تسييس الفعل الثقافي في الجزائر أفرغه من مضمونه لا أكاد أتذكر أني بعت لوحة في الجزائر! اعتبر الفنان التشكيلي حسان بوذراع، في حوار مع النصر، حالة الاغتراب التي يعيشها الفنان الجزائري عن جمهوره، نتاجا لتسييس الفعل الثقافي و الفني، و تحويل مختلف المحطات إلى مناسبات رسمية فارغة من المحتوى الحقيقي، تجري في صالات تتعامل مع الإنتاج الفني كمادة جامدة و تتجاهل الفنان في حد ذاته، كما تحدث عن واقع سوق الفن في الجزائر و علاقة الفنان بجمهوره. رصدتها: نور الهدى طابي هذا الفنان الذي يعد من كبار تشكيليي قسنطينة كان صدم الأوساط الفنية في المدينة في التسعينيات حين هجر الساحة وأعلن انه أصبح فلاحا، بيد أن هذا التحوّل لم ينل من الرجل الذي أدرك مبكرا أن احتراف الفن غير ممكن في بلد لا يتعاطاه، فأنصرف إلى الحياة دون أن ينصرف عن الفن. *النصر: حسان بوذراع و الفن التشكيلي رحلة بدأت قبل 28 سنة حدثنا عنها؟ حسان بودراع: هي قصة رجل ولد ليكون فنانا بالفطرة، لطالما كان الرسم هواية لي بدأت ممارستها و أنا في سن السابعة، ثم صقلتها عن طريق التكوين الأكاديمي بعد التحاقي بمعهد الفنون الجميلة بقسنطينة سنة 1987، هناك تكونت علاقتي الحقيقية بالريشة و الأوان الزيتية، و تحدد انتمائي الفني، فقرّرت أن أتبع مدرسة الجمال و التجريد، بعدها انتقلت إلى مدرسة العاصمة و تخرجت منها سنة 1994، بدأت نشاطي بعد ذلك كفنان تشكيلي و شاركت في عدة معارض عبر الوطن، بعد سنوات قررت التوجه لخدمة الأرض و الفلاحة و ممارسة الفن كنشاط مكمل إلى يومنا هذا. لماذا هذا التحوّل؟ هو تحوّل فرضته الظروف، أنا مثال حي عن الفنان الجزائري، الذي لا يجني من فنه قوت عيشه، الفن في بلادنا « مايعيش»، كما نقول بالعامية، لا أكاد أتذكر أنني بعت واحدة من لوحاتي هنا في الجزائر، معظم اللوحات التي بيعت اشتراها أشخاص من خارج الوطن. حتى بالنسبة للمشاركات الخاصة بالمعارض و غيرها، كلها مشاركات رمزية تقتصر عائداتها على شهادات شرفية لا تسمن ولا تغني من جوع، لا تساعدك حتى في الحصول على وظيفة محترمة، و الأحرى هو إدراج مبالغ مالية محترمة لكل مشاركة تساعد الفنان على المضي قدما بدل تكريمه رمزيا. لماذا في رأيك تفتقر الجزائر إلى سوق للفن التشكيلي؟ في الواقع أن سوق الفن ببلادنا محتكرة من قبل فئة من الناس هم أقلية لكنهم يتحكمون في هذه التجارة بسبب غياب الاحترافية، البعض يفضلون شراء لوحات فنانين مستشرقين بدلا من لوحات فنانين محليين، كما أنه ليس لكل الفنانين الجزائريين القدرة على بيع لوحاتهم، كيف يمكنني أن أصف العملية، هي تماما كالإشهار أو الإعلانات التي تمنح للجرائد. من ناحية ثانية أرى أن غياب المبادرات الفردية من قبل الفنانين، لخلق فضاءات للتلاقي والاحتكاك بالجمهور، جعل الجزائري في منأى عن هذا الفن حتى المهتمين به باتوا بعيدين عن صناعه، فغالبية المبادرات الرسمية من مهرجانات و معارض سيّست الفعل الثقافي وحوّلته لمجرّد مناسبة فارغة تتعامل من الفن بجمود، تهتم باللوحة و تتجاهل الفنان، هي عبارة عن مبادرات جماعية لا تهتم بالجانب النظري، فالمعارض و الأروقة موجودة لكن الفنان غائب، لا محاضرات و لا ندوات و لقاءات تسمح بمناقشة واقع الفن وتطلعات صناعه، لذلك لم نتطوّر وبقي الفن التشكيلي عندنا مقتصرا على اسمين اثنين هما إسياخم و خدة، من وجهة نظري فإن الدولة مطالبة بالتدخل لتنظيم هذا القطاع بشكل أكبر و خلق متاحف خاصة بالفنانين الجزائريين، تكون فضاء لعرض لوحاتهم و قبلة دائمة لهم. أنت كما قلت ابن المدرسة التجريدية لماذا هذا التوّجه و على أي أساس تختار مواضع لوحاتك؟ صحيح أنني أميل إلى التجريد و لكنني لست تجريديا، كما أنني لست ممن يتقيّدون بالقواعد أثناء الرسم وهذا لا يعني بأنني لست كلاسيكيا، مرادف الكلاسيكية بالنسبة لي هو الكمال الدقة المتناهية، مرادف الفن هو الجمال، مدرستي هي الجمال، أبحث عن الإبداع في كل ما أرسمه و أحاول دائما أن أقدم الأفضل، لا أركز في عملي على الإطار العام للوحة أو الشكل بل أسعى لإعطاء إطار جمالي للوحة. أما عن اختيار مواضيع اللوحات فاتركه للوحي، أحمل الريشة و استرسل في التعبير عما يخالجني من خلال تناغم الألوان سواء في أعمال البورتري أو اللوحات التعبيرية، فالفن رسالة تتحدث إما عن التاريخ أو الحب أو الإنسان، وتعقيداته بالنسبة لي لا يهمني إن خرقت القواعد و التقنيات ما دمت أصنع الجمال،فلوحاتي تصوّر الحياة و تعكس التقاليد و الإحساس العميق بالتراث. الصدفة والتلقائية هي أساس العمل الفني لديّ فموضوع اللوحة يأتي بعد تصوّر مسبق في عقل الفنان فيترجمها في لوحته وهذا يخلق حالة من التوتر الشديد والصدمة في بعض الأحيان فكل فنان له طريقته في البحث والاكتشاف، و اللوحة تجمع مرجعيات القراءات التي يتناولها الفنان و مجموع الثقافات والخبرات التي يمتلكها . هل تميل أكثر إلى البورتريه أم اللوحة التعبيرية؟ لا أفاضل بين أي من أعمالي، أنا فقط أترك العنان لإحساسي و مخيلتي عند كل بداية جديدة، البورتري بالنسبة لي هو عملية توثيق للحظة بأحاسيسها المختلفة، ألوانه و تفاصيله تعكس مسيرة إنسان و تعبر عن سيرته و قد تعكس موقفه أو نظرته للحياة من خلال الأبعاد التي تتخذها اللوحة، سبق لي أن رسمت صورة توثيقية لنفسي كانت بمثابة لحظة مصارحة مع المرأة. أما اللوحة التعبيرية فهي عبارة عن مساحة للتعبير عن ما يختلج في صدر الرسام، قد تعبر عن الحب و عن الحزن و عن الغضب، و قد تتحدث عن تطوّر الإنسان، كما قد تكون تعبيرا عن ذكريات مضت. ما هي العناصر التي تستهويك وتركز عليها في صناعة لوحاتك التعبيرية؟ العناصر التي أرتكز عليها في صناعة لوحاتي هي الرموز و الأوشام البربرية و الأشكالالهندسية ذات الأبعاد المختلفة ، خصوصا بالنسبة للوحات التي لها علاقة بالتاريخ أو التراث، لأنها عناصر أجد فيها إيقاع مما يخلق توازنا بين الشكل واللون وهو معيار مهم في العمل الفني، فالرموز في داخل اللوحة مرتبطة بالحس الوجداني الممتد عميقا في عاداتنا وتقاليدنا وموروثاتنا بكل المقاييس لذلك فان لوحاتي تعكس تلك الأصالة والبعد الحضاري. ما هي المقاييس التي تجعلك راض عن لوحاتك ورسوماتك؟ إن الأذواق لا تناقش فالفنان دائما يترك لوحته للمتلقي ليحكم عليها. هل لفنك رسالة خاصة توّد أن توصلها للجمهور؟ الفن عموما يخدم أربعة أشياء، التاريخ و الدين، العلم و السياسة، أما رسالتي أنا، فهي الجمال و الاستمرارية، يؤسفني حقا أننا في الجزائر لا نملك هذا الحس العالي بالفن و لا نعمل على متابعة الأنامل المبدعة و دعمها لتحقيق النجاح، كلنا تحوّلنا إلى فنانين عصاميين مبتدئين، لم نتمكن إلى الآن من سلك اتجاه محدد يصبح بمثابة سمة تطبع الفن التشكيلي في الجزائر، و رسالتي تتضمن مواصلة العمل من أجل تحقيق هذا الهدف. حسان بوذراع في عيون التشكيليين الفنانة نضال كفاح الثائر الهادئ و الفيلسوف الرياضي المتميّز السماء مليئة بالنجوم لكن نجم واحد قد يستقطب انتباهنا، هكذا هو حسان بوذراع الفنان المتكامل، صاحب الإحساس الراقي الذي لا يحتاج للكلمات للتعبير عن نفسه و فنه و آرائه، فهو يتمتع بحضور متميّز، و نشعر بغيابه رغم شخصيته الهادئة، أنا شخصيا أعتبره موسوعة، ألجأ إليها كلما احتجت للنصح، فهو لا يبخل بالمعلومات. حسان بوذراع مثال حي للنزاهة و صورة المثقف و الفنان الحقيقي، تعجبني فلسفته الرياضية، و طريقته في الرسم متميّزة و يسهل التعرّف على لمسته و بصمته دون عناء، خاصة من قبل من احتكوا به و عرفوه عن قرب. الكل يحترمونه و يقدرون روحه الثائرة و المتمرّدة على طريقته الهادئة، عرفته كصديق لوالدي و توطدت علاقتي به بعد اقتحامي مجال الرسم، لقد كان له تأثير واضح علي كرسامة، لأنني وجدت فيه الفنان المتواضع الذي يخفي بداخله رقة و براءة الطفولة، و لعل من أجمل أعماله التي أثارت إعجابي تلك التي رسمها لوالده، هي بالفعل مفعمة بالإحساس، كما يعجبني ذوقه الراقي في اختيار الألوان و مهارته العالية في مزجها بانسجام قد يعجز الكثيرون في تحقيقه مهما كانت خبرتهم و احترافيتهم. الفنان التشكيلي حسان شرفي لديه الطاقة لتدارك ما فاته و جعل أعماله أكثر نضجا حسان بوذراع فنان حساس يثير الاهتمام، خاصة لوحاته التي جسدها في الثمانينات و قبل انقطاعه عن مجال فن الرسم و اختياره وجهة أخرى أبعدته لفترة عن عالم الألوان و الفرشاة، و أنا شخصيا أتحسر على تلك الفترة التي قضاها بعيدا عن مجال موهبته و إبداعه و حرمه من مواكبة و صقل خبرته الفنية أكثر. ليس من السهل تقييم أعمال الآخرين لكن بكل موضوعية، أجد لوحاته المنجزة في بداية مشواره أكثر نضجا من تلك المجسدة بعد غياب طويل، هذا من الناحية التقنية، لكن عن الشخص فأن أراه حساسا، خجولا و كفنان فلديه الطاقة لتدارك ما فاته. كما لا يمكن الحديث عن بودراع دون التساؤل عن الظروف التي كانت وراء اختياره العزلة، و وحده الفنان نفسه قادر عن الإجابة عن ذلك. الفنانة شفيقة بن دالي حسين يشبه إيتيان دينيه أعتقد أن العبارات ستخونني ككل مرة، أريد فيها الحديث عن زميل و فنان بارع و متميّز كحسان بوذراع زميل الدراسة الذي لا زلت أتذكر الكثير من المواقف المسلية و المهمة التي عشناها كطلبة مولعين و متعطشين للفن و البحث و الاستكشاف، فأنا أعتبره الفنان الذي لا يمل و لا يتعب من البحث، لأنه يطمح للجيّد و الأفضل الرسم الذي لم يجسد بعد، فهو لا يرسم لأجل الرسم و إنما الرسم بالنسبة إليه موضوع بحث متواصل، بحث عن الجمال و أسرار كماله، تعجبني فيه ثقته الكبيرة في إبداعه، بساطته و هدوئه. نحن من نفس الجيل و تخرجنا من نفس الدفعة إن لم تخني الذاكرة حوالي سنة 1977عندما كنا نتقاسم أحيانا نفس لوحة الألوان و كم كنت أعجب بمهارته في مزج الألوان بسهولة و أطلب منه باستمرار أن يطلعني عن سره أو يعلمني الطريقة للتوّصل إلى نفس النتائج، لكنه كان يجيبني بضرورة العمل أكثر لتحقيق ذلك. كما أتذكر ردود أفعاله عندما لا يعجبه رسمه أو عندما يكون غير راض عما أبدعت أنامله، حيث كان يضع اللوحة أرضا و يجلس فوقها أو يدوس عليها بقدمه، تحت دهشة الزملاء، لا لشيء سوى لأنه يبحث عن الجودة. المعروف عن حسان بوذراع طيبته و جديته في العمل و حبه للمطالعة فهو شخص مثقف و سيكون مدرسة للذين يأتون من بعده، و أنا شخصيا أشبهه بإيتيان دينيه. أعتز بزمالته و صداقته و أقدّر جهده و فنه و تضحياته، و هكذا هو الفنان الحقيقي، مهما كانت الظروف، ينجح في مواجهتها بروحه المبدعة. التشكيلية لطيفة بوالفول حسان ضوء متأصل في الظل شديد العتمة كل من يحتك بحسان بوذراع يلحظ شخصه الكتوم، الهادئ، و اختياره للعزلة تجنبا للمشاكل، لأن روحه المسالمة و إحساسه العالي يجعلانه كضوء متأصل في الظل شديد العتمة، لأن شخصيته واقعية و دون قناع، فهو مثابر، و أحيانا أتساءل عن سر عزلته، ثم أقول يمكن هي طريقته في البحث عن عالمه و أفكاره الإبداعية، و لوحاته تعكس التوازن الجمالي و الانسجام في توزيع الألوان و تخفي فلسفة شخص له دراية كبيرة بعالم الفنون و خبرة و اطلاع. أعماله توحي أيضا بعمق الرؤية الفنية، و تخفي كذلك شخصية ثائرة، رغم الهدوء الذي يظهر عليه في الواقع. هو شخصية محبوبة و الجميع يكنون له الاحترام و التقدير.