الأقل هو الأفضل .. هذا هو الشعار الذي أصبح منتشراً فيما يتعلق بحماية القلب. إلا أن هناك حدودا جسدية تحدد أقل مقدار لضغط الدم المنخفض. فالمشكلات التي تحدث مع المريض، وهي الدوار أو الإغماء، تظهر عندما ينخفض هذا الضغط إلى مقدار أقل من اللازم. كما أن هناك مخاوف أيضا من أن التحكم القوي في ضغط الدم قد يؤدي إلى خفض مقدار ضغط الدم الانبساطي (وهو المقدار الأقل) إلى حدّ كبير قد يكون ضارا بالأشخاص الذين يعانون من شرايين تاجية متضيقة أو مسدودة. وكل انقباض أو تقلص في حجرة القلب الضاخة الرئيسية، وهي البطين الأيسر، يدفع بموجة من الدم نحو الشرايين. إلا أن الشرايين نفسها تقاوم هذا الدفع. وهذه الديناميكية هي التي تكون ضغط الدم، الذي يرتبط بالكثير من العوامل الرئيسية: قوة انقباض القلب، كمية الدم التي تنطلق مع كل انقباض، ومقدار القطر الداخلي للشرايين، ومدى مرونتها. وأثناء فترات الحياة الأولى تكون الشرايين مفتوحة ولينة، فهي تتمدد بسهولة لتسمح بدفقة الدم بالمرور، ثم تقوم بالانقباض بعد مرورها لكي تساعدها في اندفاعتها. ومع الزمن، يتسبب التدخين، الأطعمة الدهنية، الخمول، والعوامل الضارة الأخرى، في تضيق الشرايين وتصلبها. ومع خسرانها لمرونتها فإن الشرايين تقوم بمقاومة موجة الدم المتدفقة، وهذا ما يسهم في حدوث حالات ضغط الدم المرتفع. وفي زمن ما، إعتبر ضغط الدم المرتفع أمرا طبيعيا، وأنه جزء من عملية الهرم والشيخوخة، أو حالة من التكيف التي تساعد القلب على توزيع الدم إلى أعضاء الجسم وأنسجته. وقد لخص الطبيب البريطاني جون هاي هذه الفكرة في مقالة نشرت في المجلة الطبية البريطانية عام 1931 كتب فيها: (الخطر الأعظم على الإنسان الناجم عن ضغط الدم المرتفع، يكمن في اكتشافه (أي ضغط الدم)، لأنه، وحينذاك، يقوم شخص أحمق ما، بالعمل على خفضه!). أما (أمراض القلب)، وهو كتاب جامعي رصين نشر عام 1949 فقد وجّه النصيحة التالية للأطباء (الأشخاص الذين لديهم ضغط دم مرتفع حميد تصل قراءاته حتى 210/110، لا يحتاجون إلى علاج!). وللتذكير، فإن حدود المقادير الصحية بقراءات ضغط الدم حاليا لا تزيد على 120/80 ملم زئبق. إلا أن الباحثين والخبراء بدأوا في طرح تحدياتهم للمعتقدات السائدة منذ الأربعينات والخمسينات من القرن العشرين. فقد أظهر الباحثون أن الحمية الغذائية (حمية الأرز للدكتور والتر كيمبنر)، الجراحة (بقطع الأعصاب جراحيا)، وتناول خلاصات الأعشاب، والأدوية، التي تقلل من ضغط الدم المرتفع جدا، أدت إلى درء حدوث السكتة الدماغية وإطالة الأعمار. كما أدى تطوير أدوية آمنة وفعالة إلى ظهور فوائد للمصابين بضغط دم مرتفع متوسط. والآن، فإننا نعرف أن ضغط الدم المرتفع، خطير بعدة طرق. فهو يسبب الأضرار لخلايا البطانة الداخلية الحساسة للشرايين، وهذا ما يؤدي إلى تسارع عملية تصلب جدرانها وبالتالي زيادة ضغط الدم. كما أنه يمهد لظهور الالتهابات وتصلب الشرايين، وهما اللذان يسهمان في حدوث النوبات القلبية والسكتات الدماغية. كما أن ضغط الدم المرتفع قد يؤدي إلى إضعاف الأوعية الدموية وتعريضها إلى حدوث تسريبات منها. وعندما تحصل مثل هذه التسريبات في الدماغ فإنها تؤدي إلى السكتة الدماغية النزفية (الناتجة عن تسرب أو نزف الدم). كما أن ضغط الدم المرتفع يلحق الأضرار أيضا بالكلى، العينين، وعدد من أعضاء الجسم الأخرى. وقد أدت هذه الاكتشافات إلى تغيير الأهداف المرتبطة بمقادير ضغط الدم الصحي. وفي السبعينات من القرن الماضي كان الأطباء يعتقدون أن مقدار ضغط الدم الانقباضي (المقدار الأعلى) يساوي مقدار عمر الشخص زائدا 100. لكن، وفي الثمانينات كانت الإرشادات الوطنية الأمريكية تشير إلى أن مقادير الضغط الطبيعية يمكن أن تكون أيا من المقادير التي تقل عن 140/85 ملم زئبق. أما الآن، فإن المقادير الصحية هي 120/80. ولذلك يطلب من الناس ذوي ضغط الدم المرتفع ضمان تقليله إلى 140/90، ومن الآخرين المصابين بأمراض الكلى أو السكري إلى 130/80.