يظل الأمل والإصرار على فك العزلة عن دوار «بوداود» ببلدية «تسالة لمطاعي» على الشريط الشمالي لولاية ميلة المتاخم للحدود الإدارية مع ولاية جيجل يراود بدون توقف سكان هذا الدوار المشحون برمزية الدور التاريخي، الذي لعبه إبان الثورة التحريرية المجيدة ولا يزال الوصول لمشتة "بوداود" التي يقطنها 570 ساكنا يتطلب وقتا من الزمن لبلوغها دخولا من إقليم ولاية جيجل عبر تراب بلدية بوسيف أولاد عسكر قبل الانحدار يسارا في مسلك رديء كثير المطبات والحفر والمنعرجات. ويعد الأمر في غاية الصعوبة بالنسبة للزائر الراغب في التقرب من هذا الموقع الذي شكل يوما ما مركزا هاما من مراكز الولاية الثانية التاريخية (الشمال القسنطيني) وبالأخص لاحتضانه مستشفى عسكري ميداني لمداواة وعلاج الجنود أثناء ثورة التحرير 1954-1962. وليس بالسهل أيضا في هذا الانحدار نحو «بوداود» ملاقاة السكان فرادى أو جماعات قبل التوغل أكثر في وسط طبيعة خضراء صعبة التضاريس تكاد تجزم بشأن بعض أجزائها بأنها لم تولج سابقا من طرف رجلي إنسان. حالة الطريق لا تشجع السكان على العودة يقول أحد المسنين من قاطني «بوداود» الذين غادروا الجهة خلال تسعينيات القرن الماضي، ومن الذين اجتمعوا مؤخرا مع مسؤولي الولاية يتقدمهم الوالي بمقهى الدوار الذي يتوسط التجمع إلى جانب قاعة العلاج ومقر الفرع البلدي. «لا يشجع المسلك الحالي للطريق على وجود خدمة النقل باتجاه قرية «ترعي باينان» القريبة على بعد 30 كلم»، يقول الشاب لخضر الحائز على شهادة مهندس في الإلكترونيك والذي يبحث عن عمل مضيفا بأن إيجار سيارة نحو باينان- يقتضي دفع 100 د.ج بالنسبة لمن هو في عجلة من أمره. ويعاني من هذا الأمر على وجه الخصوص تلاميذ الأطوار المتوسطة والثانية الذين يدرسون بباينان أو في أولاد عسكر القريبة وهي البلدية الواقعة بإقليم ولاية جيجل المجاورة، كما يشتكي منه خصوصا المزارعون الممارسون للفلاحة الجبلية ولاسيما في مجال الأشجار المثمرة وتربية النحل. ولا يتوانى رئيس بلدية تسالة لمطاعي بالمناسبة في الإشادة بالصيت الكبير الذي يكتسبه تفاح «بوداود» وغيره من الفواكه التي تنسجم جيدا مع هذه الطبيعة الجبلية المعطاءة ولذلك فهو يعتبر إصلاح الطريق الحالي مدخلا أساسيا لتنمية المنطقة وتحقيق ازدهارها المعيشي. عزلة تامة بفصل الشتاء وتعيش منطقة «بوداود» خلال فترة الشتاء من كل عام انقطاعا تاما عن العالم الخارجي وخاصة خلال فترات سقوط الثلوج التي تقطع الطريق الوحيد تماما أمام الحركة. وحسب نور الدين بوطغان مدير الأشغال العمومية فإن دوار «بوداود» استفاد بتسجيل مشروعين هامين بقيمة 65 مليون د.ج يتضمنان أساسا تحديث الطريق الولائي رقم 135 «أ» بين ترعي باينان لغاية الحدود الإدارية مع ولاية جيجل إلى جانب إصلاح الطريق المؤدي ل«بوداود» في إطار برنامج إصلاح تداعيات رداءة الأحوال الجوية. واعتبر الوالي خلال ذلك اللقاء مع السكان متحدثا لأعضاء الهيئة التنفيذية للولاية أنه «يتعين إعطاء الألوية لهذه المشتة ذات التاريخ الكبير» معلنا عن تخصيص حصة معتبرة من الدعم الموجه للسكن الريفي لفائدة هذه المشتة التي تقرر أيضا دعمها ببرامج أخرى في إطار الدعم الفلاحي ولاسيما في نطاق تربية النحل وتربية الماعز الجبلي والأشجار المثمرة وهي النشاطات الملائمة لطبيعتها الجبلية كما أفاد من جهته مدير المصالح الفلاحية. ومن المقرر من جهة أخرى الانطلاق في مشروع جديد لربط خزان الماء الموجود بالمشتة بشبكة التوزيع داخل الدوار من أجل القضاء على مشكلة تزويد السكان بمياه الشرب كما أوضح مدير الموارد المائية الذي أشار إلى أن مدة الأشغال «لن تزيد عن شهر واحد». وعلى صعيد آخر تمت الإشارة أيضا إلى ضرورة الفتح الدائم لقاعة العلاج مع تزويدها بطبيب دائم من أجل تقديم الخدمات الصحية الأولية للسكان إلى جانب التكفل ببعض حالات الشباب الذين يعانون بطالة من خلال توجيههم لممارسة أنشطة مهنية مفيدة.