تعد ظاهرة الشتم في الملاعب الرياضية من بين أبرز الظواهر الاجتماعية المعقدة والتي تدخل فيها عدة متغيرات، وهي ليست حديثة في المجال الرياضي وإنما هي ظاهرة منذ الزمان القديم، لكن تجددت وتعددت مظاهرها وأشكالها، ولعل هذا العنف اللفظي الممارس يؤدي إلى ضعف العلاقات الإجتماعية وتدهورها مع الوقت. وبالمناسبة نتحدث عن ملاعب كرة القدم بصفة خاصة في الجزائر والتي تشهد أشكالا مختلفة من الشتم، السب، الكلام السيئ، الملاسنات القبيحة، كلها أوصاف لظاهرة خطيرة اجتاحت الملاعب الوطنية خاصة السنوات الأخيرة، حيث أنها في تزايد وهذا راجع إلى عدم أخذ الأمر بجدية أو حتى على الأقل العمل على الحد من إنتشاره فهي في تزايد يوما بعد يوم مشوهة صورة كرة القدم. وأسسها الروح الرياضية وأخلاقياتها التي خالت منها في تفاقم ظاهرة العنف اللفظي كذلك فهي تسيئ لكرة القدم الجزائرية وجهورها. والعنف اللفظي ظاهرة حطيرة مثلها مثل العنف الجسدي، لكن ما يلفت النظر أن هذه مهمشة إعلاميا ولا أهمية لها في قاموس المسؤولية، وكأن الجميع يعتبرها تحصيل حاصل، ويتجنب مواجهتها. «السياسي» اهتمت بالموضوع وقامت بمعالجته، حيث سلطنا الضوء على هذه الظاهرة التي أصبحت منتشرة بكثرة في ملاعبنا الوطنية. واتصلنا بأخصائيين من أجل أخذ آرأهم حول هذا الموضوع. الأغاني الجميلة شوهت بألفاظ بذيئة لم تسلب بعض الأغاني من الألفاظ التي شوهتها، خاصة أن الأنصار الجزائريين معروفين بطريقة تشجيعهم المميزة، وبتأليفهم لأغانٍ متعددة وجميلة، إلا أن النقطة السوداء هي الكلمات القبيحة والبذيئة التي دائما يقحمها الأنصار في أغانيهم من أجل تزيينها وهم في الحقيقة يزيدونها قبحا، حيث لا تجد من الأغاني الحماسية النظيفة إلا القليل، أما البقية فكلها أغاني تحتوي على مقاطع كلامية مخلة، وما يثير الاستياء أكثر هو تفاعل الشباب مع هذه الأغاني وترديدها دون خجل أو حياء، والافتخار بها أحيانا ونقلها من مدرجات الملعب إلى الشوارع العمومية مع نهاية اللقاءات الكروية، وهو ما يثير حالة استنفار قصوى لدى العامة، ويجعلهم يتبعثرون ويتجنبون ملاقاة رواد الملاعب عند صافرة النهاية، خاصة من كان مع أهله، كما أن العبارات الجهوية والعنصرية وجدت لها مكانا في المدرجات. حتى السكان يعانون من هذا المشكل تتواجد بعض الملاعب في الجزائر بالقرب من الأحياء السكانية، التي كثيرا ما اشتكى سكانها بسبب هذه الظاهرة التي لم يجدوا لها حلا إلى حد الآن، ونذكر على سبيل المثال ملعب بن حداد بالقبة الذي يعتبر ملعبا محاطا بحزمة سكانية كبيرة، فهناك بعض السكان يضطرون لمغادرة منازلهم في المباريات، خاصة المحلية منها كمباراة رائد القبة ونصر حسين داي، لأنهم لا يستطيعون البقاء في المنزل لسماع وابل من السب والشتم والألفاظ القبيحة المنبعثة من حناجر الأنصار أثناء المقابلة أو بعدها، أمام أبنائه أو عائلته نظرا لحرمة هذا الموضوع، كما أنه لا يستطيع البقاء مكتوف اليدين دون أن يفعل شيئا قد يكون خطيرا مثلما حدث في إحدى مباريات الشباب والمولودية عندما رمى سكان العمارات بكل ما يملكون من أدوات كهرومنزلية ثقيلة على أنصار العميد الذين رددوا هتافات قبيحة في نهاية المباراة، وهو ما أدى بإصابات خطيرة للبعض، لذا فإن السكان قد يضطرون لمغادرة منازلهم يوم المباريات الساخنة. الملتزمون قاطعوا الملاعب انتشرت الآثار السلبية للعنف اللفظي إلى ما يعرف بالمتدينين، وقد استطلعنا أراء الكثير ممن كانوا مدمنين على حضور المقابلات قبل أن يلتزم، على حد تعبيره، ولكنه قاطع الملاعب الآن بسبب ظاهرة العنف اللفظي التي تشمل العبارات القبيحة التي قد تصل إلى حد سب الدين والإسلام في حالة الغضب الشديدة، وهو ما تتجنب هذه الفئة سماعه طيلة 90 دقيقة كاملة، غير أن البعض الآخر لهم رأي آخر في الموضوع، حيث قال لنا أحد أنصار مولودية الجزائر الملتحين بباب الوادي أنه مواضب على حضور المباريات رغم تدينه منذ زمن بعيد، وأضاف أن دوره هو محاولة إقناع الشباب والمراهقين بضرورة التخلي عن هذه الظاهرة التي لا تخدم كرة القدم ولا الفريق الذي يناصره، وكثيرا ما كان للتصفيق على الفريق بعد خسارته وقع إيجابي جدا في المباراة الموالية، فيما يكون سب اللاعب وشتمه عاملا مؤثرا على نفسيته ويجعله يلعب بخوف شديد مستقبلا.
التلفزة الوطنية حريصة على هذه الظاهرة في التلفزيون الجزائري وعكس كل تلفزيونات العالم، فإن مهندس الصوت يقوم بعمل جبار أثناء بث مباريات البطولة الجزائرية على المباشر، حيث يبقي أصبعه طيلة تسعين دقيقة فوق زر كابت الصوت، وذلك تحسبا لتعالي هتافات المناصرين بالسب والكلام القبيح الذي صار ضيفا ثقيلا على الأسر الجزائرية التي تجتمع حول التلفزيون لمتابعة مقابلة في كرة القدم، وإذا بها تجد نفسها في حرج شديد أمام عبارات لا تسمعها حتى في الشارع، وهو ما يجبر البعض على تفادي مشاهدة اللقاءات الساخنة في جو عائلي، لأنّ تدخل مهندس الصوت يكون في الغالب متأخرا ويتم بعد وقوع الفأس في الرأس، وأحيانا لا ينتبه أبدا لما يصل المشاهد من كلمات وكأنه في الملعب. لجان الأنصار لها مسؤولية في الظاهرة لا يمكننا أن نتهم لجان الأنصار التي أصبحت جزءً مهما في التركيبة الإدارية لكل فريق، أنها لا تقوم بدورها في توعية الأنصار وحثهم على الروح الرياضية، لأنه وبصراحة، هناك لجان أنصار في المستوى وتقوم بدورها على أكمل وجه، وقد نجحت في الحد من انتشار الظاهرة على غرار العمل الذي تقوم به اللجنة على مستوى أنصار اتحاد العاصمة الذين يعتبرهم الجميع قدوة في الجزائر، بالنظر للروح الرياضية الكبيرة التي يتمتع بها أبناء سوسطارة سواء بعد الفوز أو الخسارة، ولكن بالمقابل هناك لجان أنصار لا تستحق هذه التسمية، ولا تقوم بدورها وهي تعتبر جزءً من المشكلة لا جزء من الحل والأمثلة كثيرة. على الرابطة الوطنية أن تتدخل بسرعة في أوروبا يقوم المسؤولون على كرة القدم بجهود جبارة لمحاربة العنف اللفظي وذلك بالتوعية والعقوبات الشديدة على حد سواء، حيث عاقب الاتحاد الإسباني مشجعي إحدى الفرق بعد تفوههم بكلام عنصري تجاه الكاميروني إيتو فيما عاقبت الاتحادية الإيطالية مناصري الأنتير في مناسبات كثيرة بعد تعليقهم للافتات عنصرية، أما في الجزائر فإن الكل يسارع لتوقيع العقوبات على المتسببين في رمي القارورات المائية أو الحجارة إلى داخل المستطيل الأخضر، ويهملون تماما معاقبة المتورطين في تعليق رايات عنصرية أو جهوية، كما يغضون الطرف عن تحذير الأنصار الذين يقومون بتوجيه كلمات عنصرية أو جهوية للاعبين رغم أن القوانين واضحة في هذا الخصوص، وتنص على معاقبة أي فريق يتورط أنصاره في فخ العنف اللفظي بأي شكل من الأشكال، وقد اجتهدت كثيرا في البحث في أرشيف عقوبات الرابطة غير أني فشلت في إيجاد عقوبة واحدة على أي فريق بسبب العنف اللفظي. وقد تحدثنا مع بعض الأخصائيين من أجل استطلاع أرائهم حول هذه الظاهرة التي انتشرت بكثرة في ملاعبنا خاصة في الآونة الأخيرة. محفوظ قرباج «رئيس الرابطة الوطنية المحترفة» ل«السياسي»: «الرابطة لا يمكنها القضاء على مشكل الشتم في الملاعب» في تصريح خص به «السياسي» أعرب لنا رئيس الرابطة المحترفة الوطنية محفوظ قرباج عن تأسفه الشديد لهذه الظاهرة التي تعاني منها الكرة الجزائرية. مؤكدا ل«السياسي» أن الرابطة لا يمكنها أن تتدخل من أجل القضاء على هذا المشكل الذي أصبح حديث الساعة في الجزائر نظرا لإنتشاره بقوة في ملاعبنا. وقد أرجع سبب هذا كله إلى سوء تربية الأنصار التي تستقطبها مدرجات الملاعب كل أسبوع. كمال قاسي السعيد ل«السياسي»: «ظاهرة الشتم في الملاعب شوهت الكرة الجزائرية» في اتصال هاتفي مع كمال قاسي السعيد اللاعب السابق للخضر في الثمنينات، أكد لنا أن ظاهرة الشتم في ملاعبنا تعتبر خطيرة بالنسبة للكرة الجزائرية، وحتى على مجتمعنا، فالمناصرين القدامى لم يتصرفوا يوما كالجماهير الحالية التي أصبحت تشوه صومعة الكرة الجزائرية بأغانيها وألفاظها البذيئة، وأتمنى أن يحل هذا المشكل في المستقبل لكي نتخلص من هذا الأمر، ويعود هذا المشكل إلى التربية السيئة لبعض المرهقين.
عبد الحق قيدمة «أستاذ علم الإجتماع» ل«السياسي»: «السب والشتم طريقة يلجأ بعض المناصرين لتفريغ مشاكلهم» العنف اللفظي يستخدم من أجل تجريح اللاعبين أو أنصار المنافسين، حيث أن المشجعين أو أنصار الفريق يتصورون أن الملاعب فضاء مباحا فيه قول ما جاء من كلام، وتعتبر هذه الأخيرة الشتائم والسب طريقة من طرق التفريغ من الناحية النفسية وكذلك تفريخ الشوحنات السلبية غير مبررة وكذلك فهو يعبر عن الضغط النفسي في العمل خلال الأسبوع وقد يكون عشوائي أو مبرمج. وليد بن شريفة «لاعب شبيبة القبائل» ل«السياسي»: «اللاعبون أكثر عرضة للشتم من أشباه الأنصار» أشار لنا اللاعب وليد أنه لا يحبّذ هذا النوع من الألفاظ، حيث أنه يجهل أسباب هذه الأخيرة التي تؤثر وبشكل سلبي على اللاعبين أثناء مجريات اللقاء، زيادة أن الكثير من عشاق كرة القدم خاصة كبار السن منهم أصبحوا ينفرون من الملاعب وهو ما جعل هذه الأخير قبلة عادمي الأخلاق والتربية ونحن كلاعبين نتمنى أن تزول هذه الظاهرة من ملاعبنا في أقرب وقت لأن صومعة كرة القدم الجزائرية غنية عن هذه التصرفات من أشباه الأنصار.