* التلفزيون الجزائري يصر على ارتداء عباءة الرداءة تصادفنا العديد من الأفلام السينمائية التي نشاهدها وتكون بداياتها ثقيلة علينا، ولكن سرعان ما يزيد ريتم العمل وهذه طريقة العديد من المخرجين، كما تصادفك أفلام أخرى ثقيلة منذ البداية حتى النهاية، وهي خيارات مخرجين كثر، هذا هو منهجهم في الإخراج السينمائي، وهناك روائع سينمائية تشدك إليها حتى آخر ثانية منها، وفي نفس الوقت لا تمر حياتنا دون ”نواغص سينمائية” تجعلك تكره هذا الفن أو لنقل بالأحرى تندم على مشاهدة بعض الأفلام، وهو ما ينطبق تماما على فيلم ”عمري 50 سنة” للمخرج جمال عزيزي الذي عرض مساء أول أمس بقاعة السينيماتيك في العاصمة. عندما تسمع ضحكات الجمهور داخل قاعة السينما يخول إليك أنك أمام مشاهدة فيلم كوميدي، ولكن العكس من ذلك في فيلم ”عمري 50 سنة”، فالجمهور كان يطلق قهقهات عالية ليس لمشاهد كوميدية ولكن للأداء السيئ للممثلين وللحوار الرديء بينهم، ولا نلوم هنا الممثلين ولكن صاحب السيناريو والطريقة الإخراجية وغياب إدارة الممثل، وتحسن كأنك أمام مشاهد كاريكاتورية بعيدا كل البعد عن السينما. أول معيار لتقييم الفيلم هي قوة الأداء عند الممثل ونظرة إخراجية جيدة ترافقها قوة النص والحوار، فالممثلون في فيلم ”عمري 50 سنة” حملوا نصا سيئا أدخلهم في خندق التكلف، فالممثل الكبير طه العامري يحس المتفرج وكأنه في مسرحية أو مسلسل تلفزيوني لأن المخرج لم يعرف كيف يخرجه من قالب الدراما التلفزيونية التي اعتاد عليها، كما أنه رهن دوره وحاصره في حوار بلغة خشب لا تصلح في فيلم سينمائي وأظهره في صورة كوميدية أساءت كثيرا لتاريخ هذا الممثل القدير، الذي أدى في الفيلم دور الجد الذي لا يتفاهم مع نجله ويدخل معه في حوارات حول الوطنية ويحمله سبب إصابته وجلوسه على كرسي متحرك، لأنه من دفعه للالتحاق بصفوف الجيش الوطني الشعبي. حاول المخرج جمال عزيزي تركيز كاميرته على هذه العائلة المتكونة من الجد، الذي أدى دوره الممثل الكبير طه العامري، والابن وزوجته والحفيد الذي يعشق لعب كرة القدم، الابن الذي أدى دوره كمال رويني دائما متوتر ومزاجي مزاجية الكاميرا التي سلطت عليه، فحواراته ”الساذجة” مع والده حول الثورة ومن يحكمون البلاد بعد الاستقلال وينهبون خيراتها، مع استعمال لغة الخطاب المباشر من طرف والده المجاهد الذي لا يكف عن الحديث حول الثورة وتضحيات المجاهدين، بصورة تحيلنا وكأننا أمام سلسلة تربوية تثقيفية للأطفال، لكن الأكيد أنها لن تضيف شيئا لرصيدهم. يظهر المخرج ذلك الصراع الموجود بين الأجيال، جيل الاستقلال وجيل الثورة، بكل تناقضاته، ويطفو الصراع بين الجد وأحد الجيران الذين انتفعوا من خيرات الجزائر بعد الثورة بالنصب، ويتم تبادل الاتهامات بينهم، ولكن يحس المتفرج سذاجة هذا الصراع لكونه ببساطة متصنع، ناهيك عن السير الكاريكاتوري لهذا الصراع، مثل أن يضرب الجد النصاب حفيد المجاهد ويشتمه بأنه من عائلة المعطوبين، فيكون رد فعل جده بحمل سلاحه والذهاب للانتقام، في صورة توحي بأن كاتب السيناريو يستهزئ بالمشاهد. يسلط جمال عزيزي كذلك الضوء على الصراع بين الابن وزوجته ومشاكلهما المتجددة كل يوم، نظرا لمركب النقص الذي يعيشه بسبب إعاقته وملازمته لكرسيه المتحرك، ما يجعله يتشاجر يوميا مع زوجته التي تلح عليه من أجل العلاج وإجراء عملية جراحية، ولكنه يرفض ذلك بحجة عدم ثقته في قدرة الأطباء على شفائه. مشكل آخر يواجهك وأنت تشاهد فيلم ”عمري 50 سنة” وهو اللهجات، فليس غريبا أنك في هذا الفيلم تجد الوالد يتكلم بلغة سكان الشرق الجزائري في حين أن ابنه يتكلم باللهجة العاصمية، وآخر يتحدث بلهجة أهل الغرب الجزائري، ما يدفعنا لطرح السؤال حول دور المخرج في انتقاء الممثلين أم الارتجال سائد في كل شيء في الحوار واللهجات وانتقاء الممثلين واللغة النمطية وشعارات الوطنية التي تجعلك تضحك لكونها غير صادقة، أضف إلى ذلك غياب الجماليات السينمائية سواء من حيث زوايا التصوير، وكل شيء يجعلنا نستخلص شيئا واحدا فقط وهو خذ الأموال وأنتج فيلما جزائريا. وسط كم الرداءة الهائل الذي يطبع المشهد السينمائي الجزائري، وفي ظل إصرار الكثير من المخرجين على تقديم أفلام سيئة، رغم رصد ميزانيات كبيرة مقابلها، لماذا لا يتم تأسيس مهرجان تتنافس فيه أسوأ الأفلام ويتم تعيين لجنة تحكيم تختار الأسوأ على الإطلاق.