بات التسول من الظواهر التي انتشرت في الجزائر في السنوات الأخيرة كغيرها من الظواهر السلبية الأخرى، يتخذها البعض لحاجة في نفسه وآخرون للحاجة، ومن الأسباب التي ساعدت على تفاقم هذه الظاهرة حسب المختصين في علم النفس والاجتماع غياب الضمير من جهة ومن جهة أخرى الفقر وكثرة عدد العاطلين عن العمل، إضافة إلى جهل بعض الأسر بعملية التنشئة الاجتماعية السليمة، وتسرب الأطفال من مدارسهم، وعدم تسجيلهم فيها واستخدامهم لأغراض التسول· متسولون من مختلف الفئات العمرية كل يختار طريقته في التسول لطيفة·ب يستوقفك متسولون من مختلف الفئات العمرية، كل يختار طريقته في التسول، فبعضهم يلجأ إلى الدعاء وقراءة القرآن، والبعض يتخذ القصة المؤثرة وسيلة لسلب بعض الدنانير· في حين تلجأ فئة إلى إظهار أماكن إصابتها بمرض أو ورقة شراء الأدوية التي عجزت عن توفير ثمنها· فيما تلجأ فئة أخرى إلى التسول بالكتابة، وذلك بتوزيع أوراق على ركاب الحافلات تحكي الوضع الاجتماعي الضعيف لاستعطاف الناس· ولهذا تحدثت لنا استاذة في علم الإجتماع عن ظاهرتين وقفت على إحداها في رمضان الفارط عند أدائها لمناسك العمرة، حين توجهت رفقة والديها لتناول وجبة خفيفة بعد الانتهاء من الطواف على الكعبة في حدود الساعة الثانية صباحا، ولم تكن حينها تحمل إلا ما قلّ من النقود، حيث تركوا كل حاجياتهم بمحل إقامتهم بالفندق، وبمحل الأكل تقدمت منها سيدة تلح على منحها قسطا من المال، إذ بصاحب المحل يطردها وهو ما حزّ في نفس محدثتنا التي لم تكن تتوقع، حسبها، أن ترى قسوته بأرض مقدسة كالحرم، لتتقدم من المتسولة وتقسم معها ''السوندويش'' ظنا منها أنها جائعة، غير أن المتسولة أمسكت به نظرت فيه وتمعنت في النظر فيها ومن ثمة رمته في وجهها· فيما عاشت الاستاذة ظاهرة ثانية بالأبيار، إذ بطفل صغير يركض خلفها فقامت سيدة بطرده وعند الاستفسار منها أكدت لها بأنه ينحدر من عائلة ثرية معروفة وهو يمارس التسول، لأنه يعاني من اضطرابات نفسية· كما قال سائق أجرة إنّ للتسول حالات معقولة يتقبلها الآخرين، فمثلا كان التسول في السبعينات والثمانينات يختلف عنه في الوقت الحاضر، حيث كانت هذه الحالة نادرة جدا وكانت الطريقة تختلف عن ما يمارس في الوقت الحاضر، فالمتسول قديما كان يحمل نوع من الكرامة وعزة النفس فلا يتصنع ولا يتكلف أكثر من حالته العادية التي يمارسها للحصول على المال· أما في الوقت الحاضر فبعضهم يلح معك في الطلب، وإذا لم تجد عليه فممكن أن يتجاوز عليك ويشتمك· ومن أغرب حالات التسول التي صادفها في حياته، حين لاحظ أثناء مروره قرب السفارات والمنظمات الدولية، أنّ المتسولين يحصلون على مبالغ بالعملة الصعبة أحيانا، بعدما يثيرون عطف وشفقة المقابل بشتى الطرق· وبصفته سائق أجرة، استوقفته مرة عبر تقاطع الإشارة الضوئية رجل يدّعي أنه أعمى ويتسول برفقة فتاة في العشرينات من العمر، لكنه في إحدى المرات صادفه بأزقة شارع بلوزداد يمشي بصفة عادية دون نظاراته السوداء المعتاد على وضعها ودون مساعدة الفتاة التي كانت دائما ترافقه· وهناك من يتظاهر أن له رجل واحدة فعندما يكون جالسا يقوم بإخفاء أخرى، لإثارة شفقة المارة، لكن عندما يحين وقت مغادرته في الفترة المسائية تراه يمشي برجليه وعلامات الرضا بادية على وجهه، خصوصا إذا كان دخل ذلك اليوم معتبرا· كما وقفنا على صورة حية بأحد أسواق العاصمة، حين راحت طفلة تنادي أمها بشكل ملفت للانتباه وتشير بإصبعها إلى شيخ كان يتسول وسط المارة بشكل يثير الشفقة، إذ بأمها تتمعن في رؤيته ليتأكد لها بأنه أحد جيرانها الذي يقيم في فيلا ويعيش حياة كريمة وسط أبنائه الذين يعمل كل واحد منهم في مناصب شغل لا بأس بها· ولا يقتصر الأمر عند ذلك فقط، فالبعض يستعمل عكازات طبية، جبس أو كراسي متحركة، ويتعمدون ارتداء ملابس بالية وملوثة وأحذية ممزقة وغيرها من الأشياء المثير ة للاستعطاف، المهم عندهم كسب المال وبأي طريقة· كما يعتمد آخرون على وضع وصفات طبية على أساس أنهم بحالة صحية تستدعي مساعدتهم لشراء الدواء ويستغل البعض الآخر أطفالا من مختلف الأعمار والفئات حتى يثيروا شفقة المارة منهن من تدعي أن والدهم معوق لا يستطيع العمل والأخرى تقول إن زوجها توفي وترك لها اليتامى، وتتوسل للمارة شراء علبة حليب أو خبز لأطفالهن، غير أنك إذا طلبت منهم مرافقتك لشراء لهم ذلك ينزعجون لأن غاية أغلبهم ليست سد رمق الجوع وإنما جمع أكبر قدر من المال، وتجدهم إذا منحتهم 10 دنانير أو أقل من ذلك، فإن تعابير الانزعاج تظهر في محياهم لأنهم كانوا يتطلعون للأكثر· كيف يرى الجزائريون ظاهرة التسول؟ يقول مهندس في إحدى المؤسسات الوطنية، إن الحديث عن التسول لا يقف عند حد ولا ينتهي لأنه شاق وطويل وفيه مداخلات كثيرة، وهو في مجتمعنا نتيجة الوضع الاجتماعي والاقتصادي وأحيانا يكون بدافع الطمع· أما مواطن آخر، فيرى أن كل المجتمعات التي تنعدم فيها ظاهرة التكافل الاجتماعي، تبرز ظاهرة التسول، وهذه الظاهرة ليست وليدة اليوم فهي موجودة في أغلب بلدان العالم وعلى مر التاريخ ويقول إنه عند لقائه بمتسول يكتشف أن الذي يدفعه لممارسة هذه الحالة ليس العوز وحده وإنما شعوره بالنقص، حاله كحال البخيل الذي ليست له قناعة بالمتوفر لديه من المال· إضافة إلى ذلك فإنه لا يملك أي نوع من الثقافة وبالأخص الثقافة الدينية التي ترفع من مستوى الإنسان، وتحافظ على عدم هدر كرامته· لذلك فإن أغلبهم من غير المتعلمين ويسلكون هذا السلوك عن طريق إثارة الشفقة والعاطفة واستخدام جميع لغات التسول التي يعرفونها ويتقنونها جيدا، والتي أكثرها كذب مصطنع· وللحد من هذه الظاهرة، لا بدّ على الدولة أن تقوم حسبه باحتواء المسنين الذين تخلى عنهم أبناؤهم في دور العجزة، والمشردين والمعاقين في إطار إنشاء مؤسسة إنسانية تلبي من خلالها متطلباتهم المادية، ومن خلال ذلك، يضيف، يتضح لها الكثير من الحقائق عن ارتباط هذه الفئة بذويهم ارتباطا مباشرا، لأن هناك بعض الأشخاص من تدفعهم عائلاتهم إلى التسول بعد أن تفرض عليهم مضايقات عديدة· كما اعتبرت سيدة ماكثة بالبيت أنه من حق الأفراد ممارسة التسول كمهنة، فلو كانوا، حسب اعتقادها، يملكون المال الذي يعينهم في حياتهم اليومية، لما اتخذوا من ذلك مصدرا للاسترزاق وأن الفقر والعوز، حسبها، هو الذي دفعهم لذلك· كما يرى مواطن آخر وهو ممرض بأحد مستشفيات العاصمة، أن السبب الرئيسي لهذه الظاهرة هو بالنسبة للبعض جراء استفحال البطالة· أما البعض الآخر فيعتبرها مهنة يجمع من خلالها الأموال الكثيرة· وعن انتشار المتسولين في الشوارع، مفن الواضح أن عملهم أشبه بتكوين شبكة يحركها رأس مدبر يخطط لهذه العملية ولتقريب الصورة، فإنهم أشبه بعصابة تسيطر على عمل معين تحتكرها لوحدها والذين يرسلون نساءهم لممارسة هذه الظاهرة ليس لديهم شيء من الكرامة، لأن المرأة خلقها الله تعالى لإدارة شؤون بيتها ورعاية الأسرة والأطفال وإشاعة الطمأنينة والأمن داخل الأسرة، لكن تغيرت الموازين، حيث نجد الرجل جالسا في البيت والمرأة تخرج لكسب رزقها بهذه الطريقة المنبوذة، فهذا يتنافى مع الدين والأعراف في مجتمعنا· وللحد من هذه الظاهرة، لا بدّ من توفير فرص عمل بالنسبة للقادرين على العمل، وضمان رواتب شهرية للعاجزين· ومن جهة أخرى، لا بد من دراسة هذه الحالة ووضع لها الحلول المناسبة وكذلك إشاعة الثقافة والإرشاد بين أوساط المجتمع· التسول ·· مرض وحسب الأستاذة كلاصي، مختصة في علم النفس، في تصريح ل ''البلاد''، فهناك فعلا من الأشخاص من يمارس التسول لأنه مريض نفسيا، وهناك من يعتبرها حرفة لجني الأموال بطريقة سهلة· وحسبها هناك بعض الأشخاص يرون دائما بأنهم مجبرون على التسول لتلبية ما ينقصهم، والبعض يتخذونها كغاية في أنفسهم، كما يؤدي ذلك بالنسبة للبعض الآخر إلى الحالة النفسية التي يعانون منها، وهي الفئة التي نجد منها من تعاني من اضطرابات نفسية خفيفة تجعله يمارس التسول في حالة وهو في حالة وعي·وآخرون يعانون من اضطرابات ثقيلة فتجدهم يركضون خلف الناس ويستوقفونهم عنوة لطلب المال وهناك يكون الفرد في حالة لا وعي يتقمص من خلالها شخصية غيره· واعتبرت محدثتنا، أن هناك من الأفراد من يستهويهم جمع المال لغاية في أنفسهم وأن قلة من المتسولين ممن هم فعلا بحاجة ماسة لكسب ما يقتاتونه· كما أكدت لنا أستاذة في علم الاجتماع بجامعة الجزائر، أنّ من أسباب ظاهرة التسول الفقر وكثرة عدد العاطلين عن العمل، إضافة إلى جهل بعض الأسر بعملية التنشئة الاجتماعية السليمة، وتسرب الأطفال من مدارسهم، وعدم تسجيلهم فيها واستخدامهم لأغراض التسول، والذي يؤدي بدوره إلى التشرد نتيجة التفكك الأسري، وكثرة حالات الطلاق أو الهجر أو الخلافات الزوجية المستمرة، كل هذه العوامل أدت إلى استفحال هذه الظاهرة الخطرة، وهناك العديد من العوامل التي يغيب ذكرها عن الذهن· أما العلاج الذي يتبع لمداواة هذه الظاهرة فهي كثيرة، ولها طرق متعددة، منها ما يستجوب على الفرد أن يقوم به إزاء نفسه، ولمن يريد القضاء على هذه الظاهرة أو الحد منها، يستلزم عليه توجيه هؤلاء المتسولين من خلال الحديث معهم وتذكيرهم بأن هذا العمل مشين وفيه شيء من التقليل من الكرامة والوقار، وعدم مجاراتهم في هذا العمل وعدم إعطائهم ما يطلبون من الأموال، لأن البعض منهم مسخر من قبل جهات مستفيدة أشبه بالعصابات، وأغلب هؤلاء المتسولين هم من العائلات النازحة من ولايات داخلية وأماكن تمركزهم في بيوت قصديرية يتم استئجارها لفترة معينة إلى حين انتهاء مهمتهم التي جاءوا من أجلها·