في تصريح لها إثر وفاة الملك عبد الله آل سعود، قالت مديرة صندوق النقد الدولي، الفرنسية كريستين لاغارد، إن الملك كان مدافعا كبيرا عن حقوق النساء. وذهبت تعليقات الزعماء الغربيين في نفس الاتجاه، ونعتوه بالحكيم وبرجل الدولة، ورجل السلام، بمن فيهم إسرائيل التي سبق ووصفت مبادرته للسلام بين فلسطين وإسرائيل بأنها لا تساوي الحبر الذي كتبت به، ولا أحد اهتم بما يعانيه سكان المملكة من تضييق ودوس لحقوق الإنسان، ومن غياب للديمقراطية، بل لا أحد تذكر أنه منذ أيام فقط تم إعدام سيدة في الشارع وأمام الملأ بقطع رأسها بتهمة الزنا. ولا أحد تذكر قضية المدون رائف بدوي الذي حكم عليه بألف جلدة وعشر سنوات سجنا وكذا مليون ريال غرامة، والتهمة أنه أسس موقع أنترنت للتعبير عن رأيه ومناقشة الأوضاع في المملكة. رائف بدوي تلقى منذ أسبوعين 50 جلدة، وما زال حتى الآن لم يشف منها، ما أجل عملية الجلد إلى أجل غير مسمى. لا أدري لماذا تجاهلت كريستين لاغارد هذه الحقيقية في السعودية، وحيث ما زالت المرأة ممنوعة من قيادة السيارة ومن السفر دون رفيق (محرم) وحيث ما تزال فرق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تلاحق المواطنين وتحكم بالإعدام على الفتيات بأدنى شبهة زنا، وتجبر الأولياء في كثير من الأحيان على تنفيذ الإعدام بأنفسهم في بناتهن. ففي مملكة الراحل عبد الله وحدها، يمكن للأب أن يغرق ابنته في حمام سباحة بيته أمام والدتها وشقيقاتها، لمجرد الاشتباه في إقامتها علاقة غرامية، هذه العقوبة التي لم تنج منها حتى الأميرات. هذه حقيقة المملكة التي لا تخجل من الحديث عنها، وهذا نمط حكمها الذي تريد تصديره إلى البلدان العربية والإسلامية الأخرى، لكن المفارقة أن هؤلاء الزعماء الغربيين، الذين تآمروا على سوريا وعلى العراق وليبيا وعلى كل المنطقة العربية، وقادوا حروبا وانقلابات في المنطقة تحت مسمى إقامة الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، حروبا كثيرا ما مولتها المملكة وشقيقتها قطر. يكيلون بمكيالين، فبينما يسعون لقلب النظام السوري، للأسباب المذكورة، لا أحد منهم يقوى على توجيه أدنى انتقاد للمملكة، ولا أسلوب حكمها، بل ويجدون لحكامها الإيجابيات ويصفونهم بالحكمة والإصلاح وغيرهما. نفاق ما قالته كريستين لاغارد، بل ضحك على نضالات المرأة السعودية واستهزاء بمعاناتها في هذا البلد الذي ما زالت تحكمه تقاليد عشائرية بالية، أم أن لدولارات السعودية التي يعتمد عليها الصندوق الذي تترأسه هذه السيدة الفرنسية طعم خاص؟! إنه طعم المال والنفط الذي اشترت بفضله المملكة الذمم والصداقات، وبفضلها أسكتت كل الأصوات التي تنتقدها، وبفضلها عرفت كيف تكمم كل الأفواه، وهكذا تعطل كل أمل للإصلاح والتغيير في هذه المملكة الغنية. فيكفي صك بعدة أصفار لإسكات أي حاكم في الغرب. ولا مبدأ يصمد أمام ملايين دولارات آل سعود، ولتذهب حقوق الإنسان إلى الجحيم، ولتندب المرأة حظها المتعثر كيفما شاءت، وستبقى تعاني من الحرمان من كل حقوقها، وستتقبل مرغمة الزوجة الثانية والثالثة والرابعة وما ملكت الأيمان. وسيبقى السيف على رقبتها يتحرك لأدنى التهم. فكريستين المرأة القوية في الغرب، شهدت بأن الملك حكيم وحام لحقوق النساء. فأين المفر؟!