حتى نعرف عمق الأزمة الفكرية والنفسية والتربوية التي أنتجت لنا ”داعش” وخليفتهم البغدادي، يجب أن ننظر في نقد الناقدين ل”داعش”، من فقهاء الإسلاميين ونشطائهم، ومن يقتنع بفكر هؤلاء ويرى ردودهم هي الشافية الكافية. هنا نبع الداء.. وليس خطبة صاحب العمامة السوداء من فوق منبر الجامع النوري بالموصل. ماذا قال الخليفة البغدادي، يختلف عن ما قاله وفكر فيه من قبل حسن البنا وسيد قطب وأسامة بن لادن والظواهري و”جبهة النصرة” والقرضاوي؟ لا شيء يختلف، فقط الأخ إبراهيم عواد البدري، أو أبو بكر البغدادي كما يقتضي مقام الخلافة من فخامة ووقار، بادر وجسد ما كان هؤلاء ينظّرون ويحشدون ويربون الناشئة والمجتمع له وعليه. لا فرق بين ”أستاذية” حسن البنا وخلافة العالم، التي كان يراها غاية نهائية للخطاب التربوي الإخواني، كما كان المرشد بديع يردد بحبور، وخلافة ”داعش” ومحتوى خطبة البغدادي. دعونا نجلب مثالا محددا و”طازجا” على أنه لا فرق في الجوهر بين ”داعش” وخطاب ”الإخوان” وكل الحركات الإسلامية. الفرق في الأساليب والتكتيكات. فقط. قبل أيام صدر بيان نقدي ضد ”داعش” من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وهو اتحاد يتزعمه الشيخ يوسف القرضاوي، فقيه الإخوان المسلمين، ويضم في عضويته مجموعة من رموز العمل الإخواني، سواء بالانتساب الرسمي إلى ”الإخوان” أو الانتماء العاطفي والفكري. رموز من دول الخليج وغيرها. بيان اتحاد القرضاوي قال معلقا على إعلان البغدادي نفسه خليفة للمسلمين، فقط تأملوا في الكلام: اعتبر الاتحاد أن كل تلك الأمور (إعلان الخليفة والخلافة الداعشية) جرت: ”بلا أي معايير شرعية ولا واقعية، وضررها أكثر من نفعها”، مضيفا البيان: ”كلنا نحلم بالخلافة الإسلامية على منهاج النبوة، ونتمنى من أعماق قلوبنا أن تقوم اليوم قبل الغد، ولكن الإسلام علمنا، ومدرسة الحياة علمتنا: أن المشروعات الكبرى لا بد لها من تفكير طويل، وإعداد ثقيل”. وأكد الاتحاد أن الخلافة ”إنابة عن الأمة”، وهي: ”لا تثبت شرعا وعقلا وعرفا إلا بأن تقوم الأمة جميعها بمنحها للخليفة، أو من خلال ممثليها الذين سموا في السابق بأهل الحل والعقد وأولي الأمر، من العلماء والأكفاء والمسؤولين وأصحاب القرار، والجماعات الإسلامية”، مضيفا أن مجرد إعلان جماعةٍ الخلافة: ”أمر مخالف لهذه الحقيقة الشرعية”. هل لاحظتم فرقا ”جوهريا” بين فكر وخطاب اتحاد علماء القرضاوي هذا وخطاب ”داعش” وفكرهم؟ جماعة القرضاوي تنتقد ”استعجال” ”داعش” إعلان الخلافة دون تفكير وإعداد مسبق، ودون الرجوع لأهل الحل والعقد من الأمة، وأكيد القرضاوي من أهل الحل والعقد هؤلاء.. كما تنتقد الانعكاس السلبي لهذا الإعلان على السوريين والعراقيين. بكلمة، هي كلها محذورات تكتيكية عملية، وليست تمايزا ناصعا على مستوى الخيال والتفكير. لا فرق بين القوم في العقول، بل هي اختلافات توقيتية وإجرائية ونزاع على غنيمة الخلافة ومجد حيازتها. هنا نبع الداء. وليس خطبة صاحب العمامة السوداء في منبر الموصل.