* ابن بطوطة الجزائر عرف بدفاعه المستميت عن اللغة العربية وصفه الرئيس الراحل هواري بومدين ب”الواعر” الذي لم يسلم أي أحد من انتقاده، يعد عميد الصحفيين الجزائريين، موسوعة ثقافية وإعلامي فذ، رحل عنا ليلة أول أمس عن عمر ناهز 90 عاما، إثر مرض لازمه الفراش لمدة طويلة.
الطاهر بن عيشة سليل مدينة ”ڤمار” التابعة لولاية وادي سوف عام 1925، بعد التعليم الابتدائي انتقل عام 1942 إلى جامع ”الزيتونة” بتونس ليتعلم علوم الدين وعاد إلى الجزائر العاصمة بداية العام 1949، انتهج الأسلوب الاشتراكي في كل مسيرته الثقافية ودافع عنها في كل المناسبات، حيث قال عنها ”إن الإشتراكية جميلة ومعدنها طيب، إنها تعني في النهاية الحق المتساوي من الشمس على البشرية جمعاء، ثم إن الإشتراكية مذهب كل العظماء من الكتاب والشعراء...قد يستحيل أن تكون لبيراليا وتفكر في قوت الفقراء”. شيع جثمان الفقيد أمس بمسقط رأسه بمدينة ”ڤمار” بوادي سوف وقال وزير الثقافة عز الدين ميهوبي أن الجزائر برحيل الطاهر بن عيشة خسرت واحدا من خيرة أبنائها كون الراحل من أهم الفاعلين في المشهد الثقافي في فكره ورؤيته ونقده البناء وإسهاماته الطويلة منذ الحركة الوطنية إلى الثورة التحريرية وإلى الاستقلال، مضيفا بأنه كان ملما بالتاريخ الثقافي للجزائر وكان باحثا في التراث وناقدا للممارسة السياسية. آخر ظهور لبن عيشة كان في فضاء صدى الأقلام بالمسرح الوطني الجزائري في أفريل 2013 حيث حمل المسؤولية للسياسيين الجزائريين عن الوضع الذي آلت اليه البلاد، حيث قال ”مسؤولونا يتحدثون الفرنسية وبنغمة فرنسية وبكل افتخار، في حين أنهم لم يقدموا ولا يقدمون شيئا للعربية، ويرمون إلى مسحها والقضاء عليها، خاصة الإدارة الرسمية، فأصبح وضعها مأساويا وكارثيا”. كما كان لحديث الموسوعة المعرفية والذاكرة الحية الطاهر بن عيشة وقفات عند صفحات متعلقة بالتاريخ الجزائري المعاصر، حيث عاد أدراجه إلى المقاومات الشعبية أو الانتفاضات التي شهدتها الجزائر قبل ظهور بوادر الحركة الوطنية، وبدا جد صارم وواضح عندما نعت كل الانتفاضات الشعبية التي عرفتها الجزائر بأنها لم تكن سوى دفاع عن مصالح شخصية خدمت حاملي لوائها من بشاغات وقياد، بعكس مقاومة الأمير عبد القادر التي كانت الوحيدة التي خدمت المصالح الشعبية الواسعة. وعاد الطاهر بن عيشة إلى الحديث عن المشهد الثقافي الجزائري الذي يعيش حالة من الركود، داعيا أجيال اليوم إلى ضرورة التدارك السريع للنهوض بالثقافة الجزائرية والتراث المعنوي الذي تمتلكه الذاكرة الشعبية، وقال في هذا الشأن إن الحفاظ على الهوية الوطنية مهمة تقع على عاتق السلطة السياسية أولا لتضع أسس التعليم السوي ونشر الثقافة ودعم الفن بأشكاله. وتطرق في هذا اللقاء إلى قضايا متعلقة بالإسلام والتطرف، وعن ضلوع الغرب في الترويج لمصطلح الإرهاب، رغم ما تزخر به الحضارة الإسلامية التي أنتجت علماء كبار من طينة الرازي، ابن رشد وابن خلدون. لقب الطاهر بن عيشة بعدة أوصاف في كل رحلة حطت به قدماه، فلقبه الشاعر المصري فؤاد نجم ب”إمبراطور النميمة”. كما لقبته صحيفة روسية ب”الرجل الذي لا يتعب”، أما الرئيس الراحل هواري بومدين فلقبه ب”الرجل الواعر”. ويعتبر الرجل من الأوائل الذين التحقوا بالرعيل الأول للحركة الوطنية الجزائرية، حيث انخرط في العمل السياسي وبعدها النقابي، دافع وناضل من أجل الجزائر جزائرية، كما حضر أولى الانتخابات التي خاضها حزب الشعب الجزائري وزورها المستعمر الفرنسي بعدها.