سنوات الإرهاب والضغط على الصحافة والصحافيين جعلت هذه المهنة تنحصر لسنوات في فيطوهات السلطة، سواء في الفنادق الأمنية أو في دور الصحافة، التي تحولت إلى سجن محترم ! هذا الوضع الأمني الذي عاشته الصحافة هو الذي أدى إلى انقطاعها شبه الكلي عن واقع الحياة اليومية في الجزائر العميقة، وتحولت الصحافة إلى ما يشبه "البياركي" الأمني لمصالح الأمن أو نشرات خاصة للأحزاب المعتوهة والمحنطة في هياكل الدولة أو بقايا الدولة .. ! وفي أحسن الأحوال، تحولت الصحف إلى مساحات لفضائح الحكم والحكام أو فضائح المجتمع عبر أخبار المنوعات.. ! واختفت من الصحف الوطنية على مختلف أنواعها بعض الألوان الصحفية، مثل التحقيق وصحافة التحريات وطغت الأخبار الأمنية، البياركية والتعاليق والأحاديث الصحفية لأشباه السياسيين في الأحزاب، إلى درجة أن الناطقين الرسميين للأحزاب تحولوا إلى نجوم سياسية يتنقلون بتصريحاتهم وصورهم بين العناوين.. ! وباتت الصحافة حبيسة دار الصحافة ووقائع الحياة في نادي الصنوبر ومقرات الأحزاب وفي أحسن الحالات مراقد النواب في المراقد الوطنية، التي تسمى ظلما بالمجالس الوطنية ! أما الداخل الوطني بوقائعه المختلفة فلا وجود له في الصحافة وفي أحسن الحالات سلم أمر التعبير عنه لمراسلين صحفيين قليلي التجربة ولا يعرفون من الصحافة إلا وقائع إقدام السيد الوالي أو المير أو قائد الشرطة والدرك ! والقافز في هؤلاء المراسلين هو الذي ينجح في تحويل صفة المراسل الصحفي إلى مبتز محترم ! هذا الوضع الشاذ للصحافة الوطنية هو الذي حول الصحف إلى نسخ من بعضها، إشهارا وأخبارا وطباعة وإخراجا .. حتى بات القارئ وكأنه يقرأ صحيفة واحدة لهيئة تحرير واحدة ممثلة في العديد من العناوين ! والمضحك في هذه الوضعية أن العديد من الصحافيين في هيئات التحرير والمراسلين بمختلف الصحف يتبادلون فيما بينهم الأخبار القليلة والشحيحة بواسطة المايل .. لتخرج في الصحف بنفس العبارات ونفس الوقائع حتى يخيل للقارئ أن الأمر يتعلق بتوزيع أخبار من طرف وكالة أنباء وحيدة مثل وكالة الأنباء الجزائرية عندما يتعلق الأمر بالأحداث الرسمية، فالأمر نفسه بالنسبة للأحداث المتعلقة بالأخبار الأمنية والمنوعات .. وما يكتبه المراسلون في الولايات.. ! هذه الزوايا التي تحنطت فيها الصحافة المكتوبة سنوات هي التي جعلت الجهود المهنية المبذولة لا تثمر كما يجب، إلا في القليل من الصحف الخاصة !