سيدتان في حالة صحية حرجة في مستشفى بقسنطينة، مصابتان بداء السكري، توقفتا عن أخذ جرعات الأنسولين وعوضتاه ب”رحمة ربي” لصاحبها زعيبط، إحداهما فقدت الأمل في الشفاء، والأخرى تنتظر رحمة حقيقية من ربي غير معلبة في علب الرياء. فبعد أشهر من الإشهار الكاذب والضحك على المرضى بإعطائهم الأمل الكاذب والتطبيل لهذا ”الدواء” من قبل إعلام فقد كل الأخلاق، ها هو الدواء الذي ادعى الإعلام المروج له، والشخص الذي استحضره وهو لا طبيب ولا صيدلي، ها هو المدير العام لصندوق الضمان الاجتماعي يتوعد أي طبيب ينصح مرضاه بالتخلي عن العلاج المخصص لهذا الداء وتعويضه بحبات الرحمة الكاذبة، بمتابعته قضائيا. وعوض أن يوقف هذا المشعوذ ويوضع عند حده هو ومن روج له، يوجه مدير الضمان الاجتماعي السهام في غير محلها. ثم هل هناك من طبيب درس الطب وأفنى عمره في البحث يمكن أن يضحك عليه مجرد شخص باحث عن الشهرة والثراء، لا يختلف في شيء عن بلحمر، الذي عرف هو الآخر طريق الثراء والشهرة بواسطة إعلام مضلل مفسد للذوق والعقل؟! قبل أن تصل هذه الأقراص القاتلة إلى المرضى، من سمح لصاحبها بتصنيعها ووافق على تسويقها وطرحها في الصيدليات بديلا للدواء القانوني، ومن هو المخبر الذي تخلى عن رسالته العلمية وراح يلهث وراء فرصة للثراء في هذه البلاد التي تجاوز فيها عدد المصابين بالسكري ال 4 ملايين. ”تعلم الحجامة في رؤوس اليتامى” يقول المثل الشعبي، وها هو زعيبط وبلحمر ومن على شاكلتهما يستغلون الوضع السياسي والاجتماعي المتردي للبلاد، وغياب الرقابة والحس الوطني ليملأوا جيوبهم، ويسجنون المواطن في دوامة التخلف التي ترجع بنا في كل مرة سنوات إلى الوراء. فهل كان المرضى الذين صدقوا أن زعيبط حل مشكل مرضى السكري ووجد الحل السحري نهائيا لهذا المرض القاتل في صمت، سيقبلون على اقتناء هذه الأقراص، لو لم يظهر هذا الزعيبط إلى جانب وزير الصحة، ولو لم تقم وسائل إعلام كثيرة بحملة إشهارية له ولدوائه وفتحت أمامه المنابر ليتحدث ويقنع الناس بنجاعة هذا الدواء! الكل مسؤول عن هذه الكذبة الكبيرة، وزارة الصحة والإعلام والأمن والحكومة كلها التي سمحت بالترويج لهذا الدواء، ضاربة عرض الحائط بالشروط المعمول بها في إنتاج أي مستحضر، وهي تجريبه لسنوات قبل الإعلان عن تسويقه، مع ذكر كل الأضرار الجانبية له. فهل من يحمي المواطنين من هذا النوع من عصابات الفساد؟