديمية فاطمة بلفوضيل إلى تجربتها مع كتاب ”أوشو” وقضايا التربية. كيف كانت تجربتك مع ترجمة كتاب”الثورة في التربية”؟ أريد أن أشكرك أولا على هذه الجرأة الرائعة التي جعلتك تتجاوزين ما يسمى ”الخطوط الحمراء” في الإمبراطورية الميردوخية، قليلة هي الأقلام الصحافية الجريئة التي تسعى إلى نشر الحقائق في عالم مليء بالأكاذيب، لقد كان الإعلام ولا يزال يطبل ويزمر للسياسيين وأصحاب المصالح، فحين ”يبول” علينا هؤلاء يقول لنا رجال الإعلام أنها تمطر أيها الشعب. وأعظم شجاعة في العالم يقول أوشو هي أن تكون فردا، وبالمناسبة أحيى الأستاذ عبد الحق بوشيخي صاحب دار الوسام العربي للنشر الذي ثمل بالحكمة الأشوية ولم يتردد لحظة في نشر الكتاب. أجل إذا أردت أن تعرف الحقيقة، فعليك أن تخاطر بحياتك.يجب ان تقف ضد كل الآكاذيب التي تحيط بك”، ستكون بحاجة إلى شجاعة كبيرة لأنك ستصبح وحيدا، الأكاذيب لا تحتاج إلى شجاعة بإمكان أي جبان أن يكذب، الأكاذيب تمنحك أموالا ومكافآت وجوائز نوبل، الحقيقة تمنحك الموت”. كل رحلة إلى الأعماق ممتعة مع الحكماء نتعمق في ماهية الحياة في اللحظة، الحكيم يحثك على النضج، ويجعلك تابعا لنورك الداخلي. أما السياسي فيريد أن يجعلك تابعا أبله مجرد ”رجل صغير” كما يقول ”فيلهلمرايش” هل قرأت كتابه الرائع isten little man ؟ . طبعا هذا النوع من الكتب لن تجديه في البرامج المدرسية أو المقررات الجامعية التي يعدها ”خبراء التربية” الذين ليست لهم أية خبرة بالإنسان والحياة لأننا لو درسنا كتب أوشو ورايش وجون تايلور لكنا إنسانا آخر. لكن ”خبراء التربية” الذين يعدون برامج ”التغبية” يدركون معنى أن يكون الإنسان ناضجا الإنسان الناضج يفهم الحياة بكل إبعادها الإنسان الناضج لا يشارك في حبك المؤامرات.. الإنسان الناضج مأخوذ باللحظة الآنية إنه يعرف أنه لا يعرفانه، يعرف أن عدو المعرفة ليس الجهل ولكن وهم المعرفة. وكل المنظومات التربوية تحاول أن تجعل من الإنسان مجرد جندي في ثكنة يطيع الأوامر ولا يسأل، يحاول بكل جهده أن يتحصل على شهادة عليا ليجد منصبا عاليا.. إنه -بحكم غبائه- ضحية ”Matrix” جهنمي قضى على كل ذرة من المادة الرمادية في دماغه ”إنكم تنصبونني سيدا على العالم ولكن لا تقولون لي كيف يصبح المرء سيد نفسه”. هل غير الكتاب قناعاتك تجاه أداء المدارس والنظام التربوي في الجزائر؟ الآمر لا يتعلق بالجزائر فقط ثمة مؤامرة كبيرة على عقل الإنسان في كل أنحاء العالم، هل تساءلت لماذا كل هذه الحروب التي لا تنتهي؟ لماذا كل هذه الصراعات؟ لماذا كل هذه الفوضى ؟ لماذا كل هذه الشركات العملاقة التي تمتص دم الإنسان والأرض؟ لماذا كل هذا التلوث ؟ لماذا هذا الإحتباس الحراري؟ لماذا كل هذه الأمراض النفسية والجسدية؟ لماذا كل هذه المخدرات بالآطنان؟ لماذا ؟ لماذ؟ إنه جشع الإنسان المستلب الذي ضيع أعظم الكنوز: المعرفة الحقيقية، ومن المسؤول عن ذلك؟ التربية كل المنظومات التربوية في العالم خاضعة للوبيات ال Big Brother، كل المنظومات التربوية تجعلك مثقلا بالمعلومات وليس بالمعرفة الحقيقية إنها لا تجعلك أكثر وعيا، إنها تشجع اللاوعي و”الأنا” فيك لتكون أكثر غباء وجاهزا للدخول في الصراعات والحروب. هل تعتقدين بأنّ جزء من مشاكل المدرسة الجزائرية تعود إلى استغلالها في المعارك السياسية؟ تريد المنظومات التربوية أن تخلق حشودا يمكن مراقبتها والتحكم فيها، إنها لا تريد أن ترفع مستوى الوعي الإنساني لأن ذلك يهدد مصالح السياسيين واللوبيات في كل أانحاء العالم والمدرسة الجزائرية ليست استثناء يقول ”أوشو” إن ما يسمى التربية هو جزء من مؤامرة كبيرة استمرت لمئات السنين. في القديم كان يحيك خيوطها الكهنة ورجال الدين، وفي هذا العصر يقوم بذلك السياسيون ”إنني لا أريد أن أدخل في تفاصيل ”الأجندات” التي تخطط لجعل الإنسان مجرد تابع أبله لكن أريد أن أؤكد انه آن الأوان لكي ننتبه. ونكون أكثر وعيا إننا بحاجة إلى تعليم يخلق الإنسان الواعي والمحب والمبدع”. تعددت الإصلاحات التربوية في الجزائر، أين يكمن الحل حسب رأيك ؟ يبدو أننا بحاجة قبل -الإصلاحات التربوية - إلى إصلاح القائمين على الإصلاحات، يجب أن يدرك هؤلاء القائمون على التربية والتعليم أهمية وخطورة ما يقومون به ويجب أن يدركوا أن تعليما يقوم على أسس التنافس بين التلاميذ على مقاعد الدراسة يؤدي إلى صراعات وحروب بينهم في المستقبل. وحين يغرس المعلمون في رؤوس الأطفال أنهم بحاجة إلى القبول والتقدير فإن ذلك كله يجعلهم يسعوون إلى أن يكونوا غير ما يريدون أن يكونوا، يسعوون إلى أن يكونوا كما يراد منهم أن يكونو ليتقبلهم الآخرون. هذه استراتجبية مخادعة -يقول اوشو- لإبقاء الناس تحت السيطرة على القائمين بالإصلاحات وإصلاح الإصلاحات أن يفهموا أهمية التأمل مثلا ودوره في القضاء على سطوة ”الأنا” والانفتاح على الآخر. التأمل الذي يخلق سلطة الحب لا حب السلطة، عليهم أن يدركوا أن النجاح ليس معيارا وبالتالي على الإنسان أن يكون راضيا، يعيش السكينة والسلام الداخلي. من الأفضل للإنسان أن يكون فاشلا في قضية نبيلة من أن يكون ناجحا في حبك المؤامرات. يجب أن يحترم الأعمال النبيلة لا النجاح، علينا أن نكفّ عن حماقاتنا القديمة التي تقدس المنافسة والطموح والوصول إلى القمة على جماجم الآخرين، إنه من المستحيل أن نخلق إنسانا سويا ومتوازنا في ظل منظومة تغذي الصراع والتنافس، والنتيجة حشود تحكم بقوة السلطة والمال والمخدرات وحشود أخرى مريضة تتعاطى الغباء والمخدرات والهذيان، إننا نعيش كما يقول اوشو في عالم يشبه المصح العقلي، هناك مرضى والأطباء، آما أغبياء أو عملاء يعملون على المحافظة على حالة الجنون بوصفة تتغير فيها أسماء الأدوية المهلوسة فقط. فمرة يصفون لنا Prozac ومرة تتغير الوصفة ويقولون لنا جربوا Zebrexa وفي كل الحالات مازلنا نهذي ولا ندري بأننا نهذي والمصيبة هنا أعظم. يركز الكتاب على اعتبار الحب جزء من الحالة الدينية ألا ترين أن مشاكل المدرسة الجزائرية ناتجة عن هذين المفهومين، فالمدارس حسب بعض خبراء التربية مهمتها تخريج مواطنين لا مناضليين؟ أرجو أن تتعمقي أكثر في قراءة الكتاب فاوشو لم يتحدث عن الدين كمؤسسات، لقد تحدث عن الدين من حيث كونه توق الإنسان لمعرفة ذاته، وحين يلامس النضج الروحي سماءنا الداخلية نكون قد وجدنا مسكننا، إن الدين تجربة عميقة يتحول من خلالها الإنسان تحولا جذريا فيصبح ”كلامه حكمة، ووقع أقدامه رقصا وصمته موسيقى” هذا هو الدين الذي يجب أن تعلمه التربية ”تكون التربية في الاتجاه الصحيح عندما يقول لك : كن أنت لا تصبح شخصا آخر اكتشف إمكانياتك وعش فرح هذا الاكتشاف. لا تكن في سباق مع أي أحد. إذا عملت التربية على تنمية القدرات الكامنة في الإنسان، وليس الطموح وتنمية الحب وليس التنافس، وتنمية الوعي وليس الصراع، فسيكون باستطاعتنا أن تصنع ثورة حقيقية”. كل هذا يصنع مواطنين كونيين واعيين لا مناضلين بلهاء تحت شعارات سياسية جوفاء.