استهلك المنتخب الجزائري، منذ رحيل المدرب البوسني حليلوزيتش في 2014 ، 5 مدربين، فشلوا في تحقيق نتائج جيدة مع فريق مونديالي شرف الكرة الجزائرية والعربية والإفريقية مرتين متتاليتين إلى كأس العالم خلال السنوات الاخيرة، كان المدرب الأخير الذي أقيل قبل أمس بنكهة محلية، يعتبر أسطورة في كرة القدم الجزائرية، بتاريخه المشرف مع المنتخب والاحتراف في ثمانينيات القرن الماضي، رابح ماجر صديق علي بن شيخ اللذين صدعا رؤوس الجزائريين، بتحليلاتهما في البلاتوهات التلفزيونية مضيفين نوعا من الفكاهة والدعابة على يومياتنا قبل أن يصبح أحدهما مدربا لثالث مرة للمنتخب الوطني وبشكل مفاجئ ! درب ماجر المنتخب الجزائري سنوات (1994، 2001، 20018 )، ولم ينجح في الثلاث المهمات التي أوكلت له، بالرغم من هذا لا أحد يشك في أن اللاعب يبقى اسطورة لكرة القدم الجزائرية، حيث حقق مجدا وصيتا له وللجزائر في عالم الساحرة المستديرة، ومن منا لا يتذكر واقعة خيخون (1982) التي اذل فيها ماجر وعصاد وبلومي ورفقائهم الالمان الغربيين انذاك، وجعلوهم يتجرعون الهزيمة والخيبة ويقضون على غرورهم المفرط، ومن منا ايضا لا يتذكر هدفه الاسطوري مع فريقه (اف سي بورتو) في نهائي اوروبي، بالعقب حتى اصبح كل المعلقيين في العالم يذكرون إسم ماجر كلما سجل أي لاعب حاليا بتلك الطريقة !.
رغم هذا لم يكلف صاحب الكعب الذهبي نفسه، عناء تطوير إمكانياته في مجال التدريب، طيلة توقفه عن ممارسة كرة القدم، كمرحلة جدية للارتقاء بمستواه من لاعب يداعب جيدا الكرة في الميدان، الى مدرب له فلسفة ورؤية وخطط لتسيير مباريات من 22 لاعب على المستطيل الاخضر، ماجر بقي فقط بتلك الهالة التعظيمية المتعالية على انه نجم فوق العادة وبالرغم انه لا احد ينكر فيه ذلك، لكن هذا لا يعني بتاتا انه يصلح في كل المناصب الكروية وخاصة كمدرب لمنتخب وطني !.
إقالة ماجر ذكرتني بالجدل الذي أُثير حول النجم الفرنسي ذو الاصول الجزائرية زين الدين زيدان لما طرح اسمه لتدريب ريال مدريد الملكي، سنة 2016، حينها هاجمته الصحافة الاسبانية والعالمية، بقوة وجعلت منه محطة للسخرية، زيدان الاسطورة، شعر ببعض النقص والاستهزاء من قبل الجماهير المادريدية وحتى العالمية، لانها استصغرته واعتبرت انه لم يرتقي بعد الى مستوى تدريب نادي صغير فكيف له ان يدرب فريقا اسمه ريال مدريد رغم أنه كان أحد نجومه إلا أن الجماهير لم ترحمه !!
الإرادة الفولاذية لزيدان وفلسفته الواقعية هي التي صنعته كنجم وجعلت منه أسطورة في كرة القدم يمكن مقارنتها بمارادونا وبيلي وغيرهما ، قادم من حي شعبي للمهاجرين في مرسيليا مزقته الجريمة والبطالة ومعدلات الانتحار المرتفعة ، كل هذه المظاهر السلبية لم تنعكس على شخصية زيزو إلا بنحو ايجابي، واختار كرة القدم فطيلة مشواره الرياضي كان علامة فارقة سواء كلاعب في نادي أو في المنتخب الفرنسي، ولما انطلق في مهمته الجديدة بعد الجدل المثار حول تدريبه للفريق الملكي، عمل في صمت، رغم (الضجيج) الذي تحظى به هكذا فرق كبيرة، حصل على شهادة تدريب ودخل هذا العالم من خلال فريق ملكي له قاعدة جماهيرية تتجاوز أسوار اسبانية إلى العالمية، كان يعاني في البطولة ويعيش أيام عصيبة عقب إقالة المدرب رافايل بنيتز، الا أن زيدان استطاع بشخصيته القيادية وحنكته أن يعيد التلاحم إلى الفريق المنقسم أنذلك، كما تمكن من إعادة ريال مدريد إلى الواجهة سواء في البطولة الاسبانية أو الأوروبية، ولم يكتفي بهذا فقط بل فاز بثلاث كؤوس شمبيونزليغ متتالية2016 ، 2017 ، 2018 ، محطما بذلك كل الأرقام القياسية. أي مدرب في مكان زيدان كان سيمشي فوق الماء مترنحا بالانجاز التاريخي وله كل الحق في ذلك، إلا أن هذا النجم المتواضع في قمة مجده استقال بشكل مفاجئ من تدريب فريق فاز معه بثلاث كؤوس شمبيونزليغ متتالية ليغلق أفواه الذين احتقروه أول مرة كمدرب بدون شهادة، ويبرهن أنه ليس أسطورة كلاعب بل كمدرب أيضا !.
لا اعرف ان كانت تجدر المقارنة بين ماجر وزيدان أم لا، الا ان الفرق واضح جدا بين النجمين، الأول واثق من نفسه بشكل واقعي ومنطقي لكنه صامت لا يكاد يتحدث ولا يخلق خصومات مجانية لا مع الصحافة ولا مع الجماهير بتصريحاته المتزنة والمقتضبة والمقنعة، بالعكس من ذلك تماما ماجر يتميز بالثقة الزائدة عن اللزوم، التي اكتسبها من كونه نجم الجزائر في كرة القدم، زادته هالة التمجيد التي يحظى بها وسط الجماهير الجزائرية منذ سنوات الثمانينات، والتي أفقدته توازنه ، خاصة بعدما اصبح محللا في كبريات القنوات الرياضية العالمية، الامر الذي جعله لا يتقبل أي أي نقد لاخطائه التي يرى أنها عين الصواب، فتكونت لديه هالة من جنون العظمة إنفجرت في وجهه كبالون بعد الخسائر المتتالية التي مني بيها مع الفريق الوطني وفشله في تكوين فريق قوي مثلما فعل كل من رابح سعدان والبوسني حليلوزتش في السنوات الاخيرة !
ماجر ظلم نفسه، في المرة الاولى لما قرر العودة الى المنتخب الوطني لتدريبه، بعدما فشل في مهمته سنة 1994 و2001، وثانيا لما دخل في حرب مع الصحافة الجزائرية، خاصة لما انفجر في وجه صحفي الاذاعة الوطنية، غاضبا واماط اللثام عن شخصيته الحقيقية التي اسقط عنه كل التبجيل الذي كان يكنه له الجمهور الجزائري، صاحب عبارة (تيزي -فو ) الشهيرة ضد الصحفي معمر جبور، زادتها كاريكاتورية، عبارة (ألو بورتو) على وزن كلمات اللاعب السابق، علي بن شيخ الغارق في الشعوبية والبعيد كل البعد عن التحاليل الوازنة للمحليلين الرياضيين، كل ذلك جعل ماجر ينهار ويسقط من أعين الجزائريين ويتحول من حالة التمجيد التي كان يحظى بها الى السخرية والاستهزاء، بعد انكشاف عوراته في التدريب أمام الرأي العام الوطني ! كانت فرصة ماجر كبيرة لما أخفق مع المنتخب الوطني مؤخرا ، ليقدم استقالته من منصبه ويحفظ ماء وجهه مع المنتخب ويحتفظ ببعض ما تبقى من نجوميته التي استهلكها في العروض الاشهارية طيلة سنوات، إلا أنه رفض الاستقالة مثل زيدان كأسطورة وفضل الخروج من الباب الضيق كأي شخص أخفق في مهمته ! !