ودّعت المملكة العربية السعودية، صبيحة يوم أمس، خادم الحرمين الشريفين، الذي غيبته المنية بعد صراع طويل مع مرض الالتهاب الرئوي الذي استدعى وضع أنبوب مساعد على التنفس، بعد عقد من الزمن حكم فيه البلاد، ليعلن الديوان الملكي فورا مبايعة الأمير سلمان بن عبد العزيز ملكا جديدا. عانى الملك السعودي الراحل من مشاكل صحية معقدة، لاسيما في الآونة الأخير، حيث أعلن الديوان الملكي السعودي أنه كان يُعالج من التهاب رئوي استدعى وضع أنبوب مساعد على التنفس، ويأتي هذا الإعلان بعد يومين من إعلان الديوان الملكي دخوله مدينة الملك عبد العزيز الطبية للحرس الوطني بالرياض لإجراء فحوص طبية، وأجرى الملك السعودي يوم 17 نوفمبر 2012 عملية جراحية في المستشفى ذاته لتثبيت رابط بفقرات، الظهر بعد أن اكتشف الأطباء وجود تراخ فيه، ومنذ إجراء العملية يغيب الملك عن أي مناسبات رسمية خارج المملكة، كان آخرها القمة الخليجية في الدوحة، يوم التاسع من ديسمبر الماضي، وصار ولي العهد السعودي يترأس غالبية جلسات مجلس الوزراء بالمملكة. وكان الملك عبد الله بن عبد العزيز ظهر يوم 28 نوفمبر الماضي على شاشة التلفزيون الرسمي للمملكة مستقبلا كبار الأمراء، في أول إطلالة له منذ دخوله في ال 17 من الشهر نفسه وخضوعه لعملية جراحية في لتثبيت الأربطة المحيطة بالفقرة الثالثة بالظهر في أكتوبر2011، كما أجرى العاهل السعودي عملية في نيويورك، وأخرى الشهر التالي عقب معاناته من انزلاق غضروفي قبل أن يمضي فترة نقاهة استمرت شهرا في المغرب. ربيع عربي وحروب وأزمات إقليمية ميزت فترة حكمه خلال عقد من الزمن، حكم فيه الملك عبد الله بن عبد العزيز السعودية، شهد العالم ثورات وسقوط أنظمة وحروب مستمرة وفتنا طائفية، كان أغلبها في منطقة الشرق الأوسط، شارك فيها العاهل السعودي بسياسة براغماتية خاصة، ومع تصاعد شرارة الانتفاضات العربية، تبنى الملك عبد الله تراوحت بين ”السيطرة على الضرر”، وهو ما حدث في مواقفها في اليمن والبحرين وربما سوريا، و”بمحاولة ملء الفراغ الاستراتيجي”، الذي خلَّفه غياب دول محورية مثل مصر وسورياوالعراق. فمع بداية الأزمة في سوريا، تعاملت المملكة مع الموقف وفق قواعد الشرعية الدولية وعبر مجلس الأمن الدولي، ومع تأزم الوضع استدعى الملك السعودي سفير المملكة في دمشق، ووجه نظره إلى لبنان داعياً إلى النأي بالنفس عن الصراعات الخارجية، خصوصاً الأزمة السورية، كما رفضت المملكة إلقاء كلمتها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 24 سبتمبر 2013، لعدم تحرك مجلس الأمن في الشأن السوري أو القضية الفلسطينية، واعتذرت عن قبول العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن، لمدة عامين، اعتباراً من بداية جانفي 2014، اعتراضاً على آلية إدارة المؤسسات الدولية وفي مقدمتها مجلس الأمن. وفي الشأن المصري، اتخذ الملك عبد الله موقفاً حازماً ضد من يحاول زعزعة الأمن في مصر، منحازاً لوضع حد لحكم الإخوان المسلمين، وتكريس لهذا الموقف قامت المملكة السعودية بسحب سفرائها من الدوحة التي قدمت الدعم السياسي لجماعة الإخوان.ولدى اندلاع الأزمة في البحرين شهر فيفري 2011، أخذت المملكة على عاتقها إنهاء الوضع، وأرسلت قوات سعودية للحفاظ على نظام الحكم والأمن، كما ساهم الملك عبد الله في محاولة إنهاء الأزمة في اليمن، عبر وضع حدّ لحكم الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح عبر ”المبادرة الخليجية”. ومن جهة أخرى، اعتبرت إيران وسياستها أكبر هاجس وعائق واجه الملك عبد الله بن عبد العزيز خلال فترة حكمه للملكة السعودية، ففي أفريل 2008، أعلنها الملك عبد الله صراحة، لما طلب من سفير الولاياتالمتحدة آنذاك لدى العراق، والجنرال الأمريكي ديفيد بتريوس، ”قطع رأس الأفعى”، في إشارة لإيران، كما قدم نصائح متكررة للولايات المتحدة لوضع حد لبرنامج إيران النووي. وفي ملف مكافحة الإرهاب، انضمت المملكة إلى التحالف الذي تقوده الولاياتالمتحدة ضد تنظيم الدولة في سبتمبر 2014، وشاركت في تنفيذ أولى الضربات ضد داعش في سوريا. الأمير سلمان بن عبد العزيز خلفا لوالده ومقرن وليا للعهد أعلن الديوان الملكي فور وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز مبايعة الأمير سلمان بن عبد العزيز ملكا جديدا، كما تلقى الأمير مقرن بن عبد العزيز البيعة، كولي للعهد بعد الأمير سلمان. وبحسب البيان الصادر عن نفس الجهة، ستبدأ البيعة من المواطنين للعاهل الجديد وولي عهده بقصر الحكم في الرياض بعد صلاة عشاء الجمعة. ويشار إلى أن الأمير سلمان بدأ حياته السياسية في 1954 أميرا لمنطقة الرياض بالنيابة عن أخيه الأمير نايف بن عبد العزيز، ثم أصبح أميرا للرياض بشكل رسمي بعد عام واحد إلى أن استقال عام 1960، وفي عام 1963 أصدر الملك سعود بن عبد العزيز مرسوما ملكيا بإعادة الأمير سلمان أميرا لمنطقة الرياض مجددا، ليتقلد منصب وزير الدفاع في 2011 بعد صدور أمر ملكي، وبعد وفاة الأمير نايف بن عبد العزيز ولي العهد الأسبق، صدر أمر ملكي آخر باختيار الأمير سلمان وليا للعهد ونائبا لرئيس مجلس الوزراء بالإضافة إلى كونه وزيرا للدفاع.