''السياسي'' تنشر تفاصيل عن تاريخ المدن الجزائرية'' فيما يخص الحواضر الجزائرية: - الجزائر- بجاية - قسنطينة - عنابة - وهران - تلمسان- ندرومة - الأغواط وغيرها·· فإنها تتسم بشخصية ثقافية يمتاز فيها الشريف والمرابط الحضري و الأندلسي عن العامة بعدد من الصفات من ثمَّ ظهرت العائلات التي ترتفع إلى أنساب وتعود أصولها إلى هجرة قديمة، تمارس تقاليد وصنائع وحرف متميزة، بالإضافة إلى نظام عمراني يعتمد على ركائز أساسية:- المسجد- السوق- الحي والتي تطبع المدينة بطابع ثقافي خاص يعتمد على الحرفة والتجارة والدراسة والنظام العسكري؛ كما أن الألبسة واللغة والنشاطات اليومية وأساليب التحية والعقود المكتوبة تدخل في السياق السابق؛ الجانب الروحي يؤثر على الأخلاق والحاجات والاستهلاك والاستعمالات الكثيرة مخطط الطرق و المساكن · أما ابن النحوي وأبو عمران الفاسي والقيرواني وأبو حسن اللخمي و أبو بكر الطرطوشي الذي أخذ عنه ابن خلدون والونشريسي والغبريني مؤلف: ''عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية ''، وهو عالم قرطبي كان معاصراً للموحدين، كل هؤلاء فقهاء مالكية وقفوا مع السلطة، وكل هذا لا يمنع من التأكيد على دور المذهب المالكي في ترسيخ الإسلام في المغرب الكبير· ومن المتصوفة القرافي (أو الغرفي) والتّادلي وأبي يعزى الذي تتلمذ على قطب التصوف عبد القادر الجيلاني وابن حرزهم الذي تتلمذ عليه أبو مدين شُعيب· أما القبائل الشهيرة آنذاك فقد كانت صنهاجة على رأس الهرم الاجتماعي وقبائل عجيسة وهوارة وبني برزال بالمسيلة· أما الباحث مولود قايد، فيتناول تأثر البربر ببعض العادات الفينيقية وبعض شعوب البحر الأبيض المتوسط مثل السكن الحجري وشكل الصندوق الذي يُدعى سآفنيق'' والوشم والأساور مثل المصريات، والخلاخل والهلال الذي يبدو بارزاً في بعض النقود البربرية والذي أُضيف له النجم · كما كان حضور العلماء وأهل الفن ورجال الأدب في بلاط الملوك مميزاً، وكثرت المدارس باللغة البونيقية - البربرية وهذا ما جعل روما تخشى من هاته الحضارة وتحاول بث روح التفرقة · كما أن الثقافة اللاتينية لم تأخذ بها إلا الطبقة المحظوظة من الأهالي، ومن ثمَّ نشأت الحضارة المختلطة الرومانية والبربرية، والتي ما زلنا نشاهد رواسبها إلى الآن· هذه الرومنة شملت المدن، ولكنها لم تؤثر كدين ولا كحضارة في بقية السكان، واستمر السكان في التحدث باللغة الليبية والبونيقية والاعتقاد في الآلهة التقليدية كما لم يندمجوا و لم يتجنسوا · في الجانب الثقافي فإن الوندال حكموا بالإعدام على كل الأهالي الذين يعرفون القراءة والكتابة، أو حتى الذين يستطيعون كتابة أسمائهم · أما حكم العرب والمسلمين فلقد تميز بالصراع أحيانا، وبالتحالف أحياناً أخرى مع القبائل البربرية، غير أن حماد أعطى لقلعته أهمية كبرى، وذلك من خلال آثارها وخيراتها ومدارسها وعلمائها، ولكن البلدة عرفت وضعية سيئة من مجاورة بني هلال وقد سماها المنصور في 7601 م ''مكة الصغرى'' · وتطورت الآداب والفنون بكل حرية وانشرحت الثقافة المغربية فيها أكثر من غرناطة وقرطبة وتلمسانوتونس التي اشتهرت بصناعتها وحضارتها· فيما يتعلق بالنشاط الثقافي فإن الزوايا والمساجد كانت تتكفل بمهمة التعليم عن طريق خبرة الشيوخ في النحو والشريعة وتفسير القرآن أغلبية الطلبة الذين أنهوا دراستهم يعودون إلى قراهم ليصبحوا أئمة وأساتذة وقضاة، والأكثر جرأة وثراء يذهبون إلى العواصم الكبرى لتحصيل العلم والثروة، وقد استحوذت بجاية على أغلبهم نظراً لقربها· وبالفعل، حين ترك ''مولاي الناصر '' القلعة وقصوره الجميلة حمل معه الأشياء الثمينة، بالإضافة إلى مرافقيه من أساتذة وشعراء وأئمة وقضاة ورجال الفتوى من خيرة العلماء؛ وأراد أن يجعل من عاصمته مدينة لامعة من خلال مبانيها المشيدة، ومن خلال نوعية الحرف الممارسة فيها كما رفع من المستوى الثقافي لأهلها، وساعد السكان المجاورين على التعلم من الرواد (الحرفيون والأساتذة) الذين شجعهم على المكوث في بجاية · كما أن استيعاب الأفكار والتقنيات لم تعرف حواجز كبيرة، فالقروي حالما يخرج عن الإطار القروي والقبلي والقيود العرفية والتقليد وقمم الجبال المنعزلة والجافة، فإنه يشغل طاقته الجسمية والعقلية والشخصية ،وقد نمت الحياة الثقافية مع مجيء الأساتذة والعلماء من الأندلس بالإضافة إلى العلماء المحليين:-فمن الأسماء المحلية المتداولة علي محمد الزواوي أبو محمد الغبريني أبو عباس الغبريني (قد قدَّمت هذه العائلة عدداً من القضاة) ومحمد بن إبراهيم الوغليسي؛ ومن الأندلس وغيرها ·· سيدي يحيى -أبو زكريا المرجاني- سيدي إبراهيم البجاوي، وبتحرير بجاية من الأسبان فإن الأتراك قد فتحوا مجالاً للمهاجرين الأندلسيين والعلماء لإعادة إنعاش الحضارة العربية -البربرية وإعطاء الوسائل للشباب للرفع من مستواهم الثقافي · أما الاحتلال الفرنسي، فقد شدد الخناق على آخر القلاع الثقافية، ولم يترك إلا القليل من التعليم للزوايا يختص باللغة والشريعة الإسلامية كما أنشأ مدارس لتعلم اللغة الفرنسية التي تخرجت منها نُخبة نجحت وفرضت نفسها لمتابعة الدروس في جامعة الجزائر أو الجامعات الفرنسية · بعد ثورة المقراني التي قادها بشجاعة وبسالة استشهد فنظمت عن هذه الملحمة قصائد ومنها هاته التي ما زالت تغنيها النساء في الحفلات والسهرات ( بالأمازيغية): أجباغ في الطاق علاين أفيغ ذلباش آغا ئسر ذن لقد أطللت من أعلى النافذة ورأيت الباشاغا يغسل أكناس إبيذن ذلكفن آملال نسعلن لقد نزع عنه البرنوس ووضع عليه كفن أبيض مطلنت أق عباسن فرحث القياذ فرحث الكفار دُفن في بني عباس افرحوا يا قياد افرحوا يا كفار أزم نغ نروح فرحث الكفار الحرية أق فاسن نغ ذهب الأسد افرحوا يا كفار الحرية بين أيدينا ألكن ذ سجان إيرقازن نغ كونوا شجعاناً يا رجالنا مدينة قسنطينة: اسم قسنطينة في القديم ''سيرتا'' وهو اسم كنعاني - فينيقي يعني (المدينة أو القرية الكبيرة) حسب أحمد توفيق المدني، ويضيف أنها كانت أيام قرطاجنة مهد الاستقلال البربري، نشأت بها عائلة سيفاكس الملكية التي أسست أول مملكة منظمة ببلاد نوميديا، واشتهر بها سماسينيسا'' الذي أراد أن يتحصل على استقلال البربر بواسطة روما ··ثم أصبحت مستعمرة رومانية إلى أن خربها البربر إثر ثورة عارمة فأعاد الإمبراطور قسطنطين بناءها، ومن ثمَّ أخذت تسمية سقسطنطينة'' وبمرور الزمن دُعيت سقسنطينة'' إلى الآن، وأثناء الفتح الإسلامي وبعده أصبحت تابعة للدول التي تعاقبت على تلك الناحية، كالحماديين والحفصيين ودخلها الأتراك في القرن 61م بعد افتكاكها من بني حفص إلى أن احتلها الفرنسيون بعد دفاع دامي قام به أحمد باي في 8381 م، وقد التجأ إلى جبال الأوراس مع طائفة من جنده إلى أن أُسِر وتوفي في الجزائر سنة 0581م، وهو مدفون بجوار ضريح الشيخ ''سيدي عبد الرحمن الثعالبي· قسنطينة مدينة حافلة بآثارها التي تعبر عن رموز الثقافة الإسلامي، ومن أهم آثارها المسجد الأعظم الذي بُني سنة 1221 م ومسجد سيدي الاخضر في القرن 81 م وبه قبور الأقدمين منهم ''حسين باي '' ومسجد الكتاني ( مسجد صالح باي ) أواخر القرن 81م ومدرسة سيدي الكتاني وهي مدرسة علم وبها قبر (صالح باي) وقصر أحمد باي - مركز السلطة العسكرية - · لقد شهدت المدينة نهضة علمية فهي المدينة التي ظهر فيها المصلح الجزائري الكبير عبد الحميد بن باديس، رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وقد صدرت بها جريدة النجاح اليومية، ومجلة الشهاب، وجريدة البصائر، كما أن المدينة تعتبر محافظة فيما يتعلق بالعوائد والأخلاق الإسلامية · أما اليهود الذين كانوا يُشكلون في 0531 ه حوالي 84 ألف نسمة فقد حافظوا على أخلاق أسلافهم وعاداتهم ؛ كما أن الطبقة الوسطى في قسنطينة كبيرة منتشرة وهي التي كان لها مستقبل في النهضة الثقافية والعلمية· أما الزوايا في قسنطينة فكثيرة منها : زاوية سيدي الكتاني وسيدي امسيد وسيدي عفان وسيدي راشد، وسيدي التلمساني؛ كما أن للعائلات الكبيرة زواياها مثل زاوية أولاد الفكون وزاوية بن نعمون وزاوية أولاد جلال وزوايا خاصة بالأتراك والكراغلة (زاوية رضوان خوجة) وفي نواحي قسنطينة نذكر زاوية بني مقران، وزاوية خنقة سيدي ناجي وزاوية معمرة؛ ويذكر أبو القاسم سعد الله أن قسنطينة من أكثر المدن عناية بالمؤسسات العلمية، وذلك لاستقرارها السياسي ولقربها نسبياً من تونس وهي باب المغرب العربي إلى المشرق· كما كان للمدارس العليا كالكتانية نظاماً داخلياً دقيقاً يضبط أوقات التدريس والغيابات، وعدد أحزاب القرآن التي تتم تلاوتها كل يوم، وكانت في نظامها تُصارع المدارس الفرنسية المعاصرة لها، وأدت بذلك دوراً ثقافياً لا يُستهان به، كما اشتهرت المدينة بالنساخ والخطاطين منهم أبو عبد الله بن العطار، كما انتشرت ثقافة العقود كما أشرنا سابقاً، والمكتبات العامة والخاصة (مكتبة الشيخ الفكون وباش تارزي وابن عيسى) تضم كتب القرآن والفقه والرياضيات الإغريقية والفلسفة والطب والجغرافيا والتاريخ · في بداية عهد الاحتلال الفرنسي يذكر المؤرخ الفرنسي في 3091م دوفوازان ''أن نظافة كبيرة كانت تميز المنازل والشوارع، وقسنطينة ككل المدن الإسلامية تحمل طابعاً معمارياً مميزاً ولوناً محلياً خاصاً لا تستطيع المدن الأوروبية أن تُضاهيه'' · قضى الاحتلال على التوازن التقليدي الذي كان موجوداً بين السلطات الحاكمة التي تعاقبت على المدينة وبين سكانها وأشرافها واستبدلت به حكماً عسكرياً صارماً· ··· يتبع ؟ إعداد: الدكتور عبد العزيز رأسمال