لا يختلف إثنان في إدراج مدرب إتحاد الجزائر ميلود حمدي في خانة أبرز إكتشافات النسخة الحالية من منافسة دوري أبطال إفريقيا، لأن هذا التقني دشن مغامرته مع أبناء «سوسطارة» تزامنا مع إنطلاق دور المجموعات، بعقد لا يتجاوز صلاحيات المدرب المساعد، و كان مجهولا لدى كل المتتبعين، لكنه أصبح في ظرف زمني وجيز بمثابة التقني القادر على رفع التحدي، بفضل النتائج الميدانية التي حققها، فكانت ثمرة ذلك تأهل تاريخي إلى نهائي أغلى منافسة قارية، و التواجد على بعد خطوة من التاج الإفريقي، كما أن هذا التقني خرج بسرعة البرق من دائرة الظل و إنتزع «النجومية» عن جدارة و إستحقاق، بعدما ساهم في تفجير فرحة «المسامعية» و من ورائهم كل الجزائريين، مادام الأمر يتعلق بتمثيل جزائري على الصعيد القاري.حمدي، تقني فرانكو جزائري ولد بتاريخ 01 جوان 1971 بفرنسا، تربى و ترعرع بضواحي بوليو بمدينة سانت إيتيان الفرنسية، بدأ مشواره التدريبي في الفئات الشبانية لنادي فيترولاس الناشط في أقسام الهواة للدوري الفرنسي، و ذلك في جويلية 2004، إلا أن أولى محطاته في عالم التدريب لم تدم سوى 3 أشهر، حيث أجبر على الإنسحاب، ليبتعد عن العمل الميداني في النوادي لنحو 5 سنوات، قبل أن يستأنف نشاطه في جوان 2009 عبر بوابة نادي قنصلية مرسيليا، و أسندت له مهمة قيادة تشكيلة الأكابر التي كانت تنشط في الدرجة الخامسة لقسم الهواة، و قد نجح حمدي في تحقيق الصعود إلى دوري الدرجة الرابعة الفرنسية مع نادي «القنصلية»، بعد إستقرار مع الفريق دام موسمين، غير أنه وجد نفسه مجبرا على رمي المنشفة في ديسمبر 2011 عقب إنطلاقة متذبذبة في الموسم الموالي. بعد ذلك قرر حمدي خوض تجربة إحترافية في الخليج العربي، و حط رحاله بنادي الإتفاق السعودي، أين تكفل بمهمة تدريب الأصناف الشبانية، مع العمل على تجسيد برنامج تكوين على المديين المتوسط و الطويل، و هي محطة إستقر فيها التقني الفرانكو جزائري لمدة 3 سنوات، كما أنه حظي بثقة إدارة النادي للتواجد كمدرب مساعد لبعض التقنيين الذين تداولوا على قيادة تشكيلة الأكابر، لكن حمدي ظل يراهن كثيرا على الأصناف الشبانية لمواصلة العمل الذي كان قد سطره. و بحلول صائفة 2015 كان ميلود حمدي من بين الأسماء التي قررت إدارة إتحاد العاصمة جلبها في إطار الهيكلة الجديدة للطاقم الفني، سيما و أنها كانت قد فسخت عقد العجوز الألماني أوتو فيستر مباشرة بعد نهاية الموسم الماضي، على خلفية تجنب أبناء «سوسطارة» السقوط إلى الرابطة الثانية في آخر جولة، رغم أنها تمتلك فريق «النجوم و الملايير»، و عليه فقد إستقدمت المحضر البدني بوجمعة محمدي الذي سبق له العمل مع بلماضي في المنتخب القطري، و بعده جاء الدور على ميلود حمدي الذي كان بمثابة «المجهول» لدى المتتبعين في الجزائر، بينما ظلت هوية المدرب الرئيسي للإتحاد معلقة على نتائج المفاوضات مع نخبة من خيرة المدربين. هذا و قد كان لقاء الجولة الأولى لدور المجموعات في أواخر جوان 2015 بسطيف ضد الوفاق المحلي بمثابة المحطة التي فتحت الباب أمام حمدي نحو النجومية، لأن الفوز على بطل القارة في عقر داره دفع بالرئيس حداد إلى وضع الثقة في التقني الفرانكو جزائري لقيادة الطاقم الفني بصفة مؤقتة، مع بقاء محي الدين مفتاح برفقته، بعد رحيل زغدود، مقابل تجديد الثقة في المحضر البدني محمدي، و هي أمور تزامنت مع إعتذار البلجيكي جورج ليكنس عن قيادة إتحاد العاصمة، و كذلك الشأن بالنسبة لجمال بلماضي الذي كان إسمه في الأجندة. شعبية حمدي إزدادت في أوساط «المسامعية» مع مرور جولات دوري المجموعات، لأن الإتحاد حقق مشوارا إستثنائيا بإحرازه 5 إنتصارات متتالية، و ضمان تأهل عن جدارة و إستحقاق إلى المربع الذهبي، فكان رد فعل إدارة الرئيس حداد بتزكية المدرب المساعد حمدي لقيادة الفريق إلى غاية «الميركاتو» الشتوي، و لو أن نجم هذا التقني الشاب سطع في سماء الكرة الجزائرية بعد التألق قاريا بالتواجد في نهائي دوري أبطال إفريقيا، فأصبح الجميع يتساءل عن المدرب الذي حقق هذا الإنجاز التاريخي، مع التضارب حول أصوله، و ذهاب البعض إلى القول بأنه تونسي، مما إضطره إلى إستغلال فرصة الندوة الصحفية الأخيرة للتأكيد على أنه جزائري، لأنه كان «نكرة» عند توليه المهمة في 26 جوان 2015. هذا و قد أكد حمدي بأنه كان قد وافق على تحمل المسؤولية من منطلق إيمانه بالعمل الميداني، رغم إعترافه بأن الأمر كان عبارة عن مغامرة غير مضمونة العواقب، في ظل التواجد في مجموعة تضم 3 أندية جزائرية إلى جانب المريخ السوداني، لكنه أوضح بالمقابل بأن النجاح في تدشين المشوار بفوز في سطيف أعطاه المزيد من الثقة بالنفس و الإمكانيات، فضلا عن توفير إدارة الفريق كافة الظروف الكفيلة بتجسيد برنامج العمل المسطر، لتكون ثمار ذلك بلوغ النهائي و دخول التاريخ.على صعيد آخر فقد رفض ميلود حمدي إرتداء ثوب «البطل» في هذه الملحمة، و أكد على أنه مجرد عنصر من المجموعة التي حققت الإنجاز، لأن التواجد في النهائي ثمرة عمل بين جميع الأطراف، من مسيرين، لاعبين، مدربين و حتى الأنصار. من هذا المنطلق فإن إدارة إتحاد العاصمة كسبت الرهان بورقة التقني ميلود حمدي الذي سارعت إلى تنصيبه كمدرب رسمي على غاية جوان 2017، بعدما كان مشكل المدربين مطروحا بحدة في هذا الفريق، بإعتبار أن الرئيس حداد ظل يبحث عن «كبار» التقنيين في العالم، حيث جلب مدربين اشرفوا على قيادة منتخبات وطنية أمثال الفرنسي هيرفي رونار و الألماني أوتو فيستر، مع تفاوضه مع البلجيكي جورج ليكنس، و الفرانكو جزائري جمال بلماضي، و حتى الشيح سعدان كان ضمن القائمة، لكن هذا ميلود حمدي «المجهول» حقق ما عجزت عنه ألأسماء من العيار الثقيل في مجال التدريب، و الدليل على ذلك دخوله التاريخ في ظرف 98 يوما من إشرافه على قيادة الإتحاد، ليرد بذلك على البلجيكي باتريك أرسيمس الذي كان في مفاوضات مع حداد في أواخر جويلية المنصرم قد إشترط تنحية حمدي و جلب مساعد من بلجيكا من أجل الموافقة على العرض المقترح عليه.