ما من أحد يستطيع لوم خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز في سعيه الحثيث لبناء موقف دولي وإسلامي وعربي ضد الإرهابيين الرافعين شعار الدين والجهاد. منذ اندلع الإرهاب الديني بالسعودية 2003 وهو أعلن صراحة، وحينها كان ولي العهد الماسك بأزمة الأمور، أن معركة السعودية مع الإرهاب مستمرة وقوية وعزيمتها راسخة وثابتة، وأنه لو اقتضى الأمر أن تدخل السعودية في معركة مع ”القاعدة” وشبيهات ”القاعدة” 30 عاما فلن تنكسر إرادة السعودية ولن يتفتت عزمها في هذه الحرب الكبرى. الملك عبد الله كان يدرك أن المعركة ستطول أكثر مما يتخيل الآخرون، ولنا أن نتذكر كيف أن هناك من بشّر بنهاية الإرهاب في السعودية بعد نجاح الأمن السعودي في كسر شوكة الوجود التنظيمي لخلايا ”القاعدة” السعودية. تبين الآن أن المشكلة ليست مع هذه الجماعة أو تلك، ”القاعدة” أو ”داعش” أو ”النصرة” أو ”بوكو حرام” أو ”قاعدة اليمن” أو الزرقاوي أو أنصار الشريعة أو جماعة بيت المقدس.. وغير ذلك من العناوين والأسماء. المشكلة هي النبع الذي يتدفق سخيا ليسقي شتلات هذه الجماعات. ستنتهي ”داعش”، الآن، أو غدا أو بعده، ولكن هل يعني هذا أنه لن توجد جماعة أخرى بشعار آخر؟ هناك دول تستثمر الإرهابيين والإرهاب لأغراض سياسية انتهازية وقتية، ثم تشرب الحنظل الدموي بعدها، ولذلك لا تصدق العزيمة بمكافحتها. وهناك جماعات تتنفس ذات الأوكسجين الذي يتنفسه أبو بكر البغدادي وأبو محمد الجولاني وأسامة بن لادن، وهي من تبذر ثقافة هؤلاء الدواعش، ثم يعلنون البراءة منهم حين تكون الفاتورة مكلفة. من هناك، ومن واقع إحساسه بخطر هذه الجماعات على صورة الإسلام ومصالح المسلمين، وخطرها على التواصل الإنساني، يتخذ عبد الله بن عبد العزيز الموقف تلو الموقف، للتنبيه والبلاغ. آخر ذلك ما قاله خلال استقباله عددا من السفراء المعتمدين لدى المملكة، الجمعة في جدة، إن خطر الإرهاب سيمتد إلى أميركا وأوروبا، في حال لم يتحد العالم في محاربته. وأوضح: ”أنا متأكد أنه سيصل إلى أوروبا بعد شهر، وإلى أميركا بعد شهرين”، داعيا زعماء العالم إلى دعم المركز الدولي لمكافحة الإرهاب الذي تشرف عليه الأممالمتحدة بسرعة، وذلك من خلال إبلاغ سفرائهم لدى السعودية. وكانت السعودية هي صاحبة فكرته والممول الوحيد - تقريبا - له. وبتأكيد مكرر ورسالة مرددة لا يمل من قولها الملك عبد الله منذ هبوب رياح ”داعش” السوداء، خاطب السفراء بقوله: ”هذه الرسالة أرجوكم تنقلونها حرفيا لزعمائكم أصدقائنا لأني أعرف أنهم يقدرون الإرهاب وخلفية الإرهاب”. رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قال إن المشكلة ليست في مواجهة ”داعش”، بل في مواجهة الفكر المنتج لها، والرئيس الأميركي أوباما دعا، بعد نعاس سياسي، إلى تكوين تحالف دولي ضد ”داعش”. لو صدقت النوايا، وتشكلت رؤية حقيقية علمية للمشكلة، لما وصلنا إلى هذه المحطة.