المناخ السائد يجعل بعض الصحف تلجأ إلى ما يشبه "التسخين" المسبق للانتخابات الرئاسية المقبلة، وإلى المضاربة على أن رئيسا سابقا أو رئيس حكومة سابق قد يدخلان السباق الانتخابي. طبعا إذا أخذنا الأمر من زاوية الاستمرار في المضاربة وتغذيتها، فإنه يمكن توقع أو ترجيح أن في ذلك ما يشبه الدعوة لهاتين الشخصيتين للتفكير في دخول السباق الانتخابي، أو أن في ذلك "رسالة" من جهة ما للمرشح الرئيس أن الأمر لن يكون بالسهولة التي قد يتصورها أنصاره، أو أن الأمر لا يعدو أن يكون "إدارة" تدخل في إطار التحضير للانتخابات الرئاسية. والواقع أن الأمر قد يكون متصلا فقط بما يفرزه المناخ السياسي السائد في البلاد. إن طرح اسم الرئيس السابق اليمين زروال أو رئيس حكومة الإصلاحات مولود حمروش، بالخصوص، باعتبارهما شخصيتان يمكنهما منافسة الرئيس بوتفليقة وأنهما يحظيان بمساندة من قوى نافذة في دواليب السلطة، ينم في الواقع عن أن الساحة السياسية، أي الأحزاب وأجهزتها، لا يمكنها أن تقدم ما يكفي لإضفاء مصداقية على الانتخابات وأن مرشحي الأحزاب يوصفون أنهم في الغالب "أرانب" بالمعنى المستخدم في سباقات ألعاب القوى، وهو معنى إيجابي، حتى وإن كان الذي يمارس دور الأرنب مبرمج له الانسحاب من السباق وعدم التفكير أصلا في الفوز، لكنه مع ذلك فالأرنب يحرض المتسابق ويدفعه لبذل مزيد من الجهد. إن الملامح التي تنبعث من هذه الصورة تكملها ملاحظة أن لعدد من الشخصيات السياسية، مثل مولود حمروش وعبد الحميد مهري، قدرة خاصة على انتزاع الاهتمام، بل وإننا نلاحظ أن لأي تصريح يصدر عنهما بشكل منفرد أوبشكل جماعي، كما حدث في البيان الثلاثي مع السيد حسين آيت أحمد، أثر يفوق بكثير أثر أي بيان صادر عن أي حزب أو أي زعيم حزبي. المشكلة تعكس في الواقع غياب معارضة وتعكس غياب ساحة سياسية حقيقية وتقول لنا أن مكونات الساحة تفتقر لسند اجتماعي وتفتقد بالتالي لمصداقية لدى الناس. إن هذا الوضع يقول لنا أيضا أن الرأي العام بشكل عفوي أوحتى غير مدرك سياسيا لا يعتقد أن زعماء أحزاب المعارضة قادرون على منافسة السلطة ومرشح السلطة وأحزاب السلطة. وبالاستنتاج المنطقي يمكن القول إن الانتخابات الرئاسية المقبلة سوف تكونة محسومة مسبقا لصالح الرئيس بوتفليقة، وأنه ليس هناك داع حتى لإجراء انتخابات إذا لم تكن انتخابات فيها ما يُطمئن أنها انتخابات تنافسية. من ناحية أخرى واضح في هذه الصورة أن الأحزاب السياسية التي من المفترض أن تكون في المعارضة، إما أنها لا تملك برامج، أو أنها لم تتمكن من إقناع الناس بجدوى ما تعلنه من غايات وأهداف وما توصلت له من خلاصات، إن كانت لها فعلا خلاصات سياسية أو إيديولوجية. المسألة على قدر هام من الأهمية وليست مسألة سياسية مرتبطة برغبة رجال سياسية أو حتى رجال سلطة في العودة للسلطة وللحكم. ذلك أن الراغبين في الوصول إلى السلطة والحكم كثيرون في الأحزاب السياسية السلطوية وغير السلطوية، وأن الأمر متصل أكثر بإعطاء مصداقية للانتخابات وأن إعلان ترشح لويزة حنون أو موسى تواتي أو حتى سعيد سعدي، لا يمنح للتنافس الانتخابي أي " رهان" ولا يعطي أي " سيسبانس" ولا يمكن من أي " إخراج" للعملية سياسيا وإعلاميا. لكن ينبغي القول أيضا إن مثل هذا الطرح في ظرف مثل الظرف السياسي القائم حاليا، خاصة ونحن نعرف أنه ليس للرئيس السابق زروال أو لرئيس حكومة الإصلاحات حزب سياسي أو سند اجتماعي سياسي منظم وهو ما يجعل أمر ترشحهما يخضع لاعتبارات أخرى " غير عادية"!! ما المقصود بغير عادية؟ أولا أن تكون الانتخابات " مفتوحة" تماما، وذلك يعني أن السلطة والإدارة تقفان بشكل رسمي على الحياد. وثانيا أن لا يكون هناك أي اعتراض من السلطة وأصحاب القرار على ما قد يلجأ له أحد هذين المرشحين، وخاصة مولود حمروش وتوجهاته في الاصلاح، خاصة إصلاح آليات اتخاذ القرار وتوسيع الحريات كل الحريات، قلت ما قد تلجأ له هاتين الشخصيتين من سياسات. ومثل هذه الاعتبارات تعني وجود تغير جذري في ممارسة السلطة لسلطتها، وذلك مستبعد لأن عملية تعديل الدستور كانت مؤشرا واضحا لقرار يكون قد اتخذ أو توافق يكون قد حصل. أما ما عدا ذلك فإن الأمر سيدخل في منطق انقلابي. وسبق أن رأينا بعض الصحف تتحدث عن أن مولود حمروش قد يعود لقيادة جبهة التحرير بل وقد يتولى قيادة جبهة القوى الاشتراكية وهو ليس مناضلا في هذا الحزب. وذلك يعني أن المنطق السياسي الانقلابي ما زال غير مستبعد عند البعض. إن زوال حكم الرئيس اليمين زروال جاء وفق منطق انقلابي، على ما تقوله روايات كثيرة، ومنطق زوال حكم الرئيس الشاذلي بن جديد جاء وفق منطق انقلابي، على ما تكاد تجمع عليه جل الروايات. ومجيء الرئيس هواري بومدين إلى الحكم تم وفق المنطق الانقلابي وذلك كان أمرا واضحا. كما أن تعديل الدستور رآه البعض "انقلابا" سياسيا على المنطق الدستوري وعلى دولة القانون، فهل لذلك تذهب بعض الكتابات الصحفية في اتجاه ترجيح عدم انتهاء منطق الانقلاب السياسي؟!! أما البعد الآخر في التحليل فهو يمكن أن نراه في ما تذهب إليه هذه الكتابات من ترجيحات أو مضاربات، في أن "التفاوض" لم ينته بعد حول الانتخابات الرئاسية المقبلة، وأن المسألة لم تحسم بشكل نهائي. وهذا يذكبه حتى الآن التحضير العادي للانتخابات المقبلة وهيمنة مناصري الرئيس بوتفليقة شبه الكاملة على الساحة، من جهة وعدم بروز أي مؤشر يدل دلالة ولو بعيدة عن احتمال وجود بدائل أخرى. وبالتالي فإن المرجح أن الأمر لا يتجاوز أحد أمرين.. إما أن المناخ السياسي العام، خاصية آليات اتخاذ القرار وممارسة الحكم، ما زالت تجعل كل شيء ممكن، أو أن الأمر يدخل في مجال الإدارة وشغل الإعلام والرأي العام بمضاربات والتوسيع التدريجي للاهتمام بالانتخابات الرئاسية. في كل الأحوال من الناحية السياسية العملية، فإن الرجلين لم ينبسا ببنت شفة. وإذا كان أحد المقربين من الرئيس زروال، أو الذي اعتبر كذلك، قد كتب يقول إن الرجل هو الرجل المناسب للمرحلة، فإن رئيس حكومة الإصلاحات مولود حمروش لم يصدر عنه، أو حتى عن مقربين منه، أي شيء يسمح بجعل هذا الاحتمال واردا. خاصة وأنه معروف عن الرجل أنه رفض في ظروف سياسية تعتبر أحسن من هذه بكثير دخول معترك التنافس الرئاسي. ويبقى القول إن الخطير في هذا هو أن يسود منطق الانقلاب السياسي النخبوي ويصبح شبه عادي عند الكثيرين. بل الأخطر أن البعض يجعله أو يعتبره المنطق الوحيد الممكن في غياب عمل سياسي حقيقي وفي غياب ساحة حقيقية ومعارضة قوية وبرامج متنافسة وغير ذلك من مستلزمات حياة سياسية عادية. يبقى القول إن أي محاولة لتعويض غياب منافسة حقيقية في الانتخابات المقبلة، ليس لكون هناك إجماع أو توافق سياسي حر، بل فقط لأن " اللعب مغشوش" أو أن اللعب مغلق تماما، بمضاربات متواصلة هو أمر محدود النتائج والأفضل منه هو التخلي عن المنطق نفسه. ذلك غير وارد لسبب بسيط وإلا كان يمكن من خلال حياة سياسية عادية وتنافس حقيقي بين برامج ومشاريع مجتمع مختلفة المستند الإيديولوجي الوصول بشكل طبيعي إلى انتخابات نطمئن تماما لوجود رهانات واضحة فيها. ولكن ينبغي القول أننا بعيدون كل البعد عن مثل هذه الحال، وبالتالي فالسوق مفتوح للمضاربات فقط ولعمليات إدارة وتسخين ل " بندير" الانتخابات المقبلة!!