تستقبل مصلحة الطب الشرعي لمستشفى مصطفى باشا الجامعي في الجزائر العاصمة، أسبوعيا، حالتي وفاة لعمال البناء بين 17 و25 سنة، يتعرضون للسقوط من أماكن عالية أو لصعقات كهربائية بورشات البناء، في غياب التصريح بهم لدى الضمان الاجتماعي من قبل رب العمل، خاصة بالقطاع الخاص. أوضح البروفيسور رشيد بلحاج، رئيس مصلحة الطب الشرعي للمستشفى، في لقاء مع “الخبر”، أن عمال البناء يعملون في ظروف صعبة لا تتماشى مع المقاييس العالمية المعمول بها لدى أمثالهم من عمال البناء عبر دول أخرى، فهم يتعرضون للسقوط من الشرفات أو يصابون بصعقات كهربائية في ورشات البناء. إهمال يتقاسمه ال”ماصو” ورب العمل وعن عدم التزام عمال البناء باحترام اللباس الخاص بهم، أوضح بلحاج أنهم مثلا عوض أن يلبسوا أحذية خاصة، نجدهم يتعمدون ارتداء أحذية بالية وممزقة، يسهل أن تمر عبرها مواد صلبة قد تؤدي إلى بتر الساق أو تتسبب في سقوطهم المميت. ورغم أن القانون الجزائري يحمي العمال، حيث تنص مواده على احترام مقاييس العمل ومنها ضرورة وضع وسائل الحماية مثل الخوذة والقفازات، إلا أنها مجرد قوانين لا تحترمها فئة كبيرة من عمال البناء، وذلك ما يعتبره محدّثنا إهمالا يتقاسمه، حسبه، الضحية ورب العمل على حد سواء. وأكد المتحدث أن 90 بالمائة من الضحايا الذين تستقبلهم مصلحة الطب الشرعي يعملون في القطاع الخاص الذي يشهد فوضى، ناهيك عن صغر سنهم، حيث إن غالبيتهم شباب تتراوح أعمارهم بين 17 و25 سنة. “والمصيبة الكبرى هي عدم استفادة عائلات هؤلاء الضحايا من أي تعويض، حيث لا يمكن إدراج الحادث ضمن حوادث العمل المؤدية للوفاة، والتي يتم التعويض عنها، كون الضحية لا يتمتع بأي حماية اجتماعية”، يضيف بلحاج. كما أن القطاع الخاص يتعمد عدم التصريح بالعامل لدى صندوق الضمان الاجتماعي، وبالتالي عدم استفادته من تعويضات. كما تلعب ظروف العمل دورا رئيسيا في وقوع حوادث العمل، حيث إن عدم احترام ساعات العمل دون استفادة البناء من استراحة، ناهيك عن استغنائه عن تناول وجبة الغداء التي من شأنها أن تزوده بطاقة متجددة، كل هذا يؤثر على صحته، لينعدم تركيزه على ما يقوم به، ما قد يفقده توازنه، وهو ما يفسر حوادث سقوط العمال من أماكن مرتفعة. ظاهرة أخرى أصبحت منتشرة في الآونة الأخيرة، أشار لها بلحاج، والمتمثلة في تشغيل اليد العاملة الأجنبية من أفارقة وسوريين ومغاربة وتونسيين دون ترخيص في مجال العمل، وعند وقوع حوادث عمل لهم يتحمل صاحب العمل النتائج الوخيمة، كونه تعمّد إيواء وتشغيل أجانب دون احترام نصوص التشريع الجزائري في مجال العمل. يشار إلى أن وضع عمال البناء في الجزائر يكاد يكون نفسه عبر مختلف الدول العربية، حيث أكد تقرير منظمة العمل العربية أن نسبة حوادث العمل في قطاع البناء تمثل 60% من مجموع الحوادث التي سجلت في مختلف القطاعات المهنية، مشيرا إلى أن أغلبها هي حالات سقوط من ارتفاعات شاهقة، إلى جانب الإصابة ب”الإجهاد الحراري” الناتج عن العمل تحت أشعة الشمس الحارقة، يحدث هذا في الوقت الذي يشكل ضمان التغطية الصحية والاجتماعية والتأمين على المخاطر، آخر اهتمامات الشركات العاملة في قطاع العقار، بدليل افتقاد هذا النوع من العمال لأهم الحقوق التي تضمنها الاتفاقات الدولية المتعلقة بالعمل، علما أن أكثر من 80% منهم يعملون بشكل حر، ويتم استقدامهم إلى ورشات البناء عن طريق وسطاء دون اعتماد السبل القانونية للعمل.