كثُر الحديث في الشارع الرياضي الجزائري خلال السنوات الأخيرة عن حدوث تلاعب في نتائج مباريات مسابقة الدوري المحلي، تلاعب ساهمت فيه عدة جهات من لاعبين ورؤساء أندية ومدربين وحكام كل من موقعه، وحسب درجة تأثيره في تحديد النتيجة النهائية للمباراة. بعضهم استغلوا مواقعهم واستغلوا الفوضى التي تمر بها البطولة الوطنية لتحقيق ثراء فاحش على حساب سمعة الكرة الجزائرية وعلى حساب ضمائرهم، حيث اختارت الكثير من الأندية بيع ذمتها مقابل الأموال. والواقع أن الظاهرة ليست وليدة الموسم الحالي أو الفارط بل تعود إلى ما يقارب العشريتين، غير أنها تفاقمت في المواسم الأخيرة وأصبحت طرفا رئيسيا في معادلة الدوري، لدرجة أن العديد من المتابعين لهذا الشأن يؤكدون بأن الترتيب النهائي للمسابقة في اغلب المواسم تحدّده الأموال ورفع الأقدام وليس الميدان، سواء بالنسبة للبطل ووصيفه أو الناجون من الهبوط أو حتى بالنسبة للأندية التي تصعد إلى الأقسام العليا. وذهب آخرون إلى التأكيد بأن هناك بورصة خاصة بهذا الجانب تحدد أسعار بيع الضمائر والذمم وهي أسعار غير ثابتة تتغير حسب أهمية المباراة وحسب الهدف المنشود، لان اللعب على البطولة أو مركز الوصافة ليس كاللعب على البقاء، وحسب أيضا الطرف المعني بالقضية فالحكم يعد محور هذه المعادلة لكونه الأقدر على التأثير في النتائج وهنا أيضا تتباين أسعار منتجاته غير الشرعية من ركلات الجزاء إلى احتساب أهداف خيالية إلى توزيع بطاقات حمراء وصفراء مجانية على المنافس وغيرها من الحيل التي يجيدها بعض قضاة الملاعب. وعادة ما تشهد الجولات الأخيرة رواجا لمثل هذه السلوكات المشينة في ظل وجود عدة أندية غير معنية لا بالمراكز الأولى ولا بالأخيرة بعدما ضمنت بقائها مع النخبة وفقدت آمالها في التتويج، وفي ظل الأزمة المالية التي تعانيها، تجد في بيع مبارياتها فرصة لإنعاش خزائنها بمال قذر تستخدمه في تسوية مستحقات لاعبيها العالقة لتفادي غضبهم. قضية اتحاد الحراش - شباب قسنطينة.. عينة من الموسم الحالي الموسم الجاري شهد اتهاما صريحا من قبل إدارة نادي اتحاد الحراش لنظيرها لشباب قسنطينة بمحاولة إرشاء عدد من لاعبيه، منهم المدافع عبد الرحمن قهواجي والذين ابلغوا إدارتهم التي أقدمت على الاتصال بنفس الرقم الذي وجدته في شاشات هواتف اللاعبين المعنيين بهذه المحاولة، فإذا بها تجده رقم احد المقربين من المناجير العام لقسنطينة الذي نفى هذه الاتهامات واعتبرها مجرد تبرير للهزيمة. سوسطارة تسّهل مهمة البرج في ضمان البقاء وبغض النظر عن مدى صحة اتهامات نادي الحراش من عدمها، فإن المثل يقول بأنه لا يوجد دخان بلا نار، خاصة أن هناك سوابق تؤكد حدوث مثل هذه الممارسات غير الشرعية بشكل أو بآخر والقاسم المشترك بينها هو المال وليس شيء آخر، فالجمهور الجزائري لا يزال يتذكر جيدا ما حدث في نهاية الموسم 2007-2008، عندما خسر اتحاد العاصمة القوي والمتخم بالنجوم في تلك السنة بعقر داره وأمام محبيه أمام ضيفه أهلي البرج المتواضع والذي كان يصارع على البقاء بهدفين لصفر، ورغم أن الحكم كان نزيها وقتها ولم تكن هناك ركلات جزاء غير شرعية ولا أي شيء من هذا القبيل، لكن إدارة نادي الاتحاد فضّلت إشراك الفريق الرديف الذي يتشكل من لاعبي الأواسط لتسهيل مهمة البرج. هل سعت الشلف لإسقاط وهران خدمة للبليدة؟ كما عرفت الجولة الأخيرة من ذات الموسم فضيحة في ملعب الشلف، عندما عمل نادي الشلف كل ما بوسعه لإسقاط نادي مولودية وهران خدمة لاتحاد البليدة وهي المؤامرة التي شاركت فيها عدة أطراف يعرفها العام والخاص بما فيها المدرب الوطني آنذاك، الذي سمح بتسريح احد لاعبي المنتخب لخوض تلك المباراة، رغم أن الخضر كانوا في معسكر تدريبي بفرنسا لخوض مباراة هامة ضد السينغال في تصفيات كأس العالم 2010 ورغم أن الشلف وقتها كان قد ضمن مركز الوصافة، بغض النظر عن نتائج الجولة الأخيرة، على اعتبار ان الفارق بينه وبين الرائد شبيبة القبائل وبينه وبين ملاحقه المباشر وفاق سطيف كان خمس نقاط كاملة، ووقتها برّر الناخب الوطني قرار تسريحه لهذا اللاعب بكون المباراة جد هامة لناديه، والغريب أن السيناريو تكرّر العام الماضي، حيث كان الخضر في معسكر بإسبانيا استعدادا لمواجهة المغرب وكان في صفوف المنتخب الوطني مهاجم الشلف الذي كان قطعة أساسية في الفريق ومع ذلك لم تطلب إدارته تسريحه لخوض مباراة الدوري رغم انه كان ينافس على البطولة. المعنيون يستغلون سكوت الرابطة والاتحادية لتكثيف نشاطاتهم واستغل المتورطون في هذه الظاهرة السكوت غير المبرر للجهات الرسمية المسؤولة عن مكافحة هذا الخطر وعلى رأسها الاتحادية والرابطة الذي يسير وفق منطق «شاهد ما شافش حاجة»، فهو في الغالب يكتفي بإدانة واستنكار هذه الممارسات ويكتفي بالتهديد بردع المتورطين بأقصى العقوبات دون يكلف نفسه عناء حتى فتح تحقيق في الموضوع أو على اقل تقدير استدعاء الأطراف المعنية للسماع لها من باب التأكد من براءتها إن لم يتمكن من إدانتها. غير أن ما يؤكد بان الاتحادية تكيل بمكيالين، حسب محند شريف حناشي، رئيس شبيبة القبائل، هو أن أنها لا تتردد في توقيع أقصى العقوبات في حال اجرى أي احد حوارا ينتقد خلاله عمل الاتحاد أو سياسته ويتم استدعاؤه للمثول أمام المجلس التأديبي للاستماع لأقواله وتبريرها قبل توقيع العقاب عليه كما حدث مع رئيس نادي شبيبة القبائل شريف حناشي والمدرب نور الدين زكري والحارس الدولي الأسبق هشام مزاير، الذي تم إيقافه لمدة عامين، غير ذات الاتحاد لا يبالي إطلاقا باعترافات العديد من اللاعبين السابقين الذين أكدوا في تصريحات إعلامية أنهم شاركوا في مباريات نتائجها كانت مرتبة سلفاً. وسط سكوت محيّر للمسؤولين رؤساء سابقون يعترفون بشرائهم المباريات
هناك العديد من رؤساء أندية فازت بلقب الدوري أكدوا أنهم اشتروا نتائج عدة مباريات لتحقيق إنجازهم، وآخرون اشتروا مباريات لإبقاء أنديتهم في الممتاز أو باعوا مباريات فرقهم، وهو ما اعترف به الرئيس الأسبق لنادي مولودية وهران الراحل قاسم بليمام في أحد الحوارات. ويطالب الاتحاد بضرورة وجود أدلة وقرائن مادية تؤكد هذه الاتهامات رغم انه يعلم جيدا انه يستحيل ترك الآثار لمثل هذه الجرائم التي تفبرك وقائعها بعيدا عن الأعين. الأسلحة التي تستعملها الاتحادية لمحاربة الظاهرة.. غير فعّالة وأحسن ما تم اتخاذه لمحاربة هذه الظاهرة لحد الآن هو إجبار الأندية على المشاركة بالتشكيل الأساسي الذي ظلت تلعب به في بداية الموسم خلال الجولات الأخيرة، فضلاً عن إيقاف عدد من الحكام الذين ثبت ارتكابهم أخطاء مؤثرة على النتائج النهائية للمباريات، وكان من الأجدى إرسال مراقبين فنيين في المباريات الهامة التي تحوم حولها الشكوك في ترتيب نتائجها، لمراقبة أداء اللاعبين وتصرفاتهم قبل وأثناء المباراة داخل وخارج الملعب. أما النائب العام، فهو في انتظار التقدم بشكاوى من قبل المتضررين الذين لن يتقدموا بها لسبب بسيط هو افتقارهم للأدلة المادية من جهة ومن جهة أخرى، تخوفهم من نفوذ المتورطين. خير الدين ماضوي: «هناك نوادٍ تبذل جهدا كبيرا لتحقيق أهدافها وهناك نوادٍ أخرى تشتري مبارياتها بالمال» وفي اتصالنا بأحد الوجوه المعروفة في الساحة الكروية الجزائرية، ألا وهو خير الدين ماضوي، قال لنا في الموضوع «ظاهرة ترتيب المباريات موجودة لا ينكرها إلا جاحد وهي أمر سيء جدا يضر بمستوى البطولة الوطنية، خاصة والرياضة الجزائرية عامة، فهناك بعض الفرق تتعب موسما كاملا للظهور بوجه مشرف والفوز بالمباريات لتأتي نوادٍ أخرى تحقّق أهدافها بشراء ذمم اللاعبين أو المدربين أو الحكام، إنه أمر مؤسف للغاية، ما يمكن أن نقول أننا نحن كمدربين سنحاول القضاء على هذه الظاهرة بكل ما أوتينا من قوة». وعن السكوت المحيّر للرابطة الوطنية، قال محدثنا: «الرابطة لا يمكنها معاقبة المتهمين إلا بوجود أدلة ملموسة، لذا لا يمكن أن نقول بأنها لا تؤدي دورها على أكمل وجه». وأخيرا، نتمنى ألا نرى مثل هذه الممارسات في كرة القدم الجزائرية والتي في حال استمرارها ستدخل الرياضة الجزائرية في نفق مظلم يصعب الخروج منه.