هُوَ: سَلَمَةُ بنُ عَمْرِو بنِ الأَكْوَعِ، وَاسمُ الأَكْوَعِ: سِنَانُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَبُو عَامِرٍ، وَأَبُو مُسْلِمٍ. وَيُقَالُ: أَبُو إِيَاسٍ الأَسْلَمِيُّ، الحِجَازِيُّ، المَدَنِيُّ. قِيْلَ: شَهِدَ مُؤْتَةَ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ، وشهد مع النبي سبع غزوات. وعمه: عامر بن الأكوع رضي الله عنهما. إسلامه روى ابن إسحاق قصة لسلمة بن الأكوع مع الذئب كانت سببا في إسلامه لكنها لا تصح ما لم يثبت لها إسناد معتبر. قال ابن عبد البر في (الإستيعاب) في ترجمة سلمة بن الأكوع: قال ابن إسحاق وقد سمعت أن الذي كلمه الذئب سلمة بن الأكوع، قال سلمة: (رأيت الذئب قد أخذ ظبيا فطلبته حتى نزعته منه فقال ويحك مالي ولك عمدت إلى رزق رزقنيه الله ليس من مالك تنتزعه مني. قال: قلت: أيا عباد الله إن هذا لعجب ذئب يتكلم، فقال الذئب: أعجب من هذا أن النبي في أصول النخل يدعوكم إلى عبادة الله وتأبون إلا عبادة الأوثان قال فلحقت برسول الله فأسلمت). ثم قال ابن عبد البر عقب ذلك: (فالله أعلم أي ذلك كان، ذكر ذلك ابن إسحاق) فجعل العهدة على ابن اسحاق، وابن إسحاق أعضله ولم يذكر إسناده، فلا تصح هذه القصة عن سلمة بن الأكوع ما لم يثبت لها إسناد معتبر. على أن ما صحّ من ذلك فهو من باب الكرامات والمعجزات: - كرامة يكرم الله بها من وقعت له كما حصل لبعض الصحابة فكانت سبب إسلامهم وإكرامهم. - ومعجزة دالة على صدق نبوة نبينا محمد حتى أنطق الله بنبوته السباع فأقرّ برسالته ودعت الناس إلى الإيمان به. وكان لقرب سلمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر الأثر في تكوين شخصية مثالية بما غرسه النبي فيها من شجاعة، ومروءة، وتضحية في سبيل الله، هذا الأثر لاحظه الصحابة، وعرفوا أنه ما كانت هذه الصفات لتكون في سلمة إلا بتربية الرسول له. بيعة الرضوان كان سلمة ابن الأكوع رضي الله عنه من ضمن الذين ذهبوا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية، ومن الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان فرضي الله عنه، قال تعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) (الفتح: 18). وقد بايع سلمةُ النبيَ صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات في أول الناس وأوسطهم وآخرهم بأمر النبي عليه الصلاة والسلام، وفي ذلك يقول سلمة: (فبايعتُه أولَ الناسِ. ثم بايع وبايع. حتى إذا كان في وسطٍ من الناسِ قال: بايِع يا سلمةُ، قلتُ: قد بايعتُك يا رسولَ اللهِ في أولِ الناسِ. قال: وأيضًا. ثم بايع حتى إذا كان في آخرِ الناسِ قال: ألا تُبايِعُني؟ يا سلمةُ، قال: قلتُ: قد بايعتُك يا رسولَ اللهِ في أولِ الناسِ، وفي أوسطِ الناسِ، قال: وأيضًا. قال: فبايعتُه الثالثةَ) (أخرجه مسلم). وقد سُئل رضي الله عنه عن تلك البيعة: (على أي شيء كنتم تبايعون يومئذ؟ فقال: على الموت) (أخرجه البخاري). موقفه من المشركين الذين سبوا النبي عليه الصلاة والسلام وكان ذلك بعد أن اصطلح المسلمون مع المشركين في صلح الحديبية، فينما هو نائم تحت شجرة سمع مجموعة من مشركي مكة يقعون في رسول الله ويشتمونه، وبعدها سمع أن رجلا من المسلمين قُتل فقام إلى هؤلاء المشركين وأسرهم وساقهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فلنستمع لما حدث بعدها على لسانه رضي الله عنه، قال: (فلما اصطلَحْنا نحنُ وأهلُ مكةَ، واختلط بعضُنا ببعضٍ، أتيتُ شجرةً فكسحتُ شوكَها. فاضجعتُ في أصلِها. قال: فأتاني أربعةُ من المشركين من أهلِ مكةَ. فجعلوا يقعون في رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. فأبغضتُهم. فتحوَّلتُ إلى شجرةٍ أُخرى. وعلَّقوا سلاحَهم. واضطجَعوا. فبينما هم كذلك إذ نادى مُنادي من أسفلِ الوادي: يا لَلمهاجرين، قُتِلَ ابنُ زُنَيمٍ. قال: فاخترطتُ سَيفي. ثم شددتُ على أولئِك الأربعةِ وهم رقودٌ. فأخذتُ سلاحَهم. فجعلتُه ضِغثًا في يدي. قال: ثم قلتُ: والذي كرَّم وجهَ محمدٍ، لا يرفعُ أحدٌ منكم رأسَه إلا ضربتُ الذي فيه عيناه. قال: ثم جئتُ بهم أسوقُهم إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. قال: وجاء عمي عامرٌ برجلٌ من العبلاتِ يقالُ له مكرزٍ. يقودُه إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. على فرسٍ مُجفَّفٍ. في سبعينِ من المشركين. فنظر إليهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال: (دَعوهم. يكن لهم بدءُ الفجورِ وثناه) فعفا عنهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. وأنزل اللهُ: (هُوَ الَّذِي كَفَّ أَيدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) (الفتح، الآية: 24) (أخرجه مسلم). يسبق الخيل في غزوة ذي قَرد (الغابة) وهذه الغزوة كلها لسلمة رضي الله عنه، ففي يوم من الأيام أغار عيينة بن حصن الفزاري على إبل لرسول الله صلى الله عليه وسلم قرب المدينة وقتل الراعي وأسر زوجته، وكان سلمة رضي الله عنه تابعًا لطلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يخدمه ويعتني بفرسه فخرج في ذلك اليوم ليهتم بالفرس ويؤكله العشب فشاهد ما حدث من عيينة بن حصن وأنه استاق إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فماذا فعل؟. انظروا على عجيب صنعه رضي الله عنه وشدة ورعه، قام على جبل يطل على المدينة فنادى في الناس أن القوم أغاروا على إبل رسول الله ليُنبّههم ثم. ثم أرسل بفرس طلحة مع غلام يقال له رباح. ولم يركب الفرس ويستخدمه ويقول إني في مهمة لرسول الله، بل أرسل بالفرس لصاحبه. وذهب هو يعدو على قدميه ليلحق بالعدو. فتتبع آثار العدو وجعل يرميهم بالنبل أي السهام، تى إن القوم تركوا كل ما استلبوه من الإبل وراء ظهرهم.. قال: (فما زلتُ كذلك أتبعُهم حتى ما خلق اللهُ من بعيرٍ من ظهرِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلا خلَّفتُه وراءَ ظَهري. وخلُّوا بيني وبينه) (والحديث بطوله أخرجه مسلم في صحيحه). ولم يكتفِ سلمة رضي الله عنه بذلك.. بل ظل يطاردهم ويعدوا في آثرهم وهو ينشد ويقول: خُذْها وأنا ابنُ الأكوعِ واليومَ يومُ الرُّضَّع ومعناه: اليوم هلاك اللئام. وكلما دخلوا بين الجبال ارتقى هو الجبل ورماهم بالحجارة حتى تركوا ورائهم أمتعتهم ومعظم أسلحتهم يتخففون من ثقلها حتى لا يلحق بهم سلمة. وسلمة رضي الله عنه يضع الحجارة على هذه الأمتعة ليرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكانه. قال: (ثم اتبعتُهم أرميهم. حتى ألقَوا أكثرَ من ثلاثين بردةً وثلاثين رمحًا. يستخفون. ولا يطرحون شيئًا إلا جعلتُ عليه آرامًا من الحجارةِ. يعرفُها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأصحابُه)، فلما أرهقهم وأتعبهم سلمة بن الأكوع، أراد المشركون أن يتخلصوا منه بأي طريقة فبعثوا إليه بأربعة رجال ليقتلوه، فقال لهم سلمة: (هل تعرفوني؟ قالوا: لا. ومن أنتَ؟ قال قلتُ: أنا سلمةُ ابنُ الأكوعِ. والذي كرَّم وجهَ محمدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، لا أطلب رجلًا منكم إلا أدركتُه. ولا يطلبُني رجلٌ منكم فيدركُني. قال أحدُهم: أنا أظنُّ. قال: فرجعوا) خافوا ورجعوا ولم يصيبوه بأذى لأنهم عرفوه وعرفوا أنه يستطيع أن يسبق الخيل وأن يقتلهم دون أن يستطيعوا هم لمسه. ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه وتقدم صحابي على فرسه وسبق النبي وبقية الصحابة يُقال له (الأخرم) فأراد سلمة أن يمنعه من مواجهة العدو ويؤخره حتى يصل النبي وبقية الصحابة فأنشده الأخرم بالله أن يتركه ليلقى الشهادة وبالفعل استشهد الأخرم رضي الله عنه. ولما رأى العدو قدوم النبي وصحابته قاموا وأسرعو الخطى وهربوا فتبعهم سلمة بن الأكوع رضي الله عنه مرة أخرى، وأرادوا أن يشربوا من عين ماء تسمى (ذو قَرَد- وبها سميت الغزوة) فلم يُمكنهم سلمة من ذلك فما ذاقوا قطرة ماء منها، وهربوا، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه واستقروا عند عين الماء تلك وذبحوا واحد من الإبل ليأكلوه. ولننظر إلى همة سلمة بن الأكوع رضي الله عنه وحبه للجهاد فقد طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ 100 رجل معه ويذهبوا للعدو ليقتلوه.. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم من همة سلمة رضي الله عنه، يقول سلمة: (ثم أتيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو على الماءِ الذي حلأْتُهم منه. فإذا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد أخذ تلك الإبلَ. وكلَّ شيءٍ استنقذتُه من المشركين. وكلَّ رمحٍ وبردةٍ. وإذا بلالٌ نحر ناقةً من الإبلِ الذي استنقذتُ من القومِ. وإذا هو يشوي لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ من كبدِها وسنامِها. قال قلتُ: يا رسولَ اللهِ، خلِّني فأنتخبْ من القومِ مائةَ رجلٍ. فأتبع القومَ فلا يبقى منهم مخبرٌ إلا قتلتُه. قال: فضحك رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتى بدَت نواجذُه في ضوءِ النارِ. فقال: يا سلمةُ، أتراك كنتَ فاعلا؟ قلتُ: نعم. والذي أكرمَك ! فقال: إنهم الآن لَيَقرونَ في أرضِ غطفانَ. قال: فجاء رجلٌ من غطفانَ. فقال: نحر لهم جزورًا. فلما كشفوا جلدَها رأوا غبارًا. فقالوا: أتاكم القومُ. فخرجوا هاربين). فخاف العدو من رؤية الغبار وتركوا أكلهم وفروا هاربين مع أنه لم يكن النبي وأصحابه. المكافأة وقد كافأ النبيُ صلى الله عليه وسلم سلمة مكافأة مادية ومعنوية، حيث أعطاه نصيب الراجل والفارس معا فجمعهما له وقال صلى الله عليه وسلم: (كان خيرُ فَرسانِنا اليومَ أبو قتادةَ. وخيرُ رجَّالتِنا سلمةُ). وأردفه النبيُ صلى الله عليه وسلم وراءه على ناقته العضباء.. فما أقيمها من مكافأة سلمة لا يسبقه أحد . وفي أثناء عودتهم إلى المدينة قال رجل من الأنصار (سريع العدو): ألا مُسابقٍ إلى المدينةِ؟ هل من مسابقٍ؟ وجعل الأنصاري يردد السؤال.. حتى قال له سلمة: (ما تُكرم كريمًا، ولا تهابُ شريفًا؟) فقال: لا، إلا أن يكون رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. فاسْتأذن سلمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسابق الأنصاري فأذن له النبي وقال: (إن شئتَ). فسابقه سلمة فسبقه.. رضي الله عنهما. وتوفي رضي الله عنه بالمدينة عام أربعٍ وسبعين، وقال الذهبي: كان من أبناء التسعين، وحديثه من عوالي صحيح البخاري.