تشرع الأستاذة سليمة عجيمي، والباحثة في الطب البديل، في نشر سلسة (غذاؤك... دواؤك) عبر صفحات (السياسي)، والتي تبرز فيها أهمية الغذاء الطبيعي في حياة الفرد اليومية، وقدرته على القضاء وتجاوز مختلف الأمراض التي قد تصيبه نتيجة تناول الإنسان للغذاء غير الطبيعي، فضلا عن فوائده الكبيرة في جسم الإنسان، وقد ارتأت الأستاذة أن تبدأ هذه السلسة بموضوع (عسل النحل)، الذي يعتبر من بين أهم الأغذية التي يستهلكها الجزائريون وبقية شعوب العالم، نظرا لفوائدها الجمة والكبيرة التي وضعها الله فيه ليكون شفاء لناس من عدة أمراض. عسل النحل.. الغذاء الشافي فعلاً، ليس هناك غذاء أصفى ولا أنقى ولا أنفع من عسل النحل، كيف لا وهو الطعام الذي وُعد به الأبرار في جنان الرحمان، والشاهد أن عسل النحل ذي خواص مذهلة لمقاومة العدوى البكتيرية والقضاء عليها. والخاصية هذه تتأتّى من كون العسل يمتصّ محتويات الخلايا الميكروبية، ويجرّدها من الحياة ومن ثم تصبح عاجزة وغير قادرة على تحقيق الضرر، أو قل العدوى الضارة لجسم الإنسان. فالعسل هو المادّة التي يُنتجها النّحل، وهو عبارة عن مادّة تظهر في الطّبيعة على شكل سائل كثيف (رخوي) أو متبلور (جامد)، حلو المذاق، قويّ الرّائحة. يتكوّن العسل في معظمه من مكوّنات سكّرية نباتيّة وماء. ويُسمّي العرب العسل (شهدا) قبل أن يُنزع من شمعه، بعد ذلك يصبح عسلا. العسل والقرآن الكريم قال الله تعالى في سوررة النحل: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُون، ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الآية: 68). لقد كانت آيات سورة (النحل) حافلة بالنعم والعطايا التي منّ الله بها على الإنسان، ودليل وحجة على تيسير سبل انتفاع الإنسان بما خلق الله. كل هذا في صور ظاهرة بيّنة تنطق بعظمة الخالق، ومنّته على المخلوق، وتسخير كل شيء له من دواب المعمورة، وطيرها، وحشراتها، ونباتها، وكل ماعليها... فلينظر الإنسان إلى هذه النحلة ضئيلة الجسم، وليعرف نفعها وجهدها ومثابرتها، وليعلم حكمة الله وآياته في صنعها وإنتاجها للعسل، الذي فيه شفاء من كل داء، ولكل الناس. عسل النحل وحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أن موضع العسل ظاهر وبيّن في عديد الروايات عن رسولنا عليه الصلاة والسلام، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخي استطلق بطنه، فقال له (أسقه عسلاً) فسقاه عسلاً. ثم جاء فقال: يا رسول الله سقيته عسلاً فما زاده إلاّ استطلاقاً قال: (إذهب فاسْقه عسلاً) فذهب فسقاه عسلاً، ثم جاء فقال: يا رسول الله ما زاده ذلك إلا استطلاقاُ. فقال رسول الله: (صدق الله وكذب بطن أخيك، اذهب فإسْقه عسلاً) فذهب فسقاه عسلاً فبرئ. لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على يقين من شفاء بطن الرجل مهما بدا في ظاهر الأمر أن ما يسمّى الواقع يخالف اليقين، لأن اليقين أصدق من ذلك الواقع الظاهري واليقين هو شفاء لكل الناس. الإنسان كان يعالج بالعسل منذ 8 آلاف سنة عُرف العسل منذ القدم وكان الإنسان منذ 8 آلاف سنة يتناول في طعامه عسل النحل، وكان يستخدمه كعلاج أيضا، وهذا ما نجده في الصور والمخطوطات والبرديات لقدماء المصريين والسومريين وأجداد اليمنيين في حضارة سبأ وحمير، وقد كان قدماء المصريين يستعملونه في التحنيط. وفي الصين كان الأطباء يعالجون المرضى المصابين بالجدري بدهن جلودهم بالعسل لما رأوه من إسراعه لعملية الشفاء من البثور الجلدية الناتجة عن الإصابة بالجدري. وفي العهد الرّوماني كان العسل لا يكاد يغيب عن الموائد، وكان الرّومان يستعملونه على شكل مرق حلو يحضّرونه من العسل وزيت الزّيتون وحبّ الخردل المرحي. أما الهنود القدماء فاسْتعملوا العسل لعلاج بعض أمراض العيون كالساد. وكان أبو قراط يُطلي بالعسل الجروح ويعالج به الإلتهابات البلعومية والحنجرية وغيرها، ويصفه كمهدئ للسعال. وفي العهد الإسلامي إتّسع نطاق استعمال عسل النحل، تصديقا لقول الله عزّ وجل في وصف العسل في سورة النحل، وأقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم التي وردت في السنة النبوية. وقد استخدم الأطباء المسلمين العسل علاجاً أساسيا في وصفاتهم العلاجية لكثير من الأعراض والأمراض. النحلة لا تتبع إلا فطرتها إنّ النّحلة في حقيقة الأمر، لا تتّبع إلاّ فطرتها في البحث عن مصادر مواد صناعتها. فهي الصانعة الملهَمة للعسل، والحافظة له بإتقان...لا نملك إلاّ أن نوحّد الله عند معرفتنا لتفاصله. والعسل هو أيضاً المادّة الأساسية التي يتشكّل منها غذاء النحلة وأفراد مملكتها. وتؤثّر غددها في نوعيّة العسل المنتج وخصائصه وحفظه كمادّة حيويّة. النحلة ليست بخيلة على الإطلاق، فهي تُنتج دوماً كمّيات كبيرة من العسل تفيض عن حاجتها الغذائية، لذا يجمع النحالون ما زاد عن حاجتها من العسل ليكون غذاء نافعا، ودواء شافيا للإنسان. فلا يمكن أن تصوّر في الطّبيعة مادّة أكثر نفعا من العسل للإنسان. فعلاً، ليس هناك غذاء أصفى ولا أنقى ولا أنفع من عسل النحل، كيف لا وهو الطعام الذي وُعد به الأبرار في جنان الرحمان، والشاهد أن عسل النحل ذي خواص مذهلة لمقاومة العدوى البكتيرية والقضاء عليها. والخاصية هذه تتأتّى من كون العسل يمتصّ محتويات الخلايا الميكروبية، ويجرّدها من الحياة ومن ثم تصبح عاجزة وغير قادرة على تحقيق الضرر، أو قل العدوى الضارة لجسم الإنسان. تركيبة غنية لغذاء العسل يتمّيز العسل بتركيبة غنيّة وفريدة، تتنوّع فيها المواد الطبيعية نتيجة لتنوّع مصادر جنْي الرحيق، فالعسل يحتوي على سكريات وفيتامينات، وإنزيمات وأملاح معدنية وأحماض متنوّعة وبعض البروتينات وحبيبات غروية وزيوت طيارة تعطيه رائحة وطعماً خاصاً. أمّا النسب التقريبية للمواد المكوّنة للعسل فهي كما يلي: الماء 18 %، سكر فواكه (فركتوز) 40 %، سكر عنب (غلوكوز) 34 %، سكر قصب (سكروز) ودكسترين وسكر شعير وسكاكر أخرى 4 %، مواد بروتينية 0.3 %، نتروجين 0.04 %، أملاح معدنية 0.02 %، و15 نوعا من الفيتامينات، ومواد أخرى غير معينة 4.6 %. هناك أنواع كثيرة من العسل تختلف أنواع العسل تبعاً لعوامل كثيرة ومتداخلة، فمنها اختلاف أنواع النحل، واختلاف المرعى من أشجار وأزهار، وتربة وعوامل بيئية، لذا لا يمكن حصر أو تحديد أنواع العسل كلها، لذا سنكتفي بذكر بعض الأنواع المعروفة... - عسل السدر: يحظى عسل السدر بشهرة ومكانة مرموقة جعلته من أشهر الأعسال في العالم، وهو من أجود الأنواع التي تنتجها السهوب الجزائرية، إلى جانب عسل الدرياس واللبينة وغيرها من النباتات السهبية والصحراوية. له مميّزات عديدة أهمها تأثيره على الطاقة البدنية، والقدرة الجنسية ولهذا يستهلكه الكثيرون كمنشط فعّال، إضافة إلى فوائده الكثيرة والجمّة. - العسل الجبلي: ومصدره المناطق المرتفعة والجبال، وأشهرها في الجزائر مرتفعات متيجة، وجبال القبائل والأوراس، والتي تتميّز بغطاء نباتي متنوّع وغنّي بالنباتات الطبّية. ويتميّز هذا العسل بلزوجته العالية ويفضّل استخدامه في أمراض الكبد والجهاز الهضمي وفقر الدم والضعف العام والبول السكري والجراحة والحروق، وهو مضاد للفيروسات الكبدية وسرطان الكبد، ومفيد للحوامل والرضع. - عسل الزهور البرية: والذي يتم جنيُه في فصل الربيع عادة، حيث يُزهر الغطاء النباتي المتنوّع خاصة في السهول وعلى ضفاف الأودية. ويُستخدم هذا العسل في إنقاص الوزن، وعلاج جفاف الحلق والكحة وتحسين القدرة على الإبصار، وعلاج الصداع العصبي ويمنع الإصابة بالأكزيما والقوباء والصدفية والدمامل. - عسل الأعشاب الطبية: والذي مصدره الأعشاب والنباتات الطبية، مثل الكسبرة والنعناع والبابونج، والكمون والزعتر وإكليل الجبل... وهو غنّي بالزيوت الطيارة ذات القيمة العالية مثل (الليتالول) لذلك فهو يفيد في علاج تقلصّات المعدة والأمعاء وعلاج الإنتفاخ ويساعد في الهضم والإلتهابات المعوية والجهاز الهضمي، وفي الوقاية من الإمساك ومفيد في تسمّم الحمل وطارد للغازات والبلغم. قدرة شفائية مدهشة وعجيبة إن المكوّنات الفريدة والمتميّزة لعسل النحل تجعل منه ذو قدرة شفائية مدهشة للعديد من الأمراض والأعراض، سنحاول أن نذكر بعضها فيما يلي: - يعمل العسل على تعويض السكريات المستهلكة بالجسم بسبب المجهود الجسماني أو الذهني، لإحْتوائه على الغلوكوز سهل الامتصاص والفركتوز بطيء الامتصاص والذي يحفظ سكر الدم. - يعالج العسل اضطرابات الجهاز الهضمي، فهو يزيد من نشاط الأمعاء، ويعمل على تنشيط عملية التمثيل الغذائي بالأنسجة ويجعل عملية الإخراج سهلة، ويلغي تأثير الحموضة الزائد في المعدة. - العسل المخلوط بحبوب اللقاح وغذاء الملكات، يعتبر دهانا نافعا لتسكين الآلام والإسراع في إلْتئام الأنسجة في جميع أنواع الجروح ومضاد للبكتريا والجراثيم. - علاج إلتهاب الكبد المزمن وإلْتهاب الحويصلة المرارية والمساعدة في تفتيت حصواتها عن طريق تناول العسل مع حبوب اللقاح يومياً. - علاج ضعف البنية وفقر الدم ورفع نسبة الهيموغلوبين بالدم وزيادة وزن الأطفال الضعاف، لإحْتوائه على فيتامين (ب 12) وفيتامين (ج). - يُستخدم في علاج الصداع العصبي والإلتهاب العصبي لإحْتوائه على فيتامين (ب 1). - العسل مع حبوب اللقاح وغذاء الملكات علاج للروماتيزم وإلتهاب المفاصل، ومقاومة الضعف الجنسي والعقم. - يعمل العسل على تحسين نموّ العظام والأسنان والوقاية من خطر الكساح للأطفال لإحتوائه على الكالسيوم والفوسفور، كما أنّه يساعد على ليونة الأنسجة وبقاء الكالسيوم بالجسم. - العسل مزيل جيّد للكحة، وذو تأثير ملطف لإلْتهاب اللوزتين والحلق، ويفيد في حالات صعوبة البلع وجفاف الحلق والسعال الجاف. - العسل يفيد في تغذية المرضى خلال دور النقاهة ومقاومة الشيخوخة وفي حالة الغيبوبة. - يفيد الحوامل أثناء الحمل والولادة، ويعمل على علاج القيء وتقوية انقباض الرحم أثناء الولادة، ومفيد للأطفال عند التسنين. - يعتبر العسل مانعا للنزيف الدموي ويحفظ قلوية الدم، ممّا يساعد في التغلب على الإجهاد لإحْتوائه على فيتامين (K). - يساعد على تحسين القدرة على الإبصار لإحتوائه على فيتامين (ب 2). - يعالج الإلتهابات والأمراض الجلدية ويمنع حدوثها لإحتوائه على فيتامين (ب 3). - يعمل على مقاومة الميكروبات العنقودية والسبحية ويعالج قرحة (الفراش السرطانية الإستوائية). - يمنع الإصابة بالاكزميا والقوباء والصدفية والدمامل لإحتوائه على فيتامين (ه). - مفيد جداً للالتهابات الرئوية وأمراض الجهاز التنفسي ونزلات البرد والسل الرئوي، خصوصاً عند استخدام العسل مع اللبن. - يعتبر العسل علاجا ناجحا للأمراض العصبية، كما يعتبر علاجا ناجحا للإدمان. - مفيد جداً لبشرة النساء، حيث يعمل على تنعيمها وتقليل التجاعيد بها. يُفضّل تناول العسل كمحلول في الماء ليسهل امتصاص مكوناته، وأفضل جرعة يومية للشخص البالغ هي من 50 إلى 100غ يومياً، وتُؤخذ قبل الأكل بساعة ونصف أو ساعتين، أو بعد الأكل بثلاث ساعات. أمّا بالنسبة للطفل، فإن أفضل جرعة يومية له هي 30غرام، ومن الضروري أن يستمر برنامج العلاج لمدة لا تقل عن 60 يوماً. إعتقادات خاطئة حول استهلاك العسل - الإعتقاد الأول الذي لا بدّ من الإشارة إليه، هو أن العسل يُستهلك من طرف الكثير من الناس على أنه دواء، وهو بالطبع اعتقاد خاطئ، فالعسل غذاء ضروري بشكل يومي لضمان سلامة أجسادنا من خطر الأجسام المكروبية والفيروسية التي تحيط بنا. - في مفهوم كثير من الناس أن تغذية النحل على محلول السكر بدلاً من أن رحيق الأزهار غش للعسل، وهو إعتقاد خاطئ تماماً، لأن تغذية النحل تعتبر عنصرا هاما وخاصة في فترات لا يتوفر فيها الإزهار، حيث من الصعب إمداد طائفة نحل العسل بكل ما تحتاجه من حاجاتها الغذائية، بالرغم من أن رحيق الأزهار يتكوّن بشكل عام من 30 - 35 % سكروز، و60 % ماء. - يحاول بعض الناس تقدير قيمة العسل على حسب لونه، ويعتقدون أن لون العسل يجب أن يكون قاتماً حتى يكون نافعا، وهذا إعتقاد خاطئ، لأن لون العسل يتحدّد حسب مصدره أي نوعية رحيق الزهرة وحسب درجة الحرارة. - يُشاع أن عسل السدر ذو اللون الداكن أو الأعسال المنتجة من الأعشاب البرية، هي الوحيدة التي تشفي من الأمراض، وهو إعتقاد خاطئ أيضاً، وفي الواقع كل عسل نحل يكتسب مواصفات ذات منافع كثيرة.