وأزيد المسألة وضوحا لأقول بأن معنى هجر القراءة المقصود في الآية والذي يحذرنا منه القرآن هو ترك القراءة بالكلية، يعني الإنسان لا يقرأ القرآن أبدا، وهذا لا يقع للمسلمين إلا نادرا، وهذا الذي يعد معصية بل كبيرة من الكبائر وهو الذي يؤدي إلى الحياة التعيسة الضنك والله تعالى يقول: ]ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا، قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى[، أما من يقلل من القراءة، أو يقرأ في الأسبوع مرة أو في الشهر مرة، أو في المناسبات والأعياد أو لا يقرأه إلا في رمضان، أو يقتصر على قراءة قصار السور في الصلاة، فهو مقصر في جنب الله، ومقصر في حق القرآن لكنه لا يعد ممن هجر القرآن ، فالهجر يعني ترك القراءة على إطلاقها في الصلاة و غيرها. وعليه فإنه لا يمكن لأي أحد من المسلمين أن يهجر تلاوة القرآن أبداً، حتى العجائز في بيوتهن لا يهجرن القرآن؛ لأنه ما من مسلم إلا ويقرأ الفاتحة وما تيسر من كتاب الله، وإذا قرأ الفاتحة -وهي أمُّ القرآن- وما تيسر فليس بهاجر للقرآ ن لكن هذا لا يعني من يفعل ذلك أنه ليس مقصرا في حق القرآن، فمن حق القرآن علينا أن نقرأه، ونتعاهده، وأن يكون لنا ورد يومي، هذا هو معنى هجر القراءة الذي أورده المفسرون في كتبهم، وهو ما قصده النبي عليه السلام فيما يرويه عنه ابن عباس رضي الله عنه أنه قال:الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب، شبه رسول الله الذي يهجر القرآن كالبيت الخرب، الذي ليس له سقف ولا أبواب ولا نوافذ، وربما جدرانه محطمة، تعبث به الرياح كما تشاء، ولا يحمي صاحبه من حر الشمس ولا من برد الشتاء، فكذلك الذي ليس في جوفه شيء من القرآن معرض لكل المعاصي، وتعبث به الأهواء والفتن والأفكار كما تشاء، وينقاد وراء كل الشهوات، ويؤمن بكل فكرة، ذلك لأن القلب خال من ذكر الله، وخال من هدي القرآن وحصانته. وأختم الكلام بحكم من يحفظ القرآن أو شيئاً منه ثم ينساه؟ ، ورد عن سيدنا أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة أو البعرة يخرجها الإنسان من المسجد وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أكبر من آية أو سورة أوتيتها الرجل فنسيها فنسيان القرآن من هجره، وهو من الكبائر، لكن الحديث ليس على إطلاقه، وإنما نحمله إذا أردنا الاستشهاد به على من نسي القرآن عن طريق الإهمال وعدم المراجعة والمذاكرة له، يعني شخص حفظ القرآن، ثم بعد ذلك أهمله، فهذا لا شك أنه يأثم لأنه يعتبر هاجراً، أما من يقرأ القرآن وحفظه وداوم عليه باستمرار ولكن يتفلت منه وينساه من غير اختيار منه، وإنما لضعف ذاكرته أو لعدم إحاطته وقدرته على المراجعة الشاملة باستمرار؛ فإن ذلك إن شاء الله معفو عنه ولا يؤاخذ عليه؛ لأنه خارج عن إرادته.. د.سمير جاب الله أستاذ الفقه والقراءات القرآنية بجامعة الأمير