تحتضن العاصمة الألمانية، برلين، اليوم الأحد، المؤتمر الدولي حول ليبيا بمشاركة العديد من الدول من بينها الجزائر، مما يشكل فرصة سانحة لحشد جهود المجتمع الدولي لإنهاء الأزمة وإحلال السلم في هذا البلد. وتبقى المقاربة الجزائرية نفسها منذ اندلاع الأزمة في ليبيا، ألا وهي عدم التدخل في الشأن الداخلي والحث على العودة إلى الحوار بين الإخوة الفرقاء من أجل تكريس حل سياسي طويل الأمد، خاصة مع حالة التصعيد الأمني المتواصل منذ أفريل الماضي. وتتجاوز الرؤية المتبناة من قبل الجزائر، بخصوص الصراع في ليبيا، العامل الجغرافي بحكم أن البلدين يتقاسمان شريطا حدوديا يمتد على طول 982 كيلومتر، لتشمل عقيدة ثابتة لديها ترسم سياستها الخارجية وترتكز أساسا على احترام سيادة الدول والنأي عن التدخل في شؤونها الداخلية مع تغليب الحلول السلمية والخيارات الدبلوماسية. ومن هذا المنطلق، ستجدد الجزائر أمام المشاركين في مؤتمر برلين دعوتها للدفع بالأمور في ليبيا نحو الانفراج بدل جعلها فضاء لتصفية الحسابات وتحقيق المصالح الضيقة لبعض الأطراف. وفي هذا المنحى، كثفت الجزائر في الآونة الأخيرة جهودها لإطفاء فتيل الحرب وحقن الدماء الليبية من خلال مساعيها الحثيثة لجمع الأطراف المتناحرة على طاولة الحوار والمصالحة، وهو النهج الذي أكد عليه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون من خلال تصريحاته بأن الجزائر هي أكثر المعنيين باستقرار ليبيا، وبالتالي فإنها ستبذل المزيد من الجهود من أجل الحفاظ على وحدتها الشعبية والترابية. كما نبه الرئيس تبون إلى أن الجزائر يجب أن تكون شريكا في أي مسار لحل الأزمة وأنها لن تقبل أن يتم إبعادها عن أي حل في ليبيا، ليتقرر في هذا الصدد، وخلال اجتماع للمجلس الأعلى للأمن، إعادة تفعيل وتنشيط دور الجزائر على الصعيد الدولي، خاصة فيما يتعلق بالأزمة الليبية والوضع في مالي. وقد شهدت الجزائر مؤخرا إنزالا دبلوماسيا لأطراف ذات صلة مباشرة بالصراع الدائر في ليبيا، حيث توالت زيارات مسؤولين رفيعي المستوى، كان أولهم رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، الليبية فائز السراج، والوفد المرافق له، ثم وزير خارجية تركيا، مولود جاويش أوغلو، ورئيس الدبلوماسية الإيطالية، لويجي دي مايو، بالإضافة إلى وزير الخارجية المصري، سامح شكري، ورئيس مجلس الوزراء الإيطالي، جيوسيبي كونتي. كما حل بالجزائر أيضا وفد ممثل للمشير خليفة حفتر في زيارة اندرجت في سياق جهود الجزائر الرامية الى تقريب وجهات النظر بين كافة المكونات ومختلف الأطراف الليبية من أجل العودة إلى مسار الحوار الشامل. البحث عن الحل السياسي في انتظار إستعادة السلام المفقود تراهن ألمانيا كثيرا على أن يفضي المؤتمر، المقرر اليوم تحت إشراف الأممالمتحدة، إلى أرضية توافق بين أطراف النزاع الليبي ووضع حد لحالة الفوضى المحتدمة التي تسود البلاد. وعلى الرغم من أن التحدي الأكبر لمؤتمر برلين يبقى صنع الفارق مقارنة بتحركات دولية سابقة، من خلال التوصل إلى استئناف المسار السياسي والحرص على جعله طويل الأمد، إلا أن إقناع الأطراف الدولية المعنية بهذا الصراع بتقريب وجهات نظرها بخصوص هذه المسألة يظل هو الآخر تحدي لا يقل صعوبة وتعقيدا. وتتمسك ألمانيا بالأمل في أن يسفر مؤتمرها عن مخرجات إيجابية تمهد لإنهاء حالة الانقسام التي تعيشها ليبيا منذ خريف 2011 ووضع حد للقتال الدائر منذ أفريل الفارط على تخوم العاصمة طرابلس بين قوات حكومة الوفاق والقوات الموالية لخليفة حفتر، حيث أكد وزير خارجيتها هايكو ماس بالقول: بلغنا حاليا مرحلة نعتقد فيها أنه باستطاعتنا التوصل الى مثل هذا الاتفاق مع كافة المشاركين في المؤتمر . ويأتي مؤتمر برلين أياما قلائل عقب محادثات موسكو للسلام التي جمعت بين طرفي النزاع الليبي، وأفضت إلى توقيع حكومة الوفاق الوطني على اتفاق وقف إطلاق النار، في الوقت الذي طلب حفتر مهلة إضافية للنظر في اتفاق التسوية. للتذكير، سيعرف لقاء برلين مشاركة الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن (الولايات المتحدةالأمريكية، روسيا، الصين، بريطانيا وفرنسا)، بالإضافة إلى الجزائر، تركيا، إيطاليا، مصر، الإمارات العربية المتحدة وجمهورية الكونغو التي ترأس لجنة الاتحاد الافريقي الرفيعة المستوى حول الأزمة الليبية. كما سيحضر هذا المؤتمر أيضا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية. تشكيل حكومة وحدة وطنية من جانبه، أعرب المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة، عن أمله في أن يفضي مؤتمر برلين إلى وقف نهائي لإطلاق النار، حتى يتمكن النازحون الليبيون من العودة إلى منازلهم. جاء ذلك خلال الزيارة التي قام بها سلامة إلى مركز إيواء النازحين في مدرسة الغنيمي ، بمنطقة بن عاشور، جنوبي العاصمة طرابلس، برفقة نائبته للشؤون السياسية، ستيفاني ويليامز. وقالت البعثة الأممية، على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك ، إن سلامة وويليامز استمعا إلى معاناة النازحين داخليا جراء الاقتتال في طرابلس، مؤكدة أن المبعوث الأممي أكد استعداد وكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة لتكثيف الجهود لدعم النازحين. وتقول مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، إن عدد النازحين في مختلف ربوع ليبيا تخطى 268 ألف، وأن عدد النازحين، الذين قدمت لهم مواد الإغاثة الأساسية منذ افريل 2019، حتى أوت من نفس العام، بلغ 9817 شخص.