أجلت محكمة القطب المتخصص بمحكمة عبان رمضان أمس، النظر في فضيحة الفساد التي طالت الشركة الوطنية للنقل البحري ”كنان” إلى جلسة 29 أفريل، هذه الفضيحة التي تورّط فيها المدير العام السابق للمجموعة المدعو ”ك. علي”، المتواجد رهن الحبس المؤقت رفقة 20 إطارا آخرين معظمهم رهن الحبس المؤقت أو تحت الرقابة القضائية، لتورطهم في تجاوزات سوء التسيير الحاصل على مستوى الشركة والفروع التابعة لها منذ سنة 2002، الخاصة ببيع عشرات البواخر التي تمثل جزءا من أسطول الشركة الوطنية للملاحة البحرية، بأثمان رخيصة ورمزية في إطار عمليات الخوصصة. جاء في تقرير المفتشية العامة للمالية ارتكاب عدة إطارات بالمجمع لتجاوزات فادحة كلفت المجمع خسائر مالية قدرت بأكثر من 36 مليون دولار، بسبب تضخيم فواتير صيانة باخرة ”الحجار” والتنازل عن عتاد خاص بالمجمع لشركات أوروبية وأمريكية مقابل مبالغ بخسة، ووجهت للمتهمين تهم ثقيلة متعلقة بقانون الوقاية من الفساد ومكافحته، تنوعت بين الإهمال الواضح المتسبب في ضياع المال العام، اختلاس وتبديد أموال عمومية، إساءة استغلال الوظيفة، مخالفة التشريع الخاص بالصرف وحركة رؤوس الأموال بالتصريح الكاذب. قضية الحال فجرتها المفتشية العامة للمالية، حيث شملت التحقيقات القضائية التي استغرقت مدة زمنية معتبرة، خاصة بعد أن تكفلت فرقة الدرك الوطني بسماع عدة شخصيات، حيث تم سماع حوالي 78 إطارا وشخصية من المجمع وخارجه، من بينهم مهندسون ومسؤولو فروع الشركة، وتم التحري حول مدى تورطهم في إبرام الصفقات المشبوهة وتبديد المال العام، وهذا من خلال التحقق في جميع العقود والصفقات التي أبرمها مجمع ”كنان” مع عدة شركات أجنبية أغلبها أوروبية، كما تم التحري في عقود الكراء المبرمة بين المجمع البحري والشركات الأجنبية حول كراء البواخر الجزائرية لهاته الأخيرة، ناهيك عن المبالغ المالية التي كان يحددها المجمع في صفقات كراء البواخر، حيث شملت التحريات جميع فروع الشركة على رأسها فرع ”سي. أم أل”، ”أي بي سي”، ”كنان مديتراني”، ”كنان شمال”، وبينت التحريات المكثفة، وتقرير المفتشية وقوع عدة تجاوزات بعد أن ثبت إبرامها لصفقات مشبوهة مع شركات خاصة أجنبية. ... استنزفوا أموال الدولة بادعائهم اهتراء البواخر وحسب ما تضمنه الملف القضائي، الذي تحوز جريدة ”الفجر” نسخة منه، فإن النيابة أمرت فرقة الدرك الوطني للأبحاث بالجزائر، بعد تلقيها بلاغا بخصوص ارتكاب مسؤولي مجمع ”كنان” تجاوزات فادحة أثناء عملية تسييرهم لهذا المجمع، حيث أمرت النيابة بفتح تحقيق معمق حول هذه التجاوزات، وبمباشرة التحريات تبين صحة البلاغ الذي كشف عن حقائق كارثية هزت القطاع، على رأسها التوقفات التقنية لمعظم سفن الأسطول، حيث بينت التحقيقات أن الهدف من هذه التوقفات التقنية كان مقصودا من قبل رئيس المدير العام للمجمع وشركائه في الجريمة، لإعطاء السلطات العمومية انطباعا بأن هذه السفن مهترئة وغير صالحة للاستعمال، حتى يتمكنوا من بيعها، وكسب الأموال وتحويلها لحساباتهم الشخصية، كما ثبت قيام أعضاء اللجنة المركزية للصفقات بتسوية عقود التوقفات التقنية لبواخر المجمع المبرمة مع مختلف ممثلي الورشات بإمضائهم عليها بحجة عدم الاطلاع على ملفات وعدم امتلاك الخبرة، ما أضفى الطابع القانوني على تلك التجاوزات التي استنزفت أموالا طائلة من الدولة الجزائرية. قاضي التحقيق يوجه تهما ثقيلة ل21 متهما وأصدر قاضي تحقيق الغرفة السابعة لمحكمة سيدي امحمد أمرا بانتفاء وجه الدعوى في حق 11 إطارا بالمجمع، ليتقلص عدد المتهمين إلى 21 إطارا على رأسهم المدير العام السابق للشركة الوطنية للنقل البحري ”كنان”، إلى جانب رئيس اللجنة المركزية للصفقات ومدير قسم نقل المسافرين، مدير مركزي للمالية وغيرهم من الإطارات، بعد ثبوت تورطهم بصفة مباشرة في الفضيحة. صفقات مع ورشات بحرية أجنبية بنسبة 300 بالمائة أثبتت التحريات وجود عدة قرائن قوية عززت اتهام المدير العام السابق لمجمع ”كنان”، حيث تبين أنه لم يحترم الإجراءات المعمول بها في استئجار البواخر، وأقدم على إعطاء تعليمات لاستئجار باخرة نقل المسافرين ”أريال” دون استشارة سوق التأجير ودون احترام قواعد الشفافية والمساواة، بتفضيله العرض المقدم من طرف شبه الوسيط ”ع.ب.رفيق” مع تفضيله وحصره التعامل في تأجير واستئجار البواخر مع الشركتين الأمريكيتين ”بروكساس بولك” و”قريت هوب شيبينك” المسيرتين من طرف المدعو ”مزمان” وذلك بواسطة من الشركة الإسبانية ”رومشار” الممثلة من طرف إطار سابق كان يشتغل في مجمع ”كنان” مع إبرام ملاحق عقود تخص التوقفات التقنية لبواخر الشركة مع ورشات بحرية أجنبية بالعملة الصعبة تفوق بكثير مبالغ العقود وتصل حتى لنسبة 300 بالمائة، الأمر الذي خلق فرصة لهذه الورشات البحرية لتستحوذ على أموال غير مستحقة عن طريق اقتراحها لأسعار منخفضة نسبيا تمكنها من الفوز بالصفقات ثم مراجعة هذه المبالغ بعد البدء في الأشغال لتصل لمبالغ خيالية بتواطؤ من إطارات مجمع ”كنان”، كما سمح بدخول بواخر إلى الورشات البحرية حتى قبل إبرام عقود معها وسمح بالتوقيع على عقود مع ورشات بحرية قبل الحصول على تأشيرة لجنة الصفقات وهو الأمر الذي أكده تقرير المفتشية العامة للمالية، التي دونت في تقاريرها مبالغ خيالية تكبد خسارتها المجمع البحري على مدار سنوات بتواطؤ إطارات بالمجمع مع شركات أجنبية أمريكية، وإسبانية وغيرها. ... وصيانة باخرة ”الحجار” بملايين الدولارات وتضمن الملف القضائي تسبب المدير العام المساعد بالمجمع في تضخيم فواتير صيانة البواخر في مقدمتها باخرة ”الحجار” التي تم تقييدها بقيمة 9 ملايير دولار أمريكي دون حساب نفقات قطع الغيار والدهن وأتعاب الخبراء ومصاريف التكفل بطاقمها في الخارج، في حين بلغت القيمة الحقيقية لهذه الباخرة بوقت قصير عند التنازل عنها بمبلغ 6 ملايين دولار أمريكي، وهي نفس حالة 3 بواخر أخرى وصلت قيمة المصاريف فيها 5.200.000.00 دولار أمريكي في وقت أن قيمتهم الحقيقية لا تفوق 17.5 مليون دولار. تنازل عن عتاد الإعلام الآلي بأثمان رخيصة فيما تسبب المتهم ”ب. علي” بصفته المفوض العام لشركة ”كنان” بأوروبا بتبديد أموال المجمع المشكلة لرؤوس الأموال التجارية للدولة عندما تنازل عن تجهيزات الإعلام الآلي والنظام المعلوماتي وأثاث ممثلية المجمع للشركة الخاصة ”نافيماد” بمقابل منخفض، مع تبديده أموال المجمع في قضية حاويات المتعامل ”تاكستينر” المقدرة ب779 حاوية، ما ألحق أضرارا معتبرة بالمجمع وتحديدا فرع ”ناشكو” الذي ألزم بدفع 80 مليون دج للمتعامل ”تاكستينر”. نشير بالذكر إلى أن هذه القضية تحوز جريدة ”الفجر” نسخة عنها، في انتظار ما ستكشفه جلسة المحاكمة من تفاصيل أكثر، في جلسة 29 أفريل.