رحم الله القرطبي فهو من قال: »التقوى فيها جماعُ الخيرِ كلِّه، وهي وصيةُ الله في الأولِين والآخِرِين، وهي خيرُ ما يستفيدُه الإنسان«. وقال محمد بن أبي الفتح الحنبلي: التقوى: ترك الشرك والفواحش والكبائر. وعن عمر بن عبد العزيز: التقوى: ترك ما حرّم الله وأداء ما افترض الله، وقيل: الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: التقوى: ترك ما لا بأس به حذرا مما به بأس، وقيل: جماعها: في قوله تعالى: »إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان« (النحل: 90) وروى ابن ماجة في سننه عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: »ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيراً له من زوجة صالحة، إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرّته، وإن أقسم عليها أبرّته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله«. يقول الأصفهاني: التقوى جعل النفس في وقاية، ويسمى الخوف تارة تقوى، والتقوى خوفا حسب تسمية مقتضى الشيء بمقتضيه والمقتضي بمقتضاه، وصارت التقوى في تعارف الشرع حفظ النفس عما يؤثم، وذلك بترك المحظور.. فتكون تقوى الله الحذر والخوف منه وتجنب غضبه وكأننا نتقي غضبه وبطشه بطاعته وبرضاه. إن عبارات العلماء في تعريف التقوى تدور على صيانة النفس من المعاصي، وترك الشركِ والفواحش والكبائر، والتأدب بآداب الشريعة، فالتقوى إذن: فعل الطاعات واجتناب السيئات. وقال أبو يزيد البسطامي: المتقي: من إذا قال قال لله، ومن إذا عمل عمل لله. وقال أبو سليمان الداراني: المتقون الذين نزع الله عن قلوبهم حب الشهوات. إن قيمة التقوى الكبرى هي في استتباب الأمن الاجتماعي. يقول الحق تبارك وتعالى: »يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً« (الأنفال: 29) أي معياراً تفرقون به وبوساطته بين الحق وبين الباطل، والخير والشر، والانحراف والاستقامة. والصحيح والخطأ. كما أن المقياس الأساسي للتفاضل في الثواب عند الله، هو التقوى فقط، من دون بقية الأمور الأخرى من اختلاف الجنس أو اللون أو.. ويتضح ذلك بجلاء من قوله تعالى »إن أكرمكم عند الله أتقاكم..« (الحجرات: 13). والأمر بملازمة التقوى، أمر باتباع كل خير، ومجانبة كل شر.. إذ إن التقوى بمفهومها اللغوي ومدلولها الشرعي لا تحتمل غير هذا المعنى، فهي مأخوذة من الوقاية بمعنى الحفظ، والإنسان لا يقي نفسه ولا يحفظها إلا إذا أتى بما أمر الله به من فضيلة، واجتنب ما نهى الله عنه من رذيلة وفي هذا سمو للنفس، وعروج بها في معارج القدس والكمال، يضاف إلى ذلك قوة إرادة ومضاء عزيمة لحمل النفس على الاضطلاع بالتبعات والتكاليف.