وفاة ثلاثة عمال يخلّف حالة من الذعر في قطاع البناء بقسنطينة تسود حالة من التوجس و الاستياء في أوساط العمال الجزائريين بورشات بناء بالمدينة الجديدة علي منجلي تشرف عليها شركات تركية، بعد أن لقي ثلاثة عمال حتفهم في ظرف 5 أيام نتيجة سقوطهم من عمارات في طور الإنجاز، حيث غادر العشرات من العمال الورشات بدون رجعة مخافة تعرضهم لحوادث مماثلة، غير أن آخرين فضلوا العودة إلى العمل بعد أيام من الانقطاع، فيما تحدثت عائلة أحد الضحايا عن وجود محاولات لطمس معالم الحادثة. النصر وبعد حوادث السقوط المتتالية، ، قامت بجولة استطلاعية إلى القطب العمراني بالمدينة الجديدة ماسينيسا بالخروب، وتحدثت إلى العديد من العمال الجزائريين الذين أكدوا تسجيل حادثة رابعة أدت إلى وفاة عامل آخر، كما استمعت إلى تفسير مسؤولي الشركة التركية "أصلان" حول ظروف وملابسات حادثة الوفاة الأخيرة التي راح ضحيتها عامل في الخمسينيات من عمره. البداية كانت بمشروع إنجاز 600 سكن إجتماعي للشركة التركية أصلان المتعاقدة مع ديوان الترقية والتسيير العقاري، حيث لمسنا خلال تجولنا في الورشة جوا كبيرا من الحزن والإستياء في الورشة، التي توقف عمالها عن العمل لمدة يومين حدادا على الضحية المسمى جبالية صالح البالغ من العمر 52 سنة، أين وصف لنا شهود عيان ملابسات وظروف السقطة المميتة التي كادت أن تودي بحياة عاملين آخرين لولا تشبثهما في إحدى الأعمدة الحديدية، وقالوا أن الحادثة وقعت يوم جمعة على الساعة العاشرة صباحا، أين كان الضحية يعمل في الطابق الخامس، وكانت رافعة ضخمة تقوم بوضع الإسمنت المسلح بالطابق الخامس، ليسقط العامل فجأة من منصة الصقالة المهترئة، التي تم إصلاحها بعد الحادثة نحو الأرض، ما أدى إلى تعرضه إلى إصابات خطيرة على مستوى الرأس و في جميع أنحاء جسمه، مؤكدين بأن الضحية لم يكن مرتديا أي وسيلة حماية بدء من واق الرأس إلى الحذاء الواقي. وعبر عمال عن سخطهم من ظروف العمل التي وصفوها بالمزرية، وغير الملائمة لممارسة هذا النوع من النشاط، حيث عبر أحدهم قائلا "عن أي سلامة مهنية أو رقابة تتحدثون" إننا نعمل في ظروف قاسية جدا، إن الأجانب لا يحترمون قوانين العمل الجزائرية، و يتعاملون معنا بفوقية واحتقار، إننا نطالب وزارة العمل وجميع الهيئات المعنية، بفتح تحقيق معمق وزيارة الورشات التي تحولت إلى أماكن لممارسة التعسف من شركات أجنبية، في ظل غياب تام للجهات الرقابية". وأكد من تحدثنا إليهم بأن العديد من العمال توقفوا عن العمل مخافة تعرضهم إلى حوادث مماثلة، لكنهم عادوا إلى الورشة نظرا لظروفهم الاجتماعية الصعبة وعدم وجود بدائل أخرى، كما لاحظنا أن الورشة شبه خالية من العمال لاسيما العمارة التي وقعت فيها حادثة السقوط، كما وقفنا على نقص فادح في معدات السلامة من المخاطر المهنية، حيث أن أغلبية البنائين يعملون بملابس بالية وفي أحسن الأحوال، تجدهم مرتدين سترات ملونة، كما وقفنا على انعدام كلي للكمامات الواقية من الغازات والغبار، ناهيك عن عدم امتلاكهم لواقيات الرأس والوجه والقفازات والنظارات وواقيات الضوضاء والأحزمة الواقية من السقوط، حيث لاحظنا أنهم يتحركون ويتنقلون فوق أماكن عالية دون استخدامهم للأحزمة، ما يعرضهم إلى خطر السقوط في أية لحظة، في حين رصدنا العديد من العمال يعملون حفاة أو بأحذية بالية وممزقة. وما شد انتباهنا عبر جميع أنحاء الشركة هو تواجد عدد كبير من العمال الأفارقة القادمين من دول عديدة كالنيجر ومالي بالإضافة إلى بنين وغينيا، وذكرت لنا مصادر مطلعة بالورشة بأنهم يعملون دون رخصة عمل، حيث أن الشركة، حسب ذات المصادر، قامت بإحضارهم منذ أشهر في حافلة في ساعة متأخرة من الليل ويوجد من بينهم قصرّ، كما "أن المؤسسة تعمد في كل مرة إلى ترحيلهم عن الورشة وتعويضهم بآخرين"، وقد حاولنا الحديث إلى الأفارقة لكنهم رفضوا الإدلاء بأي تصريح. مسؤول المستخدمين بالشركة التركية وفاة العامل تصنف ضمن حوادث العمل العادية و الجزائريون يرفضون ارتداء وسائل الحماية من جهته رد مسؤول المستخدمين بالشركة التركية أصلان، خلال حديثه مع النصر، بأن وفاة العامل في الورشة تصنف ضمن حوادث العمل العادية التي طالما تعرفها الورشات، نافيا أن تكون الورشة غير مدعمة بوسائل الحماية كون مؤسسته تتكفل بتوفيرها، لكن العمال الجزائريين يرفضون ارتداءها أو استخدامها، أما فيما يخص العمال الأفارقة فقد تحفظ المتحدث عن تقديم تفاصيل بحجة أن جلبهم واستخدامهم في الورشات أمر يخص شركات المناولة التي تعاقدت معها الشركة. توجهنا إلى باقي الورشات التركية التي عرفت هي الأخرى حوادث سقوط مميتة، بدء بالشركة التركية "قوريقيز" المكلفة بإنجاز 3500 مسكن إجتماعي والتي عرفت حادثة وفاة الشاب المسمى بن جاب الله أسامة ،البالغ من العمر 18 سنة و القاطن بقطار العايش، كما زرنا ورشة إنجاز 3500 مسكن آخر المسند إلى شركة تركية تسمى "بوليران كومادان" التي عرفت حادثة وفاة الشاب حفاتي بلال البالغ من العمر 32 سنة، أين أكد لنا جميع العمال بأن ظروف العمل غير ملائمة على الإطلاق ولا توجد أي وسائل حماية للعمال،محذرين من مغبة وقوع حوادث مميتة أخرى، كما أكدوا بأنه طالما سجلت حوادث عمل تسبب في عجز دائم للعمال، آخرها ما حدث قبل 3 أشهر لعامل سقط على رأسه وهو الآن مقعد في البيت على حسب تعبيرهم، كما لم نتمكن من الحديث مع مسؤولي المؤسستين. تنقلنا إلى قرية جبايلية بمنطقة عين نحاس التابعة إداريا لبلدية ابن باديس، أين تقطن عائلة الضحية جبايلة صالح، في ظروف أقل ما يقال عنها بأنها مزرية وبائسة، استقبلنا أخوه و زوجته التي لا تزال تحت آثار الصدمة وعلامات الحزن بادية على وجهها، حيث تحدثت إلينا وهي تبدي تخوفا شديدا من ضياع حق أبنائها القصر، متحدثة عن وجود مساعي من طرف الشركة لطمس ظروف حادثة الوفاة إذ وبعد أن تم نقله إلى مستشفى الخروب تفاجئوا بإستصدار شهادة طبية تحمل توقيع أخصائية في التخدير والإنعاش، اطلعنا على نسخة منها تنص على أن الوفاة كانت بسبب سكتة قلبية، كما انها لم تحمل مكان الوفاة أو تفاصيل أخرى، ما دفع أهل الضحية وعلى رأسهم اخوها الذي أكد لنا بأنه احتج على الشهادة، ولولا تدخل بعض الأقارب العاملين في المستشفى لما تم تغيير الشهادة الطبية إلى حادث عمل، مشيرا إلى وجود محاولات لطمس معالم الحادثة، خاصة وأن مسؤولي الشركة لم يتحدثوا عن تفاصيل وكيفية التعويض، الضحية لم يكن مؤمنا اجتماعيا، إلا أن مسؤولي المؤسسة تعهدوا بتعويضهم ماديا، غير أنه أفراد العائلة غير مرتاحين للأمر كونهم لمسوا غموض في التعامل مع الملف، مطالبا بضرورة فتح تحقيق قضائي مستعجل لتمكين الضحية من حقوقه كاملة. من جهتها رفضت مفتشية العمل، على لسان مديرها الجهوي الإدلاء بأي تصريحات حول القضية الذي اكتفى بالقول بأن التحقيق جار لمعرفة ملابسات وظروف الحوادث الأربع.