كان مشهد وجود أعضاء من هيئة كبار العلماء السعودية وعدد من مسؤولي وزارة الشؤون الإسلامية في المؤتمر الذي أقامته الندوة العالمية للشباب الإسلامي عن ”الشباب في عالم متغير” في مراكش المغربية، يمثل في تقديري الصورة المثالية لما يجب أن تكون عليه المؤسسات الإسلامية الرسمية والخاصة في أي دولة إسلامية، بل وحتى غير الإسلامية. وفي تقديري أن الحكومات الإسلامية لن تستطيع وحدها ولا التوجهات الإسلامية منفردة حل أكبر المتغيرات في عالم الشباب المسلم: الإرهاب والتشدد، بل حتى الدول الغربية التي تعاني هي أيضا من موجات الإرهاب تهرع إلى المؤسسات الإسلامية التي في الغالب تتبع لتوجهات إسلامية لا تنزع للعنف، للمشاركة في حل المعضلة، وقد شهدت شخصيا حين كنت مسؤولا في المركز الإسلامي في لندن عددا من جولات هذه اللقاءات مع مسؤولين كبار في الحكومة البريطانية منهم رئيس الوزراء البريطاني ووزير الداخلية، إذ إن المؤسسات الإسلامية خاصة تلك التي تدير دفتها توجهات إسلامية معتدلة هي الأقدر على تشخيص المشكلة والأقدر على قراءة خريطة التوجهات الإسلامية التي تنزع للعنف والأقدر على معرفة لغة الفكر عندها. وليس من الحكمة الإصرار على تجريم الكل بجريرة البعض ولا تعميم الإدانة بتقصير فئة محدودة، وإلا نكون قد دفعنا بالفئة المعتدلة نحو منطقة التشدد، وبالمجموعة المتسامحة نحو مساحة الانغلاق، ولو أخذنا جولة على تجارب الدول العربية لوجدنا تناسبا مطردا بين دمج الفئات الإسلامية المعتدلة وانحسار العنف والإرهاب، فالسعودية، مثلا، عانت من موجات من العنف على يد فئات إسلامية بدءا من ”إخوان من طاع الله” في عهد الملك عبد العزيز مرورا بجماعة جهيمان في عهد الملك خالد، إلى أن تعرضت المملكة لموجات مختلفة من الإرهاب على يد ”القاعدة”، كانت المملكة خلالها تجيد فرز الإرهابيين عن المسالمين، والمتشددين عن المتسامحين، بل استفادت من الفئات المعتدلة في تطهير البلاد من الفئات المتشددة، وأتصور أن انتكاسة الربيع العربي وخمول الحماس الشبابي للثورات العربية بسبب ما أحدثته من دمار هائل في بعض دولها يفتح فرصة لتغيير لغة الخطاب والبدء بأسلوب جديد في المعالجة؛ فالمعطيات باتت مختلفة، فقبل ثلاث سنوات كان خطر الثورات العربية في أوجه واحتمالية انتقالها للدول التي سلمت منها عالية فكانت المحصلة بعض الإجراءات الوقائية ”الصارمة” التي اقتضتها تلك المرحلة وعززها تحصين الوطن من الشرار المتطاير من الثورات العربية، ولهذا فمن المتوقع أن يأخذ عهد الملك سلمان بن عبد العزيز هذه الاعتبارات في الحساب ويعزز التواصل بين شرائح المجتمع الفكرية المختلفة، فمثل هذا المناخ الصحي يطرد جراثيم الإرهاب والتشدد. وهو أيضا ما يجعلنا نتفاءل بأن عهد الملك سلمان سيكون نموذجا يحتذى، كما كانت المملكة التي حققت نجاحا على صعيدين مهمين؛ صعيد محاربة الإرهاب وصعيد استيعاب واحتضان كل صوت معتدل والاستعانة به في محاربة الإرهاب وتجفيف منابعه، الذي مثل فيه مؤتمر الندوة العالمية للشباب الإسلامي في مراكش أنموذجا يحتذى اشترك فيه القطاع الإسلامي الرسمي إلى جانب القطاع الإسلامي الخاص لتحقيق غاية رفيعة ينشدها الوطن.