أكد الخبير الاقتصادي كمال رزيق في حوار ل السياسي أن الحكومة أمامها مئات الخيارات والبدائل للقضاء على الأزمة المالية قبل الذهاب إلى الاستدانة الخارجية التي ستجعل مسح الديون الذي قام به رئيس الجمهورية لا قيمة له، موضحا أنها لم تستعمل جميع البدائل الموجودة في المجتمع من خلال تمويل المشاريع الاقتصادية أو الاجتماعية وهي تغني الجزائر عن صندوق النقد الدولي وتكون اقل تكلفة. السياسي : كيف ترون آفاق الاقتصاد الجزائري، في ظل تراجع أسعار النفط ؟ كمال رزيق: قبل أن نتحدث عن المستقبل لابد من الحديث عن الماضي والحاضر، منذ الاستقلال إلى يومنا الحالي اقتصادنا كان اقتصاد ريعي، ويأخذ بعين الاعتبارات عائدات المحروقات هي كل شيء بالنسبة للاقتصاد، يعنى إذا كانت العائدات جيدة الوضعية ستكون جيدة والعكس، وبالتالي الاقتصاد كان ريعي 100 بالمائة، أهملنا جانب الصناعة كانت لدينا زراعة من قبل من السبعينات إلى الثمانينات كنا نصدر الكثير من المواد إلى الخارج، لم نكن نستورد هذا الكم الهائل من المواد وكانت لدينا صناعة مقبولة غير اننا تحولنا إلى بلد يستورد كل شيء، انتقلنا من استيراد 8 ملايين إلى تقريبا 60 مليار دولار.الآن الأزمة أدت بالحكومة إلى مراجعة سياستها لأنها لا تملك بديل آخر، خاصة أن حد انخفاض أسعار النفط كبير والمدة كانت طويلة، الآن الحديث ينصب على نموذج اقتصادي جديد يقوم على ركائز أربعة المتمثلة في الصناعة الفلاحة السياحة وقطاع الغاز، وبالتالي الآن ما يحدث في الاقتصاد الجزائري هو ورشة بمعنى الكلمة، انفتاح نحو القطاع الخاص الذي أصبح هو المحرك وأساس هذه التنمية، كما أصبح هناك انفتاح على الشراكة مع القطاع الأجنبي وبالتالي نتحول شيئا فشئيا من اقتصاد ريعي بترولي إلى اقتصاد منتج قائم على تشجيع المنتوج المحلي، والآن بدأت نتائج تظهر شيئا فشيئا بدأ المنتوج المحلي يأخذ مكانه وفاتورة الاستيراد بدأت تنقص ونام لان تنخفض أكثر، وبالتالي نرى أن اقتصاد الجزائر في المستقبل إذا بقيت الوتيرة على حالها والديناميكية الأمور ستتحسن شيئا فشيئا. . أسعار النفط لن ترتفع فوق 50 دولار خلال الأشهر المقبلة هناك توقعات باستقرار أسعار النفط خلال الأشهر القادمة ما رأيكم ؟ لا اعتقد انه سيرتفع أكثر من 50 دولار، لان السوق العالمية فيها تقريبا فائض كبير ونحن نعرف انه لا توجد إرادة سياسية على مستوى الدول ذات الإنتاج الكبير لتخفيض حصص إنتاجها، بالإضافة إلى دخول إيران وستدخل العراق وليبيا وبالتالي سيكون العرض أكثر من الطلب وليس هناك أي توقع لعودة الأسعار إلى الاستقرار، يمكن أن تصل إلى 50 إلى 60 دولار كأقصى الحالات، لكن العودة إلى أسعارها السابقة ممكن تتحقق في آفاق سنة 2020، وكل المؤشرات في السوق تؤكد ذلك خاصة أن الولاياتالمتحدةالأمريكية أصبحت بلد مصدر للبترول والغاز الصخري وأول شحنة للغاز الصخري ممكن تصل إلى أوروبا هذه السنة وهذا سيزيد من تفاقم هذه المشكلة، لكن أن تعول الحكومة الجزائرية على أن الأسعار سترتفع خلال الأشهر أو السنوات المقبلة فذا ضرب من الخيال إلا إذا وقعت حادثة طارئة في السعودية مثلا أو حدث عالمي ممكن أن يؤثر على السوق. كيف ترون لجوء الشركة الفرنسية توتال للتحكيم الدولي خاصة وأن المبلغ لا يعد ضخما بمقابل تخليها عن التزاماتها الموقعة مع سونا طراك ؟ من حقها أن تلجأ للتحكيم الدولي ولابد من معرفة العقد الذي يربط هذه الشركة مع سوناطراك على ماذا يتضمن، لا اعتقد أن الشركة الفرنسية لجأت إلى التحكيم الدولي دون أن تتأكد أن العقد في مصلحتها، وفي احتمال كبير أن نخسر هذه القضية خاصة أن كل القضايا التي عرضت على التحكيم الدولي خسرناها بسبب سوء إعداد العقود ودفاتر الشروط أثناء المفاوضات، لذا نعتقد انه آن الأوان للحكومة الجزائرية أن تدرس إنشاء هيئة أو مجلس يدرس كلا الاتفاقيات قبل عقدها مع الشركات الأجنبية على الأقل لتفادي الوقوع في الأخطاء. الجزائر تشهد ديناميكية وتحرك لم تعرفه من قبل اتخذت الحكومة جملة من الإجراءات لمواجهة هذا الوضع الإقتصادي، هل ما قامت به الحكومة هو كاف ؟ الحكومة اتخذت إجراءين، على مستوى الاقتصادي والاجتماعي، الأول تحاول من خلاله التقليل من النفقات في إطار محافظة على الجانب الاجتماعي ولحد ما استطاعت أن تحقق ذلك نتيجة لوجود احتياطي الصرف، صندوق ضبط أداة الموازنة هو من يمنحنا هذه الصلاحية، لكن إلى حد ما الحكومة على المدى القصير متحكمة في الأوضاع في المجتمع، بصفة عامة السوق متحكم فيها ومتطلبات الحكومة متحكم فيها، الجانب الاجتماعي المتعلق بالدولة متحكم فيها، أما على مستوى الاستثمار هناك قوانين وسياسات جديدة تطبق وإرادة حقيقية على مستوى الحكومة تتمثل في وزارة الصناعة، هناك حركية واستقطاب لرؤوس الأموال الأجنبية المباشرة ومصانع تنشا هنا وهناك ونية إنشاء مركبات صناعية، الآن في المجتمع هناك ديناميكية لم نراها من قبل، ولأول مرة نرى أننا في الاتجاه الصحيح، كان هناك أيضا مشكل في قطاع الفلاحة والحكومة قامت بتعديلات من بينها تغيير الوزير الذي هو ابن القطاع، نأمل أن تكون هناك ديناميكية في القطاع الفلاحي وان يكون هناك مزاوجة بين قطاع الصناعة والخدمات خاصة السياحة وأيضا قطاع الطاقة وما يتعلق بالغاز، نرى وجود ديناميكية وتحرك لم يكن متواجد من قبل بالإضافة إلى ترشيد المال العام رغم الإجراءات القاسية إلا أنها تدفع المسؤولين لإيجاد موارد والاستعمال الجيد للمال العام الذي كان يشهد تبذير فاضح. إلغاء الفوائد هو الحل لتشجيع المنتج المحلي وانعاش القرض الإستهلاكي بعد 6 أشهر من إطلاقه لم يلقى القرض الاستهلاكي روجا كبيرا في رأيكم إلى ماذا يرجع السبب ؟ بسبب الفائدة، كيف لمواطن جزائري يرفض اخذ قرض لبناء سكن أو القيام بنشاط ما، يقوم بشراء أجهزة الكترونية بقروض ربوية، الحكومة لم تقم بدراسة سوسويولوجية للمجتمع الجزائري ولإنجاح هذا القرض لابد من إلغاء الفوائد على الأقل لدعم المنتوج المحلي. تعرف سوق السيارات في الجزائر ارتفاع كبير في الأسعار، بعد أن ألهبت الوكالات أسعار السيارات الجديدة؟ هل تتوقعون انخفاض في أسعارها خلال الأشهر المقبلة ؟ ارتفاع الأسعار راجع لكون العرض اقل من الطلب، خاصة بعد تحديد كوطة الاستيراد بالإضافة إلى الضرائب التي سنتها الحكومة والتي أدت إلى انخفاض قيمة الدينار، والتهاب أسعار السيارات الجديدة والقديمة ولذا نعتقد أن الأسعار لن تنخفض في الجزائر إلا في حال دخول المنتجات السيارات المركبة بقوة سواء الفرنسة أو الألمانية ما يجعل السوق يستقر، آو رفع الحظر عن السيارات الأقل من ثلاث سنوات وإلا فان الأسعار ستبقى في مستوياتها المرتفعة. الجزائر تراهن على نموذج اقتصادي جديد، هل يمكن أن يكون المنقذ للاقتصاد الوطني من تهاوي أسعار النفط؟ لحد الآن لا نعرف النموذج وإنما أسسه قائمة على أربع قطاعات يؤطرهم قطاع مهم، والقطاعات التي تقوم على أساس النموذج الاقتصادي هو قطاع الصناعة من خلال الديناميكية التي يشهده والفلاحة الذي كان معطل وأصبح عالة على الاقتصاد لكن مع الدينامكية الجديدة نراهن على هذا الأخير على الأقل من ناحية تحقيق الأمن الغذائي واعتقد أننا في الطريق من خلال استثمار كل الأراضي القابلة للزراعة، كما نراهن أيضا على قطاع السياحة قبل استقطاب السواح الأجانب لابد من استقطاب السائح الجزائري، من العيب أن الجزائريين بالملايين يغادرون موطنهم لتشجيع الاقتصاد التونسي والمصري والاسباني على حساب اقتصادهم، لذا نعتقد أن تشجيع قطاع السياحة في الوهلة الأولى يجب أن يكز على استقطاب الجزائريين للحفاظ على العملة الصعبة رغم أن القطاع ركيك لا انه يشهد حاليا ديناميكية من خلال حجم المشاريع الموجودة في مختلف ربوع الوطن نأمل بعد خمس إلى عشر سنوات تصبح الجزائر وجهة سياحية.أما بالنسبة لقطاع الطاقة نرى اليوم سوناطراك رغم المشاكل التي اعترضتها من انسحاب للعديد من الشركات لأسباب واهية، الآن قامت برفع التحدي والإنتاج لأول مرة منذ سنوات، وبالتالي قطاع الطاقة هو ضروري لا يمكن الحديث عن نموذج اقتصادي بعيد عنه بالإضافة إلى قطاع المصرفي وكل هذه الإجراءات لن تأتي بثمارها دون هذا الأخير، لان الحكومة ضربت بيد من حديد وغيرت محافظ البنك ووزير المالية وهذه تغييرات جوهرية، وأنشأت لأول مرة وزارة منتدبة تقوم بالإصلاح المالي لأنه القطاع المصرفي في الجزائر هو قطاع سرطاني من المفروض يكون هو الممول والمساعد لكن مع الأسف لا يقوم بهذا الدور، الآن الحكومة أخذت درس ولابد لإنجاح القطاعات الأخرى يكون هذا الأخير فعال. ضغوطات فرنسية تحاول عبثا دفع الجزائر نحو الإستدانة الخارجية أي سبيل في رأيك كاقتصادي يقي البلاد الاستدانة الخارجية ؟ قضية المديونية الخارجية هي مجرد ضغوطات فرنسية بصفة خاصة ودول أجنبية أخرى بصفة عامة عن طريق صندوق النقد الدولي تدفعنا دفعا للذهاب لهذه الآلية، الحكومة تملك العديد من الخيارات بعيدا عن الاستدانة الخارجية، لابد أن لا نتحدث إطلاقا عن هذا الخيار، الآن إذا كان هناك شركاء اقتصاديين يريدون الاستثمار في الجزائر والقيام بمشاريع وتقاسم الأرباح فهو مرحب بهم على مشروع مناء شرشال، وعلى الحكومة تطبيق هذه الآلية على جميع المشاريع والقطاعات الأخرى ، وأيضا عليها الابتعاد عن تمويل كل المشاريع بمفردها بعيدا عن الشركات الخاصة لابد للمؤسسة الحكومية أن تدخل في شراكة مع القطاع الخاص لتمويل مشاريع الجانب الاقتصادي، أما المشاريع الاجتماعية أن الأوان للحكومة اللجوء إلى المواطن للمساهمة بنسب عن طريق ما يسمى بالصكوك الوقفية، وإذا فشلت الحكومة في كل هذه الخيارات نذهب حينها إلى الاستدانة الخارجية. أما بالنسبة للقرض السندي هو أسلوب جيد لكن يحتاج إلى صيغ أخرى كون الجزائريين لا يرحبون التعامل بالربا، على الحكومة تبني صيغة القرض السندي حلال على الأقل لتجميع جزء من الموارد المالية التي نحتاجها، وان الأوان أيضا للحكومة الجزائرية أن تطلق البنوك الإسلامية ونسميها بنوك تشاركية لفتح المجال للمواطنين لإيداع أموالهم واستعمالها في تدوير الاقتصاد الوطني، لذا لابد من فتح جميع المجالات قبل اللجوء إلى الخيارات الصعبة.