أعلنت وزارة الدفاع الروسية، يوم أمس الثلاثاء، بدء وحداتها القتالية في الانسحاب من سوريا. وقالت الوزارة في بيان صحفي أن العاملين الفنيين في القاعدة الجوية الروسية في سوريا بدأوا بإعداد أسراب الطائرات الروسية للعودة، وأن أسرابا من المقاتلات الروسية ستنطلق من قاعدة (حميميم) إلى قواعد مرابطتها الدائمة برفقة طائرات النقل الحربية، مشيرا إلى أن هذه الطائرات ستقوم خلال رحلتها التي تزيد على خمسة آلاف كيلومتر بعمليات هبوط مؤقت للتزود بالوقود في روسيا الاتحادية نفسها. وجاء الانسحاب بموجب أمر صدر عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يوم الإثنين، الذي أوعز إلى وزير الدفاع سيرغي شويغو، بالبدء في العملية لأنها أنجزت مهماتها. وصرح بوتين خلال لقائه مع وزير الدفاع الروسي: ”أرى أن المهمة التي كلفت بها وزارة الدفاع والقوات المسلحة قد نفذت بشكل عام، لذلك فآمر بالبدء بسحب الجزء الرئيسي من وحداتنا العسكرية في الجمهورية العربية السورية اعتبارا من يوم الثلاثاء”. وأضاف: ”بفضل مشاركة القوات الروسية، تمكنت القوات المسلحة السورية والقوات الوطنية في سوريا من تحقيق تحوُّل جوهري ميدانيا ضد الإرهاب الدولي”. وأعلن المكتب الإعلامي للكرملين، أن الرئيس السوري بشار الأسد، في حديث هاتفي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أعرب عن شكره العميق لروسيا للمساعدة الواسعة النطاق في مجال مكافحة الإرهاب والمساعدة الإنسانية. ومن جهته، أكد بيان الرئاسة السورية، أن الجانبين الروسي والسوري اتفقا على تخفيض عديد القوات الجوية الروسية في سوريا. وقال البيان: ”بعد النجاحات التي حققها الجيش العربي السوري بالتعاون مع سلاح الجو الروسي في محاربة الإرهاب، وعودة الأمن والأمان لمناطق عديدة في سوريا، وارتفاع وتيرة ورقعة المصالحات في البلاد.. اتفق الجانبان السوري والروسي خلال اتصال هاتفي بين الرئيس الأسد وبوتين على تخفيض عديد القوات الجوية الروسية في سورية بما يتوافق مع المرحلة الميدانية الحالية، واستمرار وقف الأعمال القتالية”. وستُبقِي موسكو على حضورها في قاعدة حميميم باللاذقية وفي ميناء طرطوس وستكثف مساعيها لإنجاح التفاوض من أجل التوصل إلى مخرج سياسي سلمي تفاوضي للأزمة التي انطلقت قبل خمسة أعوام وحصدت أرواح أكثر من ربع مليون سوري وشردت الملايين. وتزامن القرار الروسي مع انطلاق جولة جديدة من المفاوضات غير المباشرة بين دمشق والمعارضة في جنيف، تحت رعاية مبعوث الأممالمتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا. إرنست وكيربي ارتبكا ورفضا التعليق ولم يكن القرار الروسي متوقَّعا بالنسبة للإدارة الأمريكية، فبعد إعلان الكرملين عن الخطوة، لم تسارع إلى تحديد موقفها إزاء ذلك. وشهد ممثلو وسائل الإعلام المتحدثين باسم البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية، جوش إرنست وجون كيربي، وقد بهتا للخطوة خلال مؤتمرين صحفيين في واشنطن، يوم الإثنين. وأفادت صحيفة ”بوليتيكو” أن الناطق باسم البيت الأبيض، جوش إرنست، تهرب من أسئلة بشأن القرار الروسي. وقال إرنست: ”لم أر الأنباء حول هذا الموضوع، وفي هذه اللحظة يصعب علي التنبؤ كيف سيؤثر ذلك في المفاوضات، وما هي التغيرات التي ستجلبها هذه الديناميكية. ولذلك يجب النظر في ماهية النوايا الروسية”. وأضاف أنه لا يستطيع القول بعد ما إذا كان هذا القرار نتيجة اتفاق مع الجانب الأمريكي. وصرح كيربي، ردا على سؤال في الموضوع: ”لم أعرف عن هذا الخبر قبل خروجي إليكم، وأود الامتناع عن الإدلاء بأي تعليقات عليه، ريثما أتمكن من النظر فيه وتقييم المسألة”. ونقلت ”بوليتيكو” عن مسؤول أمريكي رفيع المستوى، قوله ”إننا رأينا تقارير بأن الرئيس بوتين أعلن قرار سحب القوات الجوية الروسية من سوريا. ونأمل في معرفة المزيد عن ذلك في الساعات القليلة المقبلة”. وأبلغ الرئيس الروسي نظيره الأمريكي في اتصال هاتفي أنّه قرّر سحب القسم الأكبر من القوات الروسية في سوريا. وقال الكرملين في بيان بخصوص المكالمة، ”أبلغ الرئيس الروسي الرئيس الأمريكي أنه بعد تنفيذ المهام الرئيسية المطروحة على القوات المسلحة الروسية لمكافحة الإرهاب الدولي، تقرر سحب الجزء الرئيسي من مجموعة من القوات الجوية - الفضائية من سوريا. ولا شك أن هذا سيعطي إشارة حسنة لكافة الأطراف المتنازعة ويهيئ الظروف لبدء عملية السلام على أرض الواقع. وأضاف البيان أن ”الرئيسين دعيا إلى تنشيط العملية السياسية لحل النزاع السوري، وعبرا عن تأييدهما لمحادثات تبدأ في جنيف برعاية الأممالمتحدة بين الحكومة السورية والمعارضة”. وبدوره رحب أوباما بالقرار الروسي، مؤكدا الحاجة الملحة إلى عملية الانتقال السياسي لإنهاء العنف في سوريا. وشدد على أهمية الخطوات التالية المطلوبة للتنفيذ الكامل لوقف الأعمال العدائية بهدف حل النزاع. كما رحبت به الأممالمتحدة على لسان رئيس مجلس الأمن الدولي إسماعيل أبراوو كاسبار مارتن، وقال غاسبار: ”عندما نرى انسحاب قوات عسكرية فإن ذلك يعني أن الحرب تأخذ منحى مختلفا، وهذا أمر جيد. وأصبح هذا التحول ممكنا بفضل التعاون الجيد حاليا بين الولاياتالمتحدةالامريكيةوروسيا”. المعارضة تشكك في الخطوة وماخوس يصفها بالصاعقة التي ستُسقِط الأسد في القريب العاجل أكد المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات بالمعارضة السورية، سالم المسلط، ضرورة التحقق من تنفيذ القرار الروسي بشأن سحب قواته الرئيسية من سورية. وقال المسلط لاحدى الفضائيات العربية ”إذا كانت هناك جدية في قرار سحب القوات الروسية فذلك يعطي دفعة إيجابية للمحادثات في جنيف لكن لابد من لمس ذلك على الأرض”، وتساءل: ”هل القرار الروسي يقضي بسحب القوات، أم بخفض عدد الطائرات الروسية الموجودة في سوريا”. ومن جهته، اعتبر منذر ماخوس، عضو الهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن مؤتمر الرياض، إن انسحاب الجزء الرئيس من القوات الروسية في سوريا سيغير المعادلة في سوريا برمتها. ووصف ماخوس الخطوة بالصاعقة التي ستقلب الأمور وستعطي فرصة أمام الحل السياسي، في حال تطبيقها معتبرا في الوقت نفسه أن هذه الخطوة ستؤدي إلى سقوط النظام السوري في القريب العاجل. طهران استبشرت للخطوة واعتبرتها مؤشرا إيجابيا ومن جهتها، استبشرت إيران للخطوة، أمس، على لسان وزير خارجيتها، محمد جواد ظريف، وقال ظريف خلال مؤتمر صحفي بكانبيرا، إثر لقائه نظيرته الإسترالية، جولي بيشوب، إنه يجب النظر إلى خطة سحب روسيا لقواتها من سورية، كإشارة إيجابية لوقف إطلاق النار. وأكد الوزير الإيراني على موقف بلاده الداعي إلى ضرورة وقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية في سورية. وتابع ظريف القول: ”إن حقيقة صمود الهدنة في سوريا هو موضع ترحيب، وهو أمر كنا قد نادينا به منذ أعوام”، مضيفًا: أن بدء روسيا بالانسحاب هو ”مؤشر على أن موسكو لا ترى حاجة للقوة للحفاظ على وقف إطلاق النار، وهو في حد ذاته ينبغي أن يكون إشارة إيجابية، وما علينا الآن إلا أن نترقب ونرى”. وأشار ظريف إلى أنه طالما استثني تنظيم ”داعش” و”جبهة النصرة”، أو المتعاونون معهما، من الهدنة، فإن المجتمع الدولي متحد ضدهم، وهي رسالة لداعش مفادها أن حربنا ضدهم مستمرة بلا هوادة، بحسب تعبيره.