لا يكلّ تنظيم ”داعش” من محاولة إبهار الغرب بصورته، وقد نجح؛ فالتنظيم يبدي هوسا لا محدودا ب”كيف نراه”، ويجهد لنيل اعتراف الغرب بقوة صورته وبقدرتها على التأثير. فلتكثيف القتل عبر تصويره وإعطائه عمقا ملحميا، دور في هوية الجماعة. صحيح أن ”داعش” يجهد لإعادة المناطق التي تحت سيطرت مئات الأعوام إلى الوراء، من حيث الممارسة والمظهر واللباس والقوانين وطريقة القتل ذبحا وصلبا ورجما. لكن مع ذلك فهذا الجهد للعودة إلى ماضي ”الخلافة” تشذ عنه علاقة التنظيم بالصورة، فهذه لا يبخل عليها العقل الداعشي، بل يرفدها بأحدث تقنيات العصر. وشغف هذا التنظيم بصورته ظهر مرارا في الفيديوهات التي أنتجها، بحيث تبدو المساحات التي يسيطر عليها التنظيم أقرب إلى مدن إنتاج سينمائي يوظف فيها قسرا ممثلون ضحايا لا يملكون خيار عدم لعب دور القتلى، فنراهم يؤدون أمام الكاميرات موتهم الحقيقي بكل ما فيه من عذاب وألم ودم على يد جلادين ينظرون إلى العدسة وهم يقتلون؛ فهم يذبحون ويرجمون ويصلبون للصورة وليس لشيء غيرها. كتب الكثير عن هوليوودية ”داعش” وجاذبية الصورة بالنسبة إلى التنظيم، لكونها وسيلته في الحرب النفسية قبل القتال الفعلي. فالقتل في كنف التنظيم هو قتل للقتل وللصورة. أما ”كومبارس” الضحايا فهو يتجدد دائما، فيما ”بطولة” الجلادين يجري تكريسها عبر بعض الوجوه، كما يحصل مع أشهر قتلة ”داعش”، المعروف بالجهادي ”جون”، الذي نفذ عمليات ذبح الرهائن الأميركيين. هذه الحاجة الملحّة لإبهار الغرب لا تخطئها العين في فيلم التنظيم الأخير، الذي يُظهِر عملية إعدام جماعي لجنود وضباط من سلاح الجو السوري، وبعدها إعدام مماثل لرهينة أميركي، هو بيتر كاسيغ. في هذا الشريط بذل العقل ”السينمائي” الداعشي ذروة قدرته التصويرية والإخراجية، بحيث بدا العنف الممارس بمثابة محتوى لا مفر منه للإبهار البصري. ومن تمكّن من مشاهدة الشريط بالغ الوحشية لن تفوته ملاحظة نقاوة الصورة وتعدد كاميرات التصوير وتوليف المشاهد، بل حتى زوايا التصوير. نعم، في الفيديو الأخير دشن تنظيم ”الدولة الإسلامية” مرحلة جديدة من دعايته، ومن هوسه الجنوني بصورته. بدا أن عملية الإعدام أعد لها مخرج سينمائي، وليس مجرد جلاد فقد روحه. فعملية الإعدام أتت عبر سياق تصويري مشهدي تمت دراسته قبل تنفيذه بحيث بدت عملية الإعدام تلبية لحاجات الصورة، وليس لشيء آخر، فالكاميرات نقلت لنا ببطء تلك العيون الباردة للقتلة ووجوههم المكشوفة التي تشي بتنوع الأصقاع التي أتوا منها. ارتصفوا خلف ضحاياهم، بعد أن التقط كل منهم سكين الإعدام من سلة وُضعت خصيصا لمزيد من الرعب البصري. وحده الجهادي جون ارتدى زيا أسود وقناعا للوجه وقاد عملية الإعدام التي تمت بشكل متزامن ومبالغ في تصويره مقربا صوتا وصورة. طرح البعض تكرارا دعوة إلى مقاطعة بث أفلام التنظيم والحدّ من تداولها، باعتبار ذلك وسيلة ستضعف من انتشاره حتما. المشكلة هي في ضعف قدرتنا كمشاهدين وكإعلام عن الانجذاب نحو تلك المشاهد التي نقف أمامها عاجزين يتملكنا الرعب، وأيضا الانبهار.. لكن الصورة رغم كل عنفها ستقع حتما في فخ الرتابة، وتلك ستحصل لا محالة إن لم تكن قد بدأت فعلا، وحينها لن يعود لذلك الموت العميم وقعه كما هو اليومعن الشرق الاوسط : ديانا مقلد الأرجح أن هوس الصورة هو ما سيصيب التنظيم بمقتل.