وصية التقوى هي أعظم الوصايا على الإطلاق، وقد وردت في القرآن الكريم وجُعلت مستهل كلام الخطباء على المنابر وحتى في خطبة النكاح وغيرها، قال الله تعالى "وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى"، إنه الزاد الذي لا غنى للعبد عنه ليقدم على ربه آمنا وإلا ندم يوم لا ينفع الندم، إنها خير ما يتزين به العبد وخير لباس يرتديه قال تعالى "يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُون"، ومما يدل على أهمية التقوى وعناية الله عز وجل بتحقيق العباد لها أن الله تعالى وصى بها الأولين والآخرين وبيَّن ذلك في كتابه الكريم فقال "وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ"، ومما يدل على أهمية التقوى من الدين أن أنبياء الله من نبي الله «نوح» عليه السلام إلى نبيه «محمد» صلى الله عليه وسلم أمروا بها أقوامهم وطالبوهم بتحقيقها، قال تعالى "إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ"، وقال "إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ"، وقال "إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ"، أما نبينا صلى الله عليه وسلم فوصى بها أمته في العديد من الأحاديث ويكفينا هنا وصيته للأمة في شخص «معاذ بن جبل» رضي الله عنه حين قال له "اتق الله حيثما كنت". الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل ورد عن السلف رضي الله عنهم العديد من العبارات في بيان معنى التقوى، لعلها تدور حول معنى واحد وهو أن يقوم العبد بأداء ما افترض الله تعالى عليه وترك ما حرم، ليكون ذلك وقاية من وقوعه في عذاب الله، وقد ورد عن «علي» رضي الله عنه أنه فسرها بأنها "الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل"، أما «عمر بن عبد العزيز» رحمه الله تعالى فقال "ليس تقوى الله بصيام النهار ولا بقيام الليل والتخليط فيما بين ذلك، ولكن تقوى الله ترك ما حرم الله وأداء ما افترض". مخرج من المضايق والكُرُبات إن القارىء لكتاب الله عز وجل ليجد أن القرآن قد وعد المتقين بالعديد من المنح الربانية وجعلها ثمرة تقواهم لربهم تبارك وتعالى، ومن ذلك أنه وعدهم بتفريج كرباتهم وإخراجهم من كل ضيق وكربة وكفايتهم أرزاقهم، قال تعالى "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً.وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِب"، كما وعدهم بتيسير أمورهم "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرا"، ولو أن العباد حققوا تقوى الله حقا لفتحت عليهم البركات وأبواب الخيرات، قال تعالى "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون". خير في الدنيا وأعظم منه في الآخرة إن العبد ليعمل الكثير من الأعمال يرجو بها رضا الله تعالى والفوز بمحبته وقد وعد الله المتقين بهذا الفضل العظيم أنه الفوز بمحبته ومعيته، قال تعالى "بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِين"، وقال "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِين"، وهذا شيء يسير مما ورد من بشارات للمتقين في هذه الدنيا، أما في الآخرة فإن لهم من الأجر والكرامة ما لا يعلمه إلا الله تعالى ومن ذلك وعدهم بالنجاة من عذابه، قال تعالى "ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّا"، وقال "وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُون"، ومن كرامته على الله أنه يحشرهم يوم القيامة مكرمين آمنين "يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدا"، ثم هم يوم القيامة في جنات يتنعمون، يجدون فيها الجزاء الطيب على تقواهم لربهم في هذه الدار الدنيا، قال تعالى "لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِين. جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِين"، وقال تعالى "إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ"، كما قال "إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِين. فِي جَنَّاتٍ وَعُيُون. يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ. كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ. يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ.لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ.فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ".