ارتكزت النصوص النثرية عند الأديبة والشاعرة سليمة مليزي على التعبير عن ذات يسكنها التصدع والتمزق والضياع والجراح والأوهام، من خلال استحضار كثير من التفاصيل والإحساسات والمشاعر التي تجعل القارئ منذ البداية يلج إلى أعماقها، ويطل على أفكارها وتجربتها التي تحكي عن عالم العشق والشوق المتغلغل في مسارب هذه الذات، وهي تمارس طقوسها من داخل هواجسها وأحلامها وأوهامها في رحلة الحياة بكل معانيها ومآسيها، حاملة أشلاء الكتابة بصمت وصبر عبر أحلام العشاق تقتات وتنهل من محيط التجربة بواقعية وموهبة مرفرفة بأجنحة الحب وسراب الأمل المنشود محافظة من خلالها - الكلمة - على البنية الأساسية للصور الشعرية المتجلية في الإيحاء والاستعارة والتصوير وهي تعانق الرفيق/ العشيق والأطفال والطبيعة والوطن بمزيج الحنين واللهفة للقاء والتواصل. والديوان هو تعقب الذات من خلال علاقتها بالفضاء الاجتماعي والنفسي المسكون بالهواجس والعواطف الجياشة والصور الرومانسية والتي جعلت منها عاشقة خجولة ترتعش في شفاهها كلمات الحب والوجد وقد اشتمل على قصائد متعددة ومتنوعة منها على سبيل المثال لا الحصر (مرورا على الجمال، كن صديقي وأكثر، لك وحدك يجن قلمي،مواسم الوجع، حبل الوصال،أماه،أرق الانتظار،فرس الكبرياء، من بقايا حنين،كؤوس الهوى، عصفورتي، عثرات الروح، عتاب القلم، زهرة تونس الخضراء....). ففي هم القلب تتجسد حالة عشقٍ رومانسيّ،تبدو من خلالها الشاعرة عاشقة خجولة، ترتعش في شفاهها كلمات الحبّ، وتضطرم نيران اللوعة والألم،وقد ملتّ خداع السراب وهو تفتش عن الحب الحقيقي في صحارى هذا الزمن القاحل ”في وحدتي وغربتي .../ فتشت عنك بين بقايا دفاتري..”. كما أن أبيات القصيدة تلمع كالمنارة في وجه عوامل اليأس والإحباط والضياع من خلال قلب يحمل بين جنباته طموح أمة وحلم وطن ” تبكيك يا وطني أشجار الصفصاف الشامي / وأرز لبنان العالي..”. في الديوان صور شتى مفعمة بالصدق والبطولة، مكنت الشاعرة من السيطرة على قلوب القراء من خلال تملكها للمواضيع تملكا تاما، إذ هو بالنسبة إليها هدف ومرام يغلب القلب والحدس والغريزة على الأشياء الأخرى. استنطاق مفردات القصيدة وإعادة العزف على أوتار أبياتها التي تخاطب ذات الشاعرة / المتلقي قصد إشراك هذه النفس التي تسعى جاهدة لإبراز هذا الحب الذي يعتمل في الصدر مصرة على المضي قدما دون تردد أو انتظار، وعدم الوقوف عند شاطئه ”ليبقى حبُّك مُحَلِّقًا كحمائمَ بيضاءَ / ماحيا مواسم الرحيل والولع”. كما أن المتأمل في هذا الديوان يتحسس من خلاله تلك العلاقة المتينة والرابطة القوية عبر تعلق الشاعرة / البشرية بينها وبين أمها، في ظل جو مترابط ومتفاهم مفعم بالحب والعاطفة، عبر إحساسها بكلام يعبر عما يخالج روحها، بلغة تستحق التوقف الطويل أمامها لأنها تجربة روحية عميقة ولافتة لأعظم كائن بشري خلقه الله (الأم) ”أماه أحن إلى نظرات عينيك الحنونة / أحن إلى مناداتك أمام الجيران / أحن إلى معاتبتك لي/ أحن إلى حضنك الدافئ...”. تفاعل ذات الشاعرة مع الطموح في معانقة الحلم المرتبط دوما بالليل مشعلة جذوة الإحساس بالحياة ومعاناة الوجود بها ”أحكي لليل أشواقي / تناجيني مهجتي / تبعثرني أحلامي..”. وتواصل الشاعرة إلى الحديث عن الصداقة التي هي إحساس آخر من الهدوء والسكينة والتعاون والتآخي عبر مشاركة الأفراح والأحزان والتفاهم والحوار البناء وإعطاء الدعم المعنوي والنصيحة...”كن صديقي في شدة الحزن كن / في غمرة الفرح كن...”. وقصائد الديوان هي تعبير عن أحاسيس إنسانية عميقة استحضرت أكثر الألفاظ قدرة على الإثارة والإيحاء من خلال بوح الشاعرة باللحظات العائدة إلى منابعها فكانت بذلك ترسم لوحات تدعو إلى التأمل والدهشة والتساؤل.. وأخيرا يتوق الديوان إلى تعزيز المفاهيم ” الأمومة، الصداقة، الزواج، الوطن، الطفولة...” وما تحويه من عبق وسحر جميل. محمد محقق