أكد الخبير الاقتصادي عبد الرحمان عية ان قرار الحكومة الجديدة بوقف استيراد العديد من المنتجات سيرهن القدرة الشرائية للجزائريين ويزيد من نسبة التضخم الذي سيلتهم أجور المواطنين و يخلف بالتالي غليانا اجتماعيا نتيجة تحرك النقابات لزيادة الاجور مستقبلا. و قال عية في حوار مع السياسي إن الحكومة مجبرة على اقرار زيادات في الاسعار و الرسوم في قانون المالية 2018 إذا أرادت الاستمرار في برنامج النمو الاقتصادي،مطالبا في السياق ببذل جهود مضاعفة لتقليص فاتورة استيراد القمح و بودرة الحليب التي تفوق 4 مليار دولار، عوض المواد الغذائية الاخرى التي لا تتعدى_ بحسبه _500 مليون دولار. و فتح محدثنا ملف الفوضى الحاصلة في قطاع السيارات بالجزائر ليؤكد أن الحل الوحيد لإعادة التوازن للسوق هو إعادة فتح المجال امام استيراد السيارات المستعملة الاقل من 5 سنوات ، كما عرج لتحليل الاوضاع الراهنة في سوق النفط ،و انهيار اسعار الدينار الجزائري بمقابل العملات الاجنبية في السوق السوداء . ماهي قراءتكم للوضع الاقتصادي و الإجتماعي منذ تاريخ الانتخابات التشريعية التي افرزت مخططا حكوميا جديدا صادق عليه البرلمان ؟ أعتقد أن 80 بالمائة من خرجات الحكومة الجديدة تمثل استمرار لحكومة سلال السابقة ،فلا جديد يذكر على المستوى العملي باستثناء تصريحات وزير الصناعة محجوب بدة حول تركيب السيارات و هو القطاع الذي راهنت عليه الحكومة السابقة و جعلته على راس مشاريع تنويع الاقتصاد الوطني و منحته زخما اعلاميا كبيرا بعدما قيل ات مؤسسات عملاقة أرادت الدخول في مسعى التصنيع المحلي، لكن تصريحات بدة جاءت مناقضة لتوجه سلفه عبد السلام بوشوارب صاحب الوزن الكبير في الحكومة السابقة . بالمقابل نحن كخبراء في المجال ننتظر الكثير مثل قرار توقيف اعتمادات المحاسبين الذي جاء به وزير المالية الجديد ، فضلا عن حديث وزير العمل و التشغيل عن قروض أونساج ، لكن اعيد و أكرر لحد الآن القرارات الحكومية لم تتعد الإطار السياسي و تحن كإقتصاديين ننتظر تفعيلها وفق آليات تطبق على أرض الواقع، و سنرى حينها بلغة الارقام إن كانت التدابير إيجابية أو سلبية لاننا لا ننظر إلى السياسة الإقتصادية . حمل مخطط حكومة تبون العديد من الالتزامات منها العمل على تنويع الصادرات و اعادة النظر في توزيع اموال الدعم الاجتماعي و الغاء الضرائب على الفئات الهشة ، في ظل الازمة المالية التي تعاني منها البلاد ، هل هنالك امكانية لتطبيق هذا المخطط ميدانيا ؟ بالنظر إلى المعطيات الحالية أعتقد أن تطبيق هذه الالتزامات يبقى صعب المنال ، فنحن عندما نتحدث عن عقلنة دعم الاسعار فهو ملف مطروح منذ عهد وزير المالية الاسبق عبد الرحمان بن خالفة ، لكن في ظل عدم وجود قاعدة بيانات حقيقية للعمال بالجزائر يبقى تحقيق المسعى صعب، فالواقع يسجل بان مواطنين يتقاضون أكثر من 10 ملايين سنتيم لكنهم يبقون غير مسجلين في الاقتصاد الوطني، و لذلك فالحكومة لا تعرف من يستحق أموال الدعم . اما بالنسبة لموضوع تنويع الصادرات ، فالأصل بان التصدير يكون عند تحقيق فائض عن الحاجة في السوق الداخلية ، و ليس تصدير مادة نحن في حاجة إليها ، ضف إلى ذلك أن دخول نطاق التصدير يتطلب الامتثال للشروط الاوروبية التعجيزية و المعايير العالمية للمنتوجات و هو أمر صعب المنال بالنسبة لبلد مثل الجزائر . اتخذت الحكومة الجديدة بقيادة تبون العديد من الإجراءات لتقليص فاتورة الاستيراد ، و منها تجميد استيراد العديد من المواد الغذائية ، كيف يمكن ان يؤثر هذا على السوق الوطنية ، و هل فعلا المنتوج المحلي يمكنه الاستجابة لمتطلبات المستهلكين ؟ الشيئ الإيجابي الذي حققته الحكومة منذ سنة 2014 هو انها تمكنت من تخفيض فاتورة الواردات ب 10 مليار دولار بحسب أرقام الجمارك الجزائرية لسنة 2016،بالمقابل كان لهذا الانخفاض آثار سلبية على الاقتصاد الوطني ،فإيقاف استيراد مادة معينة يتطلب مؤسسات صغيرة و متوسطة قادرة على تعويضها فيما يسمى بلغة الاقتصاد إحلال الواردات ، أما في الوقت الحالي فأعتقد بأن وقف استيراد المواد الغذائية و السيراميك و غيرها سيرهن القدرة الشرائية للجزائريين،مثلما حدث حينما تم وقف استيراد الموز و التفاح و الاسمنت حيث ارتفعت الاسعار و زادت نسب التضخم ،و عليه فتطبيق هذه القرارات سيضرب القوة الشرائية للمواطن و يوسع دائرة الفقر بسبب التضخم الذي سيلتهم أجور الجزائريين ، الامر الذي سيخلف ازمات اجتماعية نتيجة تحرك النقابات لزيادة الاجور مستقبلا . ماهي الحلول التي ترونها ممكنة لتقليص فاتورة الاستيراد مع الحفاظ على مكاسب المستهلكين المتمثلة في الجودة و المنافسة التي تحافظ على القدرة الشرائية للمواطنين ؟ اول مفهوم وجب تصحيحه في الجزائر هو أن بلادنا ليست في أزمة مالية إنما في أزمة اقتصادية ،و بالتالي وجب وضع مخطط انقاذ اقتصادي على غرار ما قامت به الولاياتالمتحدةالامريكية في وقت سابق، و هنا القرار ليس سياسيا إنما يتم اتخاذه من خلال هيئات اقتصادية متخصصة تتكون من باحثين و متعاملين من مختلف مجالات الاقتصاد لتحقيق الانطلاقة الحقيقية. يشهد قطاع السيارات فوضى كبيرة و التهابا للأسعار في ظل الاختلالات الواضحة في دفتر شروط مصانع التركيب الجديدة ، ماهو الحل بحسبكم لإعادة التوازن إلى سوق السيارات بالجزائر ؟ الحل الامثل للخروج من هذه الازمة هو فتح المجال لاستيراد السيارات المستعملة لاقل من 5 سنوات، و هو القرار الذي سيستفيد منه الاقتصاد الوطني و ينعش خزينة الدولة بالعملة الصعبة ، فمثلا عندما يجلب متعامل معين سيارة مستعملة في الخارج بقيمة 3 الاف اورو التي تعادل 60 مليون سنتيم ن يستفيد المواطن من انخفاض الاسعار و الدولة تحقق ما يقارب 15 مليون سنتيم من الرسوم بالعملة الصعبة و هو رقم جيد . أما الحل الثاني فهو معقد و يقتضي الزام المتعاملين بدفتر شروط جديد لتركيب السيارات في الجزائر ، و ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار رفع نسبة الادماج و اشتراط مدربين لتاهيل قطاع المناولة و صنع قطع الغيار في بلادنا،و من بين القرارات المستعجلة التي ينبغي على الوزير بدة اتخاذها هو الغاء كل العقود المبرمة مع متعاملي السيارات بسبب عدم احترام نسب الادماج المتفق عليها مع الحكومة الجزائرية، فنحن إذا أخذنا كمثال عقد رابح /رابح مع شركة رونو الفرنسية بمصنع وهران ،نرى بان العقد المحقق لحد الآن هو رابح/ مدمر ، و هنا الإنتقاد لا يطال الحكومة فقط و إنما الشريك الاجنبي الذي لم يكن في المستوى رغم استفادته من عديد الامتيازات وفق قاعدة الاستثمار 51/49، و هنا نطالب الحكومة بالبحث عن شركاء من دول أخرى غير جنوب اوروبا المعروفة بإدخال السياسة في الاقتصاد ، و هنا تبدو ألمانيا و كوريا الجنوبية و حتى أمريكا دولا مناسبة . دعنا نتحدث بلغة الارقام فاتورة استيراد سيارات زائد المواد الغذائية و الكماليات ،هل تعوض مثلا فاتورة استيراد القمح ؟ هذا سؤال جوهري ، ففاتورة استيراد كل المواد التي ذكرتها لا تتعدى 500 مليون دولار ، بالمقابل فاتورة استيراد القمح 4 مليار دولار و نفس الشيئ بالنسبة لبودرة الحليب و هنا نطرح تساؤلات عديدة حول اسباب التراخي في تطوير هذه الفروع في وقت كانت في مدينة تيارت تغذي أوروبا في وقت سابق من تاريخ الجزائر، لذا اعتقد ان المشكل أكثر تعقيدا و له عدة ارتباطات تاريخية و سياسية و اديولوجية . تشهد اسعار الدينار بمقابل العملات الاجنبية انهيارا كبيرا في السوق السوداء ، الى ما يرجع ذلك ؟ هل هي سياسة لتعويم العملة ام انه الطلب الكبير في موسم الاصطياف ؟ الحكومة الجزائرية لم تخفض من قيمة الدينار منذ فيفري 2015،و ذلك بفعل الصدمة المالية و بعد هذا التاريخ تحركت العملة الوطنية في هوامش ضيقة ، اما في الوقت الحالي فأعتقد ان انخفاض الدينار مقابل العملات الاجنبية لديه سببان رئيسيان ، أولهما ظرفي و يتعلق بتزامن موسم الحج مع العطلة الصيفية ما ادى إلى ارتفاع الطلب ، أما السبب الثاني فاقتصادي بحت و هو قيام كل من تونس و المغرب و مصر بتعويم عملاتها المحلية لجلب السياح و العملة الصعبة،فالمغترب الجزائري أصبح يذهب لهذه الدول لبيع العملة الصعبة و بالتالي هو بذلك يضرب العملة الوطنية ، و لهذا اتوقع ان يستمر انخفاض الدينار إلى غاية نهاية شهر اوت على ان يسترجع عافيته نسبيا و يرجع إلى سعر 185 دينار للاورو في سوق السكوار . ماهي قراءتكم للأوضاع الراهنة في اسواق النفط ، و كيف تتوقعون ان تكون الاسعار بعد انقضاء اتفاق خفض الانتاج الذي اقرته اوبك ؟ الإشكال الكبير الذي لا ينتبه له الاعلام و حتى بعض المحللين هو أن سعر البترول لا يخضع فقط لمتغيرات اقتصادية و إنما دواعي جيوسياسية ايضا ، حيث يعتبر المضاربون بعقود النفط الآجلة من بين أهم العوامل المؤثرة في الاسعار،فبعد انسحابهم بعامل اقتصادي او دفع من دول معينة ، عاد البترول الى سعره الاقتصادي الطبيعي و هو 50 دولار ، بعدما كان قبل ذلك في صدمة مرتفعة قادته فوق حاجز 100 دولار، و هنا كان على الحكومة الجزائرية في ما يسمى بوقت البحبوحة التي صادفت سعرا استثنائيا للبترول ان لا ترفع من نسبة الانفاق حتى لا تتعرض لصدمة عندما عاد على سعره الطبيعي . و من هنا اعتقد بان خطة أوبك لتخفيض الانتاج لا تأثر كثيرا على الاسعار في ظل استمرار انسحاب المضاربين ، حيث أتوقع أن تتحرك الاسعار لغاية 2020 في هامش ضيق بين 45 الى 55 دولار للبرميل ، إلا في حال حدوث ضغط مالي على السعودية يجعلها تتفق مع امريكا على رفع الاسعار لأنهما اهم عنصرين في السوق العالمية للنفط . في ظل هذه المعطيات كيف تتوقعون ان يكون قانون المالية 2018 ، و هل سيشهد تطبيق زيادات و رسوم جديدة مثل سابقه ؟ الحكومة مجبرة على اقرار زيادات في الاسعار و الرسوم في قانون المالية 2018 إذا أرادت الاستمرار في برنامج النمو الاقتصادي، خصوصا في ظل تآكل اموال صندوق ضبط الإيرادات الذي غطى فيما مضى 1200 مليار عجز في الميزانية ، أما الآن و في ظل الاسعار الحالية للنفط فلا تملك الحكومة من حل سوى إقرار زيادات في الوقود و مواد اخرى ، و فرض رسوم جديدة ، أو وقف نفقات التجهيز.