في السينما والمسلسلات، يتكرر مشهد زعيم مافيا مخدرات شرس، لكنه لا يتعاطى مخدراته شخصيا، ولا يحب من يتعاطاها. تذكرت هذا، مع الفارق طبعا، وأنا أقرأ أن مارك زوكربيرغ الشاب الأميركي الملياردير، النابغ، مؤسس ”فيسبوك” عازم هذه السنة (2015) على إلزام نفسه بقراءة كتاب كل أسبوعين، مشجعا ”الفيسبوكيين” على ذلك. الفكرة جميلة وصحية، لكن المناخ الذي انطلقت منه، مواقع التواصل الاجتماعي، معاد، بطبيعته، للثقافة الجادة والقراءة المتمعنة، والتروي، قبل فتح الفم ونقر لوحة المفاتيح أو لمس الشاشة. من كان يقرأ، ولو يسيرا، في الكتب، صار معدما من هذا النزر، لأن الوقت الذي كان يقضيه في قراءة ثلاثين صفحة، مثلا، يوميا أو أسبوعيا، ذهب ل”تويتر” و”واتساب” و”فيسبوك” حتى القراءة، ولو لمائة كلمة، صارت تتقلص في هذه الوسائط لصالح مقاطع الفيديو والصور والشائعات. مصيبة هذا السلوك في إعدام قيمة العلم وقدسية البرهان وحاكمية المنطق، لصالح الخفة والسرعة، ولم يعد معيبا أن يتكرر الكذب والتعجل من مصدر ما، لينفى في الغد. هذا يعني، بوضوح، تغليب منطق العجلة والجهل، فللجهل منطقه، على منطق العلم والفهم. ليس هذا فحسب، فتمكين الجهال من التأثير والتفاعل والتخاطب بلا قيود مع بعضهم بعضا، يعني وبشكل آلي، غلبة ثقافة الجهل والتعصب، والخرافة والغرائب. هذه دورة ستنتهي، كما قيل هنا سابقا، ومن اخترع الإنترنت، وهم الغرب، هم من سيقود لجم هذا الوحش، والسبب أن الإنترنت صار جسرا رئيسيا لعبور الإرهاب إلى ديارهم، ذهابا وإيابا، والمثل المصري يقول: ”من حضّر العفريت يصرفه”. وقد أعلنت مسؤولة مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي، جيل كيرشوف، أن الاتحاد يعتزم إنشاء خلية مستشارين في بلجيكا لمساعدة الدول الأعضاء في محاربة دعايات المتطرفين، والإنترنت أبرز طرقهم. الاتحاد الأوروبي كان سبق له العام الفائت الاجتماع بقادة الإنترنت للتفاهم حول مكافحة الإرهاب في مواقعهم. نعم، الفساد والجهل والتعالم والإجرام والتعصب الديني وحب الأذى والتلصص والانحلال، صفات موجودة في المجتمعات البشرية قديما، تزيد وتنقص، لكن ليس صحيحا القول إن ”الإنترنت لم يخلق واقعا بل كشف عيوبا”. لا، هذا غير صحيح، بل الإنترنت صنع واقعا، أرضعه وسقاه، وفّر نوافذ تواصل ازدهرت بها أعداد السالكين مسالك الشر والجهل. مفهوم أن تقاتل شركات الإنترنت لنفي هذا التصور، فلديهم مئات المليارات من الدولارات يخشون عليها، ولكن ربما تكون الحكومات الغربية هي وحدها التي تقدر على تحييد مطامع هذه الشركات من أجل حماية دولهم ومجتمعاتهم. ربما.. لولا الإنترنت لما صارت ”داعش” بهذا الصيت والضجيج والحجم. الظريف أنه حتى أسماك القرش ضاقت ذرعا بضجيج الإنترنت فمزقت ”كوابل” شركة غوغل في المحيط الأطلسي، كما اشتكى دان بليشر مدير الإنتاج في ”غوغل”. في كل هذا الكلام نحن نتحدث فقط عن ال”سوشيال ميديا” لا عن تقنية الإنترنت نفسها التي صارت ضرورة للحياة المعاصرة.