كثر الحديث مؤخرا في وسائل الإعلام الوطنية عن قرار الوزارة الأولى بدمج المؤسسات الثقافية لدواعي التقشف وترشيد النفقات، وتم التركيز في مختلف المواضيع التي تناولت عملية الدمج على إلحاق الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي بديوان رياض الفتح، في حين تم إغفال المؤسسات الأخرى لأن العملية تقريبا طالت كل الهيئات التابعة لوزارة الثقافة. صحيح أن المكانة التي كانت تحتلها الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي جعلتها تشكل الحدث في عملية الدمج التي قامت بها وزارة الثقافة، ولكن هذه العملية لم تقتصر على الوكالة فقط بل تعدتها لمؤسسات أخرى مثل السينماتيك التي ألحقت بالمركز الوطني للسينما والسمعي البصري، ورغم أن إعادة النظر في سياسة سير المؤسسات الثقافية في الجزائر أمر جد عادي، في ظل حالة الركود التي تعرفها الكثير منها، خصوصا السينماتيك التي فعلا أصبحت جسدا بلا روح، ولولا بعض المهرجانات التي تعيد الحركية لهذه المؤسسة في مناسبات قليلة لكان الغبار نهش أجزاءها، وفعلا هو ما حدث مع بعض قاعات السينيماتيك في العديد من ولايات الوطن والتي تطلب أمر إعادة تهيئتها ملايين الدينارات، ولكن إلحاق السينماتيك بالمركز الوطني للسينما والسمعي البصري، يمكن اعتباره كارثة كبيرة، فبدل إعطاء متاحف السينما روحا أخرى من أجل الدفع بها وعجلة السينما الجزائرية عبر عرض أفلام قديمة لعمالقة السينما العالمية حتى يتعرف عليها الجيل الحالي، اختير جعلها تابعة للمركز الوطني للسينما والسمعي البصري، وهنا حكم على السينماتيك بالإعدام، لسبب بسيط وهو أن هذا المركز لا يقوم بأي شيء ويعيش حالة كبيرة من الركود ولا يقوم بأي نشاط سينمائي، ما عدا القافلة السينمائية، وبعض الأفلام القديمة التي عرضها مؤخرا والمشروع يعود لزمن الوزيرة خليدة تومي. كان الأجدر إيجاد سبيل من أجل إعادة الروح للمركز الوطني للسينما والسمعي البصري، وليس أن تلحق به مؤسسة أخرى هي بحاجة إلى حركية جديدة. السينماتيك ليست الوحيدة التي طالها الدمج، حيث أن الأوركسترا السنفونية الوطنية التي يديرها الموسيقار عبد القادر بوعزارة، والتي استطاعت أن تحقق النجاحات الواحد تلو الآخر، نظرا لنجاح المهرجان الذي يشرف عليه هذا الأخير، ناهيك عن حفلات كبيرة استطاعت أن تجلب جمهورا ملأ قاعات العروض، وربما هي الفعالية الوحيدة التي تشترط شراء التذاكر من أجل متابعة الحفل، وتمكنت الأوركسترا في ظرف وجيز من أن تخلق لها جمهورا نوعيا يحضر في كافة الحفلات التي تنظمها، ناهيك عن التواجد القوي خارج الجزائر عبر تمثيلها للجزائر في أكبر المحافل الموسيقية العالمية في الموسيقى الكلاسيكية، بالإضافة لاستقبال الجزائر موسيقيين عالميين نشطوا حفلات بمستوى راق. هذه الأوركسترا طالها الدمج هي الأخرى في خطوة غريبة نوعا ما، حيث ألحقت بأوبيرا الجزائر التي يديرها الموسيقار نور الدين سعودي. أوبيرا الجزائر أصبحت بعد عملية الدمج تشرف على ثلاث مؤسسات هي الفرقة الوطنية الجزائرية للموسيقى الأندلسية، الأوركسترا الوطنية السيمفونية والبالي الوطني، في وقت يتحدث الكثير من المتابعين أن أوبيرا الجزائر لا يمكنها أن تدير هذه المؤسسات، فما بالك توفير مقرات لها داخل الأوبيرا، بما أن هذا المبنى صالح كمكان للعروض وليس للإدارة. وبالحديث عن أوبيرا الجزائر يتساءل العديد من المتابعين للشأن الثقافي في الجزائر عن المسيّر الفعلي لهذا المبنى الجميل الذي أنجزه الصينيون، ورغم أن وزارة الثقافة عينت الفنان نور الدين سعودي على رأسه، إلا أن الملاحظ أن الديوان الوطني للثقافة والإعلام هو المسير الفعلي لهذه المؤسسة الجديدة والتي تضم تحتها ثلاث مؤسسات أخرى بحكم قرار الدمج، والسؤال المطروح هنا هل محكوم على الجزائريين رؤية الديوان في كل مكان وفي كل فعالية ثقافية تعيشها الجزائر، أو بالأحرى في كل محفل غنائي لأن الديوان ليس دوره تنشيط الفعل الثقافي مثلما هو جدير به، ولكنه لا يتلفت إلا للغناء وتكريس نفس الأسماء كل سنة دون حسيب أو رقيب، مغفلا دوره الحقيقي في الثقافة والإعلام، فحتى موعد مع الكلمة الذي كانت تحتضنه قاعة الأطلس مرة كل أسبوع ويستضيف العديد من الكتاب والمبدعين اختفى تماما منذ سنتين تقريبا، ناهيك عن غياب أي شيء له علاقة بالإعلام في الديوان، والشيء الغريب هو أن قرية الفنانين بزرالدة تم إلحاقها كذلك بالديوان الوطني للثقافة والإعلام في إطار عملية الدمج دائما. للإشارة، تم كذلك دمج الوكالة الوطنية لتسيير إنجازات المشاريع الكبرى للثقافة، مع الديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية.