أخذت ظاهرة تسول الأطفال أو طلب المال من أفراد العائلة أوالأقارب، الجيران، وحتى الغرباء منحى خطيرا، بعد أن أصبحت عادة حاصرها الإدمان وأضحى عديد الأطفال يمارسونها بشكل تعدى حدود المألوف والمعتاد، خاصة وأن الطفل صفحة بيضاء يكتب عليها المجتمع ما يشاء، وبما أن طفل اليوم يخضع لمتغيرات العصر التي طالت تصرفاته، سلوكاته، وحتى قيمه في ظل الإنفتاح والعصرنة التي يشهدها المجتمع الجزائري حاليا، أضحى هذا الأخير عرضة للعديد من السلوكيات والإنحرافات التي تتربص ببراءته بين الفينة والأخرى، نتيجة إغفال بعض الأولياء أو عدم تحلي البعض الآخر بروح المسؤولية التي تعد أساس التربية الصالحة. ونظرا للأبعاد الخطيرة التي قد تعصف بمسقبل حياة طفل بريء جراء سلوك مستهتر كتسول الأطفال من طرف المحيطين بهم والذي قد لا يتخذه الأولياء على محمل الجد، فمن المحتمل أن يستبدل الطفل براءته بقناع الشراسة والأنانية اللذان يقسوا بهما على نفسه من خلال الإنحرافات المختلفة التي يتفنن الشارع في تلقينها لمحتضنيه، «السياسي» طرحت الظاهرة وناقشتها مع مختصين في المجال، قصد التحسيس بخطورة الظاهرة التي قد تأتي على الأخضر واليابس إن لم يتفطن الأولياء لخطورتها بما أن طفل اليوم يتمتع بمستوى كاف من التدليل يحقّق له جميع رغباته دون استثناء. وقد نزلت «السياسي» إلى الشارع وطرحت الظاهرة على أولياء وأولياء مستقبليين، إلى جانب بعض الأطفال، ولدى طرحنا لظاهرة طلب أو جمع الأطفال للمال أو بالأحرى تسول الأطفال من طرف العائلة، الأقارب، الجيران وحتى الغرباء لاحظنا إختلاف في وجهات النظر إذ لمسنا مستوى عالي من المسؤولية وإلمام بكل جوانب الظاهرة لدى بعض الأولياء على إختلاف مستوياتهم الإجتماعية والتعليمية في حين لمسنا نوعا من الإغفال أوعدم التحلي بروح المسؤولية لدى البعض الآخر حتى وإن تعلق الأمر بفلذات أكبادهم. المال يُدخل الأطفال إلى عالم الإجرام من بابه الواسع ابن الرابعة عشر ربيعا يجبر على سرقة أهله تحت طائلة التهديد من نده، هي حكاية رواها لنا متمدرس في السنة الثالثة متوسط، حكاية صديقه بدأت منذ سنوات خلت إذ كان الطفل البريء يتعرض مرارا إلى تهديدات من قبل قرين من نفس حيه حيث كان يجبر على تدبير مبلغ من المال ومنحه لقرينه أو يتعرض إلى مالا يحمد عقباه غير أنه وكما يقال «ليس في كل مرة تسلم الجرة»، إذ كان يضطر إلى جمع المال بشتى الطرق والوسائل إلى أن أجبر في مرة من المرات إلى سرقة حلي أمه وتقديمه إلى مهدده ورفقائه ولدى مراودتهم شكوك حول حقيقة مصدر الحلي لبيعه خضع الطفل إلى إستجواب من طرفهم، لينكر الطفل مصدره ويفصح على أنه ملك لعمته المغتربة وبعد حصولهم على عائدات الحلي منحوا الطفل مبلغ 8000 دينار، إلا أن والد الطفل إكتشف صدفة حمل ابنه لمبلغ كهذا. حالة هذا الطفل ليست بالاستثنائية بالنظر إلى جموع الأطفال الذين يتعرضون لمثل هذا النوع من الإجرام، وحسب شهادات البعض، فإن العديد من الأطفال دخلوا عالم الإجرام بعد أن تعودوا على طلب المال من أفراد العائلة وحتى الغرباء ليصرفوه فيما بعد على شتى أنواع الكماليات من قاعات الألعاب، مقاهي الأنترنت وبالتحديد المواقع الإباحية، التدخين، المخدرات وغيرها من الآفات الاجتماعية التي لا تعد ولا تحصى. وفي مقابل ذلك، تقربنا من بعض الأولياء كذلك فأم بشرى عاملة بمستشفى العاصمة إلتقيناها صدفة هي وابنتها التي بادر زميل أمها بمنحها بعض النقود غير أن الطفلة رفضت إستلامها منه حتى أذنت لها والدتها فاغتنمنا فرصة تواجدنا هناك وطرحنا بعض الأسئلة على والدة بشرى التي أفصحت أنها تعمد على إجبار أبنائها على عدم قبول أي شيء من الغرباء عدا العائلة وواصلت «أتابع أطفالي على الرغم من صغر سنهم في كيفية صرفهم لنقودهم، بغرض تعويدهم على ترشيد أموالهم وتصرفاتهم». إمام مسجد: الأصل أن نقضي على المشاكل في أصلها من جهته، الإمام نصر الدين إمام مسجد «عرفات» ببن عكنون، أكد على أن بروز هذه الظاهرة هو نتيجة لتربية الوالدين بالدرجة الأولى ولابد أن يتعامل الأولياء مع بعض السلوكيات بحكمة في معالجتها وأكد ذات الإمام أن الأصل «أن نقضي على المشاكل في أصلها من الأول ونضع حدا لاعتياد الأطفال على طلب النقود لأن العادة تبدأ مع الوالدين ثم تخرج إلى العائلة ونحن نوجّه نصيحة تعود إلى حسن التربية والأخلاق وتعليم الأطفال عدم طلب المال من الغير واللجوء إلى الأولياء في كل شيء»، وعدّد الإمام أبعاد هذه العادة التي تفتح الأبواب على كل أنواع الإنحراف ووصفها بالسيئة، خصوصا إذا أدمن الطفل على جمع الأموال فنتائج هذه الأخيرة تبدأ بالبيت، فيمكن أن يلجأ الطفل إلى أي طريقة تمكنه من جمع المال في غير رشد خاصة وأن الطفل سفيه غير راشد. أستاذ علوم شرعية: الظاهرة خطيرة وعلى الأولياء عدم ترك أبنائهم للظروف تلعب بهم أما (ب. ف)، أستاذ علوم شرعية بإحدى ثانويات العاصمة، فقد استشهد بقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حينما قال «أولادكم هبة من الله»، وقول الله تعالى «المال والبنون زينة الحياة الدنيا» فيجب المحافظة على فلذات أكبادنا والسهر على تربيتهم وإكرامهم، وكشف أستاذ العلوم الشرعية عن الظاهرة السلبية التي غزت مجتمعنا مؤخرا قائلا «وجدنا ظاهرة غريبة عند بعض الأطفال الذين يطلبون الناس إعطاءهم النقود أمام أعين أبائهم أوخفية عنهم، وأصبحت هذه الأخيرة عادة مكتسبة بلا حياء وهي ظاهرة خطيرة تكسب الطفل عدم الإعتماد على نفسه إذ لايبني هذا الطفل مستقبلا يلق به، فيصبح عالة على مجتمعه فيتعود على الإنحراف عندما لا يجد من يزوده بالنقود فينجر إلى السرقة وارتكاب الجرائم والسطو على المنازل والإنسياق إلى الآفات الاجتماعية كالخمر والمخدرات وما يزيد الطين بلة هو أن هذا الطفل يهتم بالكماليات وقاعات الألعاب ليضيع وقته ثم ينساق إلى التدخين»، واعتبر ذات الأستاذ أن هذه الظاهرة خطيرة جدا إذا لم نقرأ لها ألف حساب وخاصة الأولياء لذا يجب متابعة أبنائهم وعدم تركهم إلى الظروف تلعب بهم كالكرة والسهر على اختيار الأماكن اللائقة بهم كالمكتبة، الدروس الاستدراكية والوقوف معهم وقت السراء والضراء فلانتركهم يصارعون الحياة لوحدهم بل نرعاهم إلى جانب الحوار الدائم مع الأبناء وفي الأخير، نرجو أن نزيل هذه الظاهرة التي انتشرت في بلادنا والكف عنها ومحاربتها. علم النفس: تسول الأطفال هو نوع من الأنانية أكدت أستاذة علم النفس سامية والي، أن ظاهرة تسول الأطفال هي ظاهرة جديدة بالنسبة للمجتمع الجزائري مقارنة مع أسباب التسول خلال فترات ماضية والتي تتمثل في الأسباب الاقتصادية بالدرجة الأولى كالفقر، الحاجة، والأسباب الإجتماعية كالتفكك الأسري، خلاف الوالدين، الطلاق وغيرها من العوامل الأخرى التي شكلت أولى الأسباب في خروج الأطفال إلى التسول أما في الوقت الحالي، فإننا نلحظ أن تسول الأطفال نتيجة لسوء التنشئة والتربية لبعض العائلات فأطفال الوقت الماضي كان يطلبون المال لشراء أكل مثلا أما متسولو اليوم من الأطفال فنجدهم أمام الملاعب بغرض اقتناء تذكرة لدخول الملعب، أوإقتناء قرص مضغوط وبعض الأشياء الأخرى وهي نوع من الأنانية من أجل تلبية حاجات الطفل الذاتية. وأشارت المختصة النفسانية إلى الأسرة الجزائرية خاصة منها الأسرة الحديثة فحسب الأستاذة، فإن الزوجين عودوا أطفالهم على التدليل الزائد فاصطدمت الرغبة في الطفل مع ظروف الأسرة وهو سبب رئيس في خروج الطفل إلى التسول وكذلك هو نوع من احتكاك الأطفال مع بعضهم البعض من أجل التباهي فبعض الأطفال لايملكون لعبة فيشترونها لذا ننا شد بتربية الاطفال تربية معتدلة تتوجب محاورة الأولياء مع الأطفال خصوصا أثناء الضائقة المالية فالطفل يجب أن يحس ويشارك في اتخاذ القرارات، وأوجبت الأستاذة توعية الأسر، خاصة وأن الطفل يمتلك قدرات ويجب تربية الطفل على القناعة والشعور بالمسؤولية والحد من التدليل الزائد فهو الذي يؤدي إلى الإتكالية والسلبية والربح السهل فقد يؤدي إلى أخطر العواقب لذا يجب على الأسر أن تأخذ بعين الإعتبار مسؤولية تربية الأبناء على القناعة وروح المسؤولية وتقديم الهدايا للطفل على أساس التشجيع والتحفيز في المناسبات، فحصول الطفل على لعبة أو هدية يكون مقابل الاجتهاد، وأكدت الأستاذة أن الكثير من الأطفال يجمعون الأموال ويصرفوها في مقاهي الأنترنت والدخول إلى الموقع الإباحية، اقتناء السجائر وأشياء مضرة لصحة الطفل فمنح الطفل للأموال يعني المشاركة في جريمة أوسلوك منحرف. علم الاجتماع: الإنحراف ليس مرتبطا بقناعة شخصية أما الأستاذ يوسف حنطبلي، دكتور في علم الاجتماع، فقد أكد على أن مصروف الأطفال مرتبط بطريقة التربية وفلسفة تربية الأولياء لأبنائهم وتقديم مصروف للطفل ظنا من الأولياء أنه بغرض تلبية حاجيات معينة، وهو بمثابة تحفيزات وهذا المنهج الذي يبنى على تلبية حاجيات الطفل يتبناه الطفل نتيجة تفاعل مع الأخرين والطفل هو معرض في وسطه الاجتماعي للثقافة الاستهلاكية وطبعا الطفل ينتظر أن يواصل هؤلاء بنفس الطريقة لكن الأولياء لن يستطيعوا تلبية كل حاجيات الطفل وربما يسلك الطفل سلوك أخر إذ يتعود هذا الطفل على أخذ المال لاقتناء أشياء لتلبية رغباته على سبيل فضاءات الترفيه كالأنترنت مثلا وهذه الفضاءات ليست بالضرورة مرتبطة بحاجيات الطفل بقدر ما هي تفاعل بين أقرانه. وحمّل ذات الدكتور كل المسؤولية إلى الأولياء قائلا الأولياء هم مسؤولون قبل الأطفال، وأشار في ذات الجانب إلى أن الطفل إذا إستمر على هذا التصرف بدون منهج، بدون تصور وبدون مراقبة في نهاية المطاف ينجر الطفل إلى شكل هذه الثقافة التي تعتمد على تلبية الحاجيات التي يعتقد أنها ستثبت وجوده ومكانته مع الأقران. وأكد الأستاذ على أن الإنحراف ليس مرتبطا بقناعة شخصية للطفل لكن هو مرتبط بتفاعلات مع الأفراد أوالتيارات الاجتماعية فهو تفاعل اجتماعي لفكرة مسبقة والطفل بريء في الأصل وهو ضحية قهرية جماعية اجتماعية، فيصبح الإنحراف طبيعة ثانية يتلقاها الطفل من طرف مجتمعه. وحسب اعتقاد ذات الأستاذ، فإن الأولياء يجب أن يتهيؤا لبعض الأمور ولابد من تصور أولي يحسب له ألف حساب، فطفل اليوم ليس هو الطفل الأمس الذي لا يخرج عن الدائرة العائلية وإنما هناك فضاء آخر هو عدائي يتمثل في المجتمع الذي يحيط به.