تنشرح صدورنا كلما جلسنا إلى حديث أعيان مدينة الطارف حول خصوصية إحياء شهر رمضان من طرف العائلات في هذه الولاية الساحلية والحدودية قديما والتي تعكس معاني التضامن والرحمة، لا سيما إذا ما قورنت بالواقع الذي يشهده الشهر اليوم، من مظاهر سلبية وتجاوزات غريبة عن المجتمع والتي أفقدت الشهر المفضل أسمى معانيه. تعودت العائلات الطارفية قديما على إحياء الشهر الكريم بخصوصية المدينة العريقة، حيث كان يتم التحضير لاستقبال الشهر بمجرد حلول شهر شعبان عندما تعكف ربات البيوت على حملات تنظيف واسعة تشمل مختلف أرجاء المنزل، بما في ذلك الأواني المستعملة خصوصا خلال رمضان، كالقدور و طاقم القهوة و الشاي، حيث كانت تلمّع هذه الأواني قبيل رمضان بواسطة طرق تقليدية متنوعة كالرماد والليمون، حتى تضفي ببريقها رونقا وجمالا على جلسات السهرات الرمضانية. من جهة ثانية تقدم العائلات على تحضير مختلف المواد الأساسية التي تدخل في الأطباق الرمضانية، كتصبير الطماطم و الهريسة والزيتون وحفظها بواسطة طرق بعيدة عن المواد الحافظة المصنعة التي باتت اليوم تضر بصحة الصائمين أكثر مما تفيد، كما كانت العائلات بالولاية قديما لا تتقاعس خلال شهر شعبان في تحضير العجائن ك''الكسكسي''، حيث كان يحضر يدويا من طرف ربات البيوت، أما عن التوابل الأساسية بالنسبة للأطباق الرمضانية فهي الأخرى تجهز بالبيوت بعد عملية تجفيف المواد التي تدخل في صناعتها وبمجرد حلول النصف الثاني من الأسبوع الأخير لشهر شعبان تكون جميع التحضيرات لرمضان قد انتهت لتفرغ أفراد العائلة إلى ما يعرف بحمام شعبان، حيث تملأ خلال هذه الأيام الحمامات الشعبية كحمام "زطوط"، " سيدي جاب الله" و "حمام سيدي طراد" نهارا بالنسوة وليلا بالرجال لتنظيف البدن، والذي يرمز للإيمان استقبالا لرمضان، شهر التوبة والغفران. كثيرا ما تشهد شوارع الطارف قبيل موعد الإفطار في رمضان خلال السنوات الأخيرة معارك دامية تستعمل خلالها حتى الخناجر والسكاكين بين الصائمين على الأعصاب لمجرد سوء فهم أو مناوشات صغيرة في وقت يستوجب على الصائم أن يتحلى بأسمى الأخلاق الفضيلة، خاصة إذا علمنا بأن هذه التصرفات الغريبة عن المجتمع الجزائري كثيرا ما تخلف عاهات وحتى قتلى وسط الصائمين، الأمر الذي بات يفوق التصورات في غياب الوعي، ناهيك عن ظواهر السرقة التي يبدو أنها أصبحت تتضاعف خلال شهر رمضان، حسب الإحصائيات المقدمة من طرف المصالح المعنية، معكرة بذلك صفو مقاصد الخير. ومن المظاهر السلبية أيضا التي تتزامن مع شهر رمضان اليوم هو إقدام التجار عبر مختلف الأسواق على رفع أسعار المواد الغذائية، خاصة بالنسبة للخضر والفواكه، باعتبار أن المستهلك لاحظ بمجرد اقتراب رمضان هذه السنة ارتفاعا محسوسا في أسعار الخضر الأساسية وغيرها من المواد التي باتت بعيدة عن متناول العائلات الفقيرة التي تعاني اليوم في ظل إسراف الأغنياء على بطونهم في شهر يوصي بالرحمة والتضامن.