لم يتوان رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة في توجيه خطاب جريء وصريح عن واقع الأمة العربية، في الاجتماع الاستثنائي للقمة العربية بمدينة سرت الليبية، وكعادته وفي كل المناسبات الدولية كان رئيس الجمهورية صريحا وصادقا في التعبير عن مختلف القضايا العربية والإقليمية، سيما ما تعلق منها بالقضية المركزية والأساسية للعرب وهي القضية الفلسطينية، بعيدا عن اللف والدوران ولغة الخشب التي يمارسونها بعض القادة والرؤساء العرب، والتي سئمت الشعوب العربية من سماعها، الأمر الذي أدى بالمراقبين إلى وصف خطاب عبد العزيز بوتفليقة بالتاريخي، مشيرين إلى أنه خطف الأضواء من القادة بتدخله الجريء في تحليل واقع العرب من القضية الفلسطينية، تحليل يرتكز على تعرية الواقع المرير الذي تعيشه الأمة العربية، وتسمية الأسماء بمسمياتها دون تفلسف أو قفز على الحقيقة· ''يجب بناء موقف عربي موحد وعاجل تجاه القضايا الراهنة'' وصف صادق للواقع العربي، ومواقف جريئة يستكتبها التاريخ بأحرف من ذهب وقد أثلج خطاب رئيس الجمهورية الرأي العام الجزائري والعربي بصفة عامة، واصفين إياه بأب القضايا العربية، وزعيم زعماء العرب بدون منازع، وقد خصص رئيس الجمهورية حيزا معتبرا في تدخله للقضية الفلسطينية التي نفض منها العرب أيديهم، وتركوا الفلسطينيين لوحدهم يصارعون الكيان الصهيوني الغاشم المدعوم من أكبر قوة في العالم لوحدهم، دون سند ولا معين، وإن وجد الرأي العام ما يثلج صدورهم في خطاب رئيس الجمهورية من تعرية الواقع العربي بكل صراحة، فقد كانت للطبقة المثقفة كذلك نفس الانطباع، حيث أكدوا أن الخطاب كان في مستوى مواقف الجزائر الثابتة والمشرفة اتجاه القضايا العربية والدولية· تساءل رئيس الدولة عن سبب السكوت المطبق للمجتمع الدولي رغم توافر الأدلة الدامغة على الجرائم المقترفة من طرف إسرائيل في غزة على وجه الخصوص والتي ساقتها كل لجان التحقيق ودونتها في تقاريرها وعلى رأسها تقرير غلولدستون، حيث جاء في الخطاب سأننا نعيش مرحلة حاسمة على الصعيد العربي تميزها التداعيات الأخيرة لقضيتنا الفلسطينية والتعثرات المتكررة لمفاوضات السلام بسبب تعنت الاحتلال الإسرائيلي الممعن في سياساته الاستيطانية التوسعية غير مكثرت لحق الشعب الفلسطيني المشروع في بناء دولته المستقلة''، معتبرا السياسة العربية للجوار تتأسس على حد أدنى من الثوابت والأهداف العربية المشتركة التي لا جدال فيها ولا تنازل عنها، مشيرا إلى القضية الفلسطينية، التي شدد على وجوب إيجاد حل عادل ونهائي لها، مع استرجاع كل الأراضي العربية المحتلة وتحقيق الأمن القطري والجماعي للدول والشعوب العربية· أيها العرب توحدوا قبل أن تندثروا وشدد بوتفليقة في هذا الإطار على ضرورة بناء موقف عربي موحد وإصلاح فلسطيني عاجل، يستدعي تحركا موحدا من أجل وقف سياسة الاستيطان والتهويد والحصار على الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع، ودعى باسم القمة العربية مجلس الأمن لتحمل مسؤولياته الكاملة لتنفيذ قرارات من شأنها إجبار إسرائيل على الانصياع إلى الشرعية الدولية بالإيقاف الفوري لبناء المستوطنات في الأراضي المحتلة وخاصة القدسالشرقية، كما دعى كل الدول العربية إلى ضرورة مواصلة الجهود الرامية إلى تفعيل المبادرة العربية ورسكلة العلاقات مع الدول الأخرى في ظل علاقاتها مع إسرائيل وموقفها من التمادي الإسرائيلي في البلديان العربية، وهو ما يوحي بالدعوة إلى تقنين العلاقات مع مختلف الدول الصامتة عن إسرائيل في انتهاكاتها الصارخة لحقوق الإنسان حيث جاء في الخطاب ''ويجب علينا نحن العرب أن نوحد كلمتنا ونواصل جهودنا ونحدد علاقتنا مع الغير على ضوء موقفهم من قضايا صراعنا مع اسرئيل وهي تتحدانا وتتحدى العالم بانتهاجها هذه السياسة العدوانية تجاه شعبنا الصامد في فلسطين وهي تتمادى دون وازع من خلق أو قانون ضاربة عرض الحائط بكل القرارات الصادرة عن أعلى هيئة دولية ساهرة على الأمن والسلم في العالم وأعني بها مجلس الأمن والأممالمتحدة، ولعله من الأصوب في هذا المقام أن ندعو الجمعية العامة للأمم المتحدة لاستئناف دورتها تحت بند سلنتحد من أجل السلام '' مما يعطي قراراتها قوة إلزامية تفرض على إسرائيل وقف سياستها التوسعية والانسحاب من كل الأراضي العربية المحتلة في يونيو7691''· علينا مواصلة الإصلاح وتفعيل العمل العربي المشترك وقد اهتم عبد العزيز بوتفليقة خلال القمة ببحث سبل التعاون وتطوير مؤسسات العمل العربي المشترك و مبادرة السياسة العربية لحسن الجوار مع الدول والمناطق المجاورة، ومعلوم أن قضايا إصلاح الجامعة العربية ومؤسساتها محل نقاش منذ قمة الجزائر سنة 5002 حيث تم خلالها إقرار جملة من التوجيهات من أجل تحسين نجاعة عمل المؤسسات العربية، معلنا عن يقينه من أن الإصلاح المؤسساتي الذي تناقشه القمة، كفيل بفتح الطريق في مرحلة قادمة أمام بلورة وإرساء سياسة عربية للجوار، تتمتع بالإمكانيات البشرية والوسائل المادية الضرورية لبلوغ أهدافها على أحسن وجه· أكد في نفس السياق على ضرورة الخروج بإصلاحات تبنى صيغتها على التقويم الموضوعي لمحصلة العمل العربي المشترك، بمزاياه ونقائصه وثغراته، مستدلا على ذلك بالتجارب الدولية والإقليمية التي برهنت على جدواها ونجاعتها، في مقدمتها إنشاء البرلمان العربي الدائم، واستكمال المؤسسات التي اتخذنا قرارات بشأنها مثل مجلس السلم والأمن العربي، بالاضافة إلى اعتماد معيار التمثيل النسبي على أساس الكثافة السكانية لكل الدول الأعضاء باعتبارها خطوة هامة في مسار دمقرطة الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد العربية ووسيلة مثلى للنهوض بعملية بناء مجتمع مدني عربي مسؤول متشبع بمبادئ الممارسة الديمقراطية المتوائمة مع قيمه الثقافية والحضارية الإسلامية العريقة، مؤكدا على ضرورة تمثيل الشريحة النسوية أيضا · أين مجلس الأمن من القضية الفلسطينية؟ ودعا في ذات السياق إلى ترقية دور مجلس الأمن والسلم ودعم إمكانياته المادية والتكنولوجية لتمكينه من أداء دوره، في تسوية النزاعات وتخفيف التوترات تفاديا لتفاقمها واستفحالها، من خلال إعادة النظر في تشكيلته وتوسيعه ليكون فعالا، والأمر نفسه اقترحه رئيس البلاد بالنسبة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي تؤول إليه مهمة بلورة اهتمامات وتطلعات المواطن العربي والدفاع عنها في القمم الاقتصادية والاجتماعية العالمية ولدى هيئات الأممالمتحدة والمؤسسات الدولية ذات الصلة· كما ناشد رئيس الجمهورية مختلف الدول العربية خلال القمة لإدراج مسعى إنشاء محكمة العدل العربية ضمن جدول القمة القادمة· وأكد الرئيس بوتفليقة بالمناسبة دعم الجزائر لكافة المقترحات الجديدة لتفعيل منظومة العمل العربي المشترك، مشيرا إلى أن نجاعة وفعالية هذا العمل تقاس بمستوى عقلانية القرارات والسياسات المرسومة ونجاعة الأساليب المسخرة لتطبيقها· اقتراحات في الصميم كما ناشد رئيس الجمهورية الدول الأعضاء التحلي بروح البراغماتية والواقعية في صياغة تخصصات المجالس الوزارية والمفوضيات المقترحة، وفقا لأولويات العمل العربي المشترك وتوجهاته الإستراتيجية الكبرى، مقترحا في هذا الصدد تأسيس ''آلية الترويكا'' على مستوى الرئاسة السنوية للجامعة التي تعمل على مساعدة ومساندة رئاسة القمة في أداء مهامها على كل المستويات، وذلك ضمانا للتواصل بين الرئاسات المتعاقبة وحفاظا على ذاكرة العمل المشترك وقراراته· من جانب آخر نوه رئيس الجمهورية بمحتوى مذكرة الأمين العام للجامعة العربية، المتعلقة بسياسة عربية للجوار، مشيرا إلى أن هذه المذكرة عكست رؤية ثاقبة، وبعدا في النظر حيال بلورة دور عربي فعال ومؤثر، لا سيما في تعاطيه مع دول الجوار التي تجمعها بالدول العربية تحديات واهتمامات مشتركة· وبخصوص مسألة آليات التنفيذ قال الرئيس بوتفليقة في كلمته ''إننا لسنا بحاجة إلى هيكل مؤسساتي جديد مستقل بذاته''، موضحا بأن سياسة الجوار يجب أن تذوب في صلب سياسات الجامعة، وتتبناها كافة أجهزتها من أمانة ومجالس ومفوضيات، ليخلص في الأخير إلى أن مسار الإصلاح المؤسساتي للجامعة ينبغي أن يحظى بالمتابعة الحثيثة والمستمرة من أجل توفير المناخ الأنسب لإعداد أسس سياسة عربية موحدة للجوار تخدم مصالح الأمة وتحقق أهدافها المسطرة· الاتهامات الموجه للبشير مرفوضة رفضا مطلقا من جهة أخرى جدد رئيس الجمهورية رفضه التام للخطوة التي أقدمت عليها المحكمة الجنائية الدولية بإعادة تكييفها للاتهامات الموجهة إلى رئيس جمهورية السودان حسن البشير، معتبرا إياها تجنيا على رمز السيادة في السودان، وتهديد للجهود المبذولة من طرف اللجنة الوزارية العربية الافريقية بقيادة دولة قطر، والرامية إلى بحث الحلول المناسبة لإنهاء أزمة إقليم دارفور بعد توصل الأطراف المعنية إلى اتفاق إطار بالدوحة· على القوات الأجنبية الانسحاب من العراق كما أكد بوتقليقة خلال خطابه على دعمه لانسحاب القوات الأجنبية من العراق بشكل كامل مجددا دعمه لمساعي الرئيس الصومالي في إطار استكمال مسار المصالحة وبث الاستقرار بالبلد، مشددا على ضرورة تبني لغة الحوار فيما معالجة الملف النووي الإيراني، وانتهاج الطرق السلمية في سبيل حل النزاع القائم وفقا لقواعد عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية و في إطار الشرعية الدولية· علينا بالوحدة قبل أن يفوتنا قطار الزمن وفي إطار القضايا الدولية الراهنة والتغيرات المستمرة التي يشهدها العالم اليوم، أكد الرئيس على ضرورة تعزيز لغة التشاور وتنسيق المواقف في كل المحافل الدولية وتوحيدها إزاء أمهات القضايا السياسية والاقتصادية التي يوليها المجتمع الدولي أهمية خاصة على غرار إصلاح مجلس الأمن الدولي ومنع انتشار الأسلحة النووية وظاهرة الإرهاب وتداعياتها على الأمن والاستقرار في العالم ومسألة التنمية ومكافحة الفقر وإشكالية البيئة والتغيرات المناخية حيث يضيف '' ··وغيرها من المواضيع التي استحوذت على الأجندة الدولية وتتطلب منا حضورا اكبر ومساهمات تكون في مستوى رغبتنا في عدم البقاء على هامش هذه التغيرات الجذرية التي تشهدها العلاقات الدولية المتعددة الأطراف''·