عاد الهدوء إلى شوارع عاصمة جبل العمور، بعد موجة الإحتجاجات التي اندلعت ليلة السبت إلى الأحد، على خلفية الشجار الذي وقع بين تجار من مدينة جيجل وسكان أحياء وسط المدينة بسبب أمور أخلاقية تعدّت حدود المعقول حسب رواية الشباب الذين التقتهم الشروق بالمكان المشبوه، الذي يقطن فيه التجار، الذين حاولنا معرفة مكان تواجدهم لاستيضاح رأيهم في التهم الموجهة إليهم. لكن كل محاولاتنا باءت بالفشل في ظل التكتم الكبير عن الجهة التي آوتهم إلى غاية الإنتهاء من التحقيق، الذي فتحته المصالح المختصة لمعرفة دوافع وأسباب هذه الشرارة التي كادت أن تحول هدوء وطيبة أهل مدينة آفلو المنتشين بفوز النائب عبد الرحمان السهلي، بعهدة نيابية في قائمة جبهة التحرير، إلى ما لا يحمد عقباه. رغم الروايات والضجة الكبيرة، التي أرادت بعض خفافيش الليل، إثارتها، موازاة مع ذات الأحداث، إلا أن السكان الذين التقيناهم أصرّوا على ضرورة أن نؤكد للرأي العام بأن ثورتهم لم تحركها نزعة عنصرية أو خلفية سياسيةن كما يروّج لذلك هواة الإصطياد في المياه العكرة. وإنما الدوافع الحقيقية لاحتجاجهم سببها إباحة التجار الذين احتضنوهم لعشرية كاملة لمكارم الأخلاق ولعادات وتقاليد المنطقة المعروفة بتمسكها ومحافظتها على القيم والضوابط العرفية، رغم الملاحظات والتحذيرات التي سبق أن قدمت إليهم مرارا. خمر ودعارة في المدينة المحافظة بالمقابل، فقد تبرأ ذات الشباب من العبارات والتصرفات التي صاحبت ثورتهم التي حركتها التصرّفات اللاأخلاقية لبعض التجار المغامرين، رغم عدم نفيهم لوجود تراكمات كثيرة من بطالة وأزمة سكن حادة وقدرة شرائية متدنية ونقص في الهياكل الثقافية والرياضية. هذا فضلا عن انتشار المخامر وبيوت الدعارة السرية والسرقات وتجارة المخدرات، كلها عوامل ساهمت في تغذية غضب المواطنين الذين اعترفوا بالمعاملة الحكيمة لقوات مكافحة الشغب مع المتظاهرين من خلال إلتزامهم وضعيات الدفاع عن النفس وعدم الرد بعنف على تصرفات بعض الشباب الذين رشقوهم بالحجارة، مما تسبّب في إصابة ضابطين وعشرة أعوان للأمن العمومي بإصابات متفاوتة نقلوا على إثرها للمصالح الإستشفائية لتلقي الإسعافات الأولية. وقصد الوقوف على حالتهم، فقد تنقلت الشروق إلى مقر الأمن لدائرة آفلو، حيث التقينا بأحد الضباط، الذي روى لنا تفاصيل الواقعة، التي اعترف بخطورتها لو لم يتم معالجتها بالحكمة وبالإستنجاد بالأعيان وممثلي الشعب في الغرفتين الذين استطاعوا أن يخمدوا هذه الثورة التي لم تستبعد مصادرنا إثارتها من طرف جهات معينة، آثرت عدم كشفها إلى غاية الإنتهاء من التحقيق المفتوح، ذات المصادر اعترفت بوجود تجاوزات من طرف التجار الثلاثة الذين تمّ إحالتهم إلى وكيل الجمهورية الذي أمر بإطلاق سراحهم في وقت لاحق، رغم أن عملية تفتيش مقر إقامتهم وجدت خالية من شبهة ممارسة الدعارة الموجهة لهم من طرف الجيران. تجدر الإشارة إلى أن حادثة مماثلة كانت بطلتها صاحبة بيت دعارة بمحاذاة السوق الأسبوعية بوسط المدينة تسببت في احتجاجات مماثلة منذ سنتين من طرف عشرات المواطنين، وهو ما دفع السلطات المحلية آنذاك إلى غلق المحل وإحالة صاحبته إلى العدالة بتهمة ممارسة الرذيلة والتشجيع عليها. وقصد الوقوف على معاناة الشباب، فقد رافقت الشروق السيد زاوي سليمان الناطق باسم الإتحاد الولائي للحركة الجمعوية والمجتمع المدني في جولة عبر الأحياء الجنوبية للمدينة، التي تفتقر لأدنى متطلبات الحياة، حيث كشف في هذا السياق بأن التنمية لم تتحرك قيد أنملة بهذه البلدية، بسبب عدم انطلاق 30 مشروعا تنمويا بسبب بيروقراطية الإدارة، وهو ما يضع علامات إستفهام كبيرة حول تعطل المشاريع الضخمة التي تحصلت عليها البلدية، مما تسبب في خيبة أمل كبيرة لسكان المنطقة، خاصة مشاريع تهيئة الأحياء والتزفيت وإيصال شبكات المياه الصالحة للشرب، كما يعاني السكان من مشكل خطير يتعلق بتوصيل شبكات المياه الشروب بقنوات مصنوعة من مادة الأميونت عبر أحياء "كوزاتراب والزاهي بن عيسى وضاية لقراد"، وهو ما يهدّد صحة المواطن ويضع السلطات في قفص الإتهام عن عدم تطبيق قرارات رئيس الجمهورية الداعية إلى إزالة بيوت البناء الجاهز، أضاف محدثنا، الذي تأسف لمعاناة 05 عائلات تضم 27 فردا مرمية بمستودع مؤسسة إستصلاح الأراضي والغابات منذ أكثر من سنة بدون غاز ولا كهرباء ولا ماء ويترددون على مرحاض واحد لكون كل عائلة تسكن في مكتب غير مفصول عن المكتب الآخر، بعد أن قضت أكثر من 06 أشهر تحت خيم دفعتهم إليها كارثة الأمطار الطوفانية التي شهدتها المنطقة في جوان 2005، حيث ورغم النداءات المتكرّرة لكل السلطات، إلا أن ذات العائلات لازالت تقبع هناك في ظروف مأساوية وكارثية، وقفت عليها الشروق كعينة من أوضاع البؤس والحرمان التي تعيشها المئات من الأسر التي تنام على الفقر والبطالة وتستيقظ على حلم ترقية آفلو إلى ولاية. فقر وبؤس و25 مقهى لاستيعاب البطالين ذات المتحدث، كشف كذلك عن الوقوف على مظاهر العوز في المناسبات الدينية، خاصة في شهر رمضان وموسم الدخول المدرسي، الذي اضطرت فيه آلاف العائلات إلى توقيف أبنائها عن مزاولة الدراسة بسبب تدني القدرة الشرائية وإنتشار البطالة التي تجاوزت، حسب الزاوي، حدود 45 بالمئة، وهو ما أكدته الأرقام التي حصلنا عليها من الوكالة المحلية للتشغيل التي أحصت إلى غاية نهاية شهر أفريل أكثر من 6100 بطال من بينهم 1600 بطال جامعي، أرقام لا تعكس العدد الحقيقي للبطالين -حسب محدثنا - الذي أرجع أسباب هذا الإرتفاع المخيف إلى الانعدام الكلي لفرص التشغيل بسبب غياب مشاريع الإستثمار العمومية والخاصة، مؤكدا في ذات السياق بأن من يظفر بعقد عمل محدود المدة كمن فتحت له ليلة القدر. هذه الوضعية تكشفها، حسب الناطق الرسمي للإتحاد الولائي للحركة الجمعوية والمجتمع المدني، وجود ما يقارب 25 مقهى بالمدينة تعج بالشباب البطال الذي دفعت آفة البطالة العشرات منهم إلى الإنحراف، خاصة أمام إرتفاع مؤشر التسرب المدرسي وقلة هياكل ومرافق التأطير والترفيه، مما تسبب في ظهور آفات إجتماعية غريبة عن المجتمع الأفلاوي، كإنتشار عمليات السطو والسرقة وتجارة المخدرات وممارسة الدعارة التي تقف لها مصالح الأمن بالمرصاد، بالتنسيق مع فعاليات المجتمع المدني، وأمام إتساع المدينة وإرتفاع عدد السكان، فقد طالب السيد الزاوي بتعميم وإنجاز مقار جديدة للأمن الحضري بالأحياء الجديدة وتزويدها بالإمكانيات البشرية والمادية من أجل ضمان الإستقرار، خاصة وأن الأحداث الأخيرة قد تطلبت الإستنجاد بفرق تدخل سريع من الوحدة الولائية، وهو ما ساهم في إستتباب الأمن وعودة الهدوء إلى شوارع وأحياء المدينة، يبقى الأكيد أن الشيء الذي لا يختلف فيه اثنان هو المعاناة والحرمان الذي لمسناه في وجوه كل من التقيناهم في أحياء الشهيد الزاوي سعيد وبلهواري وعين يعقوب التي لازالت البداوة ترتسم على أهلها، ولسان حالهم يقول ثورتنا حركتها إيديولوجية عرفية لا علاقة لها بالساسة والسياسيين وكرمنا وطيبتنا تنسينا معاناتنا المتواصلة على مدار عقود من الزمن ومطلبنا المشروع بترقيتنا إلى ولاية وعد في عنق ابن المنطقة. ع. بن حرز الله