آيات قرآنية عديدة وأحاديث نبوية كثيرة، تشجع على العمل التطوعي، لأن الإسلام دين محبة، »أحب للناس ما تحب لنفسك«، ودين رحمة »من لا يرحم في الأرض لا يرحمه من في السماء«. »من لا يرحم الناس لا يرحمه الله«، وزيد في رواية أخرى »ومن لا يغفر لا يغفر له«. وفي تشخيص علاقة المؤمن بأخيه المؤمن »مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى«. هذا العمل التطوعي هو تبرّع، لأن التبرّع ليس محصوراً في الصدقة بالمال فقط، بل يكون أيضا بالصدقة، بالعمل الخيري وأعمال الخير كثيرة، ومنها التبرع بالدم لإنقاذ منكوبين مرضى، يحتاجون لجزء من الدم، أثناء العمليات الجراحية، أو في حالات أخرى، في ظروف طارئة كحالات النزف، أو تنقية الدم. وهذا ليس غريباً على الإنسان المؤمن لأن الرسول عليه الصلاة والسلام وصفه »المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، ثم شبّك الرسول بين أصابعه عليه الصلاة والسلام«. والقرآن الكريم أمر بالتعاون على البر والتقوى ونهى عن التعاون على الإثم والعدوان »وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان« (المائدة: 2)، وأمر بالإحسان »وأحسنوا إن الله يحب المحسنين« (البقرة: 195)، وأمر بفعل الخير »وافعلوا الخير لعلكم تفلحون« (الحج: 77)، وذكر المفسرون للقرآن أن إحياء النفس معناه إنقاذها من الهلاك، في الآية القرآنية »من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا« (المائدة: 32)، ولا ريب أن التبرع بالدم عمل مبرور وسعي مشكور. وفي حديث صحيح رواه البخاري وغيره »الراحمون يرحمهم الرحمان، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء«. وفي حديث الطبراني عن عمر »من أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن تقضي عنه دينا، أو تقضي له حاجة، أو تنفس له كربة«. وفي حديث الديلمي عن أنس »إذا أراد الله بعبد خيراً صيّر حوائج الناس إليه«. ولهذا يلح رسول الله صلى الله عليه وسلم على فعل البر المقرون بالإخلاص والمحبة »عليك بالبر فإن صاحب البر يعجبه أن يكون الناس بخير وفي خصب«. ويجعل عليه الصلاة والسلام »خير الناس أنفعهم للناس«. لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم تنبأ بنفسية بني آدم، وخصوصا في هذا العصر إذ قال في حديث حسن روي عن ابن عمرو »الخير كثير، ومن يعمل به قليل« وفي رواية أخرى »الخير كثير وقليل فاعله«. إذا كان الله تعالى من سعة رحمته وسعة رفقه بعباده راعى حالة عبده عند الضرورة وعبّر عن ذلك في تنزيله الحكيم، في قوله تعالى »قل لا أجد في ما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم« (الأنعام: 145)، هذا البلاغ من رسول الله عليه الصلاة والسلام بأمر من الله تعالى فيه توضيح بين أسباب التحريم في الاسلام وهو الضرر والأذى للصحة أو العقيدة بينما عند اليهود سبب التحريم هو البغي والعدوان وتجاوز حدود الوحي الإلهي، واستثنى تعالى »حال الضرورة: وهي احتمال الوقوع في خطر الموت أو الهلاك جوعا أو عطشا إذا لم يتناول الممنوع، فمن أصابته ضررة ملجئة إلى أكل الحرام، فهو حلال له بشرط ألا يكون باغياً، أي قاصداً له، ولا متجاوزاً حد الضرورة فضلاً من الله ورحمة، ويغفر الله للآكل حينئذ ويرحمه حفاظاً على حق الحياة، ما دام ما يسدّ به رمقه، أو يدفع ضرر هلاكه«. فهل الإنسان اقتدى بقول وبلاغ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ العلم يتقدم، ويكشف عن حقائق سبق أن أشار إليها كتاب الله المقدس، قال تعالى »قد فصّلنا الآيات لقوم يفقهون« (الأنعام: 98). وقال سبحانه »فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون« (التوبة: 122)، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين« حتى يفهم أسرار أمر الشارع ونهيه بالنور الرباني الذي أناخه في قلبه كما يرشد إليه قول الحسن، إنما الفقيه من فقه عن الله أمره ونهيه ولا يكون ذلك إلا لعامل بعلمه. وفي رواية ابن مسعود »من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ويلهمه رشده« أي يفهمه علم الشريعة بالفقه. قال تعالى »ومن يهدِ الله فما له من مُضل« (الزمر: 37)، »الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمّن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون« (يونس: 35)، »إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم« (الإسراء: 9)، »ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين« (البقرة: 2)، فاتقوا الله وسابقوا إلى الخيرات.