تحولت بلدية أولاد سمايل جنوب دائرة التلاغمة بولاية ميلة إلى إمبراطورية فوضوية لنشاط إعادة التدوير للألمنيوم والخردة الآخذ في التوسع على مساحة زراعية كبيرة، إضافة إلى فتح ورشات لصهر البطاريات والألمنيوم والبلاستيك داخل المنازل، بعد أن استقطب النشاط الكثير من البطالين. تحقيق: نور الهدى طابي * تصوير : الشريف قليب سلسلة طويلة حلقتها الأولى جامعو الألمنيوم و الخردة، ويتحكم فيها رجال أعمال جزائريون و أصحاب مصانع فلسطينيون، مصريون و أتراك، أدركوا بأن مزابل الجزائر ليست أقل مردودا من بئر بترول أو منجم ذهب، فاتخذوا من المنطقة المعزولة سوقا سوداء للمادة الأولية تصل تعاملاتها اليومية إلى ملايير الدينارات، تتم دون سجلات تجارية ولا فوترة، بعيدا عن رقابة الدولة، بالرغم من أن هذا النشاط يشكل أحد أهم أقطاب الصناعة الحديثة عالميا و أكثرها خطرا على البيئة و المحيط و الإنسان. الألمنيوم يبتلع 200 هكتار من الأراضي الفلاحية بالرغم من أن بلدية أولاد سمايل محدودة جغرافيا، و تفتقر لأدنى مقومات التنمية، كما لا تتمتع بأية خصائص ومميزات ، إلا أن سمعة المنطقة تعدت حدود إقليم ولاية ميلة، وإشتهرت بوصفها أكبر مكب للخردة في الجزائر ومركز لوحدات التحويل غير القانونية. رحلتنا إليها بدأت من إحدى نقاط تجميع النفايات ببلدية ابن باديس بقسنطينة، أين تنشط مجموعة من الشباب في تجميع النفايات البلاستيكية و كل أنواع الخردة، وهو نشاط توسع بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، تقربنا منهم لمعرفة طبيعة عملهم وهوية زبائنهم، وسر إقبالهم على نبش قمامة الجزائريين بحثا عن قارورة بلاستيكية أو آنية معدنية وحتى قارورة بخاخ عطرية فارغة. "منير،ه"، كان أول دليل لنا، أخبرنا بأنه يعد أصغر حلقة في سلسلة تجميع الخردة التي تصب كلها في منطقة واحدة هي بلدية أولاد سمايل بالتلاغمة، موضحا بأنه باشر هذا النشاط منذ حوالي عشر سنوات بتوجيه من زوجته بعدما كان عاطلا عن العمل، إذ نصحته بامتهان تجميع النفايات البلاستيكية و بيعها اقتداء بوالدها الذي استطاع تكوين ثروة صغيرة من هذا النشاط. ومن هناك بدأ منير، رحلته مع القمامة التي تنطلق عادة عند الساعة الرابعة صباحا، إذ يجوب مزابل الأحياء بحثا عن ضالته، بواسطة شاحنة لنقل البضائع تملأ عن آخرها قبل أن يجد لنفسه، مكانا لفرز غلة اليوم و وزنها، فلكل شيء ثمن يحدد حسب نوعية المادة الأولية و لونها و استخداماتها و حجمها، بعد ذلك يقوم بترتيب " بضاعته" وضغط القوارير البلاستيكية و التخلص من الأشياء غير المفيدة وغير القابلة للتدوير قبل أن يعمل على إعادة تجميعها في أكياس يزنها و يتوجه بها نحو زبائنه. محدثنا أسر لنا بأن دخله اليومي من تجميع و بيع قارورات الألمنيوم و البلاستيك و الخردة يراوح 3000دج، بينما يصل شهريا إلى 10 ملايين سنتيم، و يتعدى سنويا 50مليون سنتيم، وهو ما سمح له باقتناء شاحنة من الوزن الثقيل يعمل على تأجيرها مقابل دخل سنوي معتبر، سمح له بشراء قطعة أرض و بناء منزل متعدد الطوابق، ليختم حديثه معنا معلقا بسخرية " إنه النفط". فضولنا دفعنا للبحث عن ثاني حلقة بعد التجميع فقادنا التحقيق، إلى بلدية أولاد سمايل، التي تبعد عن وسط مدينة التلاغمة بحوالي 3كلم، هناك وقفنا على أكبر مكب للخردة و الألمنيوم و البلاستيك والنحاس و الحديد في الجزائر، مساحات متفرقة مسيجة تحرسها كلاب، خصصت لتجميع المادة الأولية يطلق عليها أصحابها تسمية " الحظائر"، تمتد إلى خارج إقليم البلدية باتجاه مدينة أم البواقي، على طول 200هكتار، كلها أراض زراعية أخبرنا مستغلوها بأن بعضهم مستأجرون بينما يحوز آخرون على عقود ملكيتها، قبل أن نكتشف لاحقا بأنها أراض تابعة للدولة، استولى عليها سكان البلدية الذين عرفوا بامتهانهم لهذا النشاط منذ ما يزيد عن عشرين سنة. بلاستيك،نحاس،حديد... لكل شيء ثمن تبدأ حدود السوق السوداء للخردة من مفترق الطرق الرابط بين بلدية التلاغمة و الطريق المؤدي نحو أم البواقي،على امتداد البصر تنتشر حوالي 200 حظيرة عشوائية لتجميع الخردة و النفايات، إضافة إلى وحدات تحويلية لطحن و تسبيك ورسكلة، كل أنواع النفايات القابلة لإعادة التدوير، منطقة صناعية ناشطة تعد بالكثير في حال تم تنظيم نشاطها لتكون مستقبل قطاع إعادة التدوير في الجزائر خصوصا و أنها تتوفر على أزيد من 45 وحدة ناشطة في مجال التحويل، و يد عاملة ذات خبرة و استعداد مسبق للعمل في مجال تجميع و إعادة استغلال مختلف أنواع النفايات. تتم التعاملات بين جامعي القمامة و بائعي الجملة، بالكيلوغرام و أحيانا بالقنطار، و تختلف تكلفة كل بضاعة عن الأخرى حسب جودتها، و حجم الإقبال عليها من طرف المتعاملين الكبار من أصحاب المصانع. وبالرغم من أن غالبية تجار الجملة لا يحوزون على رخص نشاط أو سجلات تجارية و يفضلون العمل بطريقة غير شرعية للتهرب من الضرائب التي تصل إلى 3ملايين سنتيم سنويا، إلا أن سوقهم تعرف رواجا كبيرا، وتعتبر أكبر ممول لمصانع الألمنيوم و النحاس و الحديد، بولايات سطيف و الجزائر، و وهران و تيارت وعين تموشنت. "هنا لكل شيء ثمن؛ يزيد أو ينقص حسب نشاط السوق و حجم الطلب"، هكذا أخبرنا السيد عمار، وهو أحد ملاك الحظائر المتخصصة بتجميع وبيع الخردة بأولاد سمايل، فعلى سبيل المثال يصل كيلوغرام قارورات البلاستيك السميك إلى 200دج، قد يزيد و ينقص حسب اللون و وضعيتها " نظيفة أم متسخة"، أما كيلوغرام الألمنيوم فيتراوح بين 360 الى 750دج، أي أن قيمة القنطار قد تصل أحيانا إلى 2مليون سنتيم و قد تتعداها إلى ما هو أكثر، بينما يصل سعر كيلوغرام بطاريات السيارات المستعملة الى 550دج وهي مواد محظورة قد يؤدي تجميعها إلى عقوبات من طرف رجال الأمن، في حال ضبطت داخل سيارة جامع الخدرة لأنها مواد قد تستعمل في صناعة المتفجرات. محدثنا أوضح بأن التعاملات تتم عادة بالطن أو القنطار، و احتساب القيمة لا يكون ثابتا لأن السوق تعرف فترات نشاط و ركود، فسعر قنطار الألمنيوم مثلا قد يصل إلى 8000دج و قد يتعداه إلى 10آلاف دج. على بعد 100متر تقريبا، دخلنا واحدة من أكبر حظائر تجميع و رسكلة الحديد في أولاد سمايل، تتسع لما يعادل 50 ألف طن من خردوات الحديد، وتستقبل يوميا قرابة 120طن، قيمة القنطار الواحد 4ملايين سنتيم. لا يقتصر نشاط هذه الحظيرة التي تعد بمثابة الممول الرئيسي لمصنع الحديد ببطيوة بوهران فضلا عن احد المتعاملين الاتراك على تجميع خردوات الحديد، ، يعمل مالكها على إعادة تدويره و ترصيصه، قبل شحنه باتجاه المصنع الذي يمنحه نسبة معينة من الأرباح تصل شهريا إلى 10ملايين سنتيم . وقد أوضح صاحب الحظيرة، بأنه عمد مؤخرا إلى تقنين نشاطه و استخراج سجل تجاري، و شراء تجهيزات خاصة للرسكلة كلفته كما قال قرابة 12 مليار سنتيم، لا يزال ينقصها جهاز التصفية لحماية البيئة " الفيلتر"، الذي قال بأنه يرفض إنفاق 2 مليار سنتيم على شرائه و تركيبه، في وقت لا تزال الدولة تعتبر نشاطه غير منظم، و لم تعلن منطقة أولاد سمايل بعد كمنطقة صناعية يحق لمستغليها الاستثمار فيها، لأنه يخاطر بخسارة استثماره في حال قررت الدولة استعادة أراضيها مستقبلا. نشاط البلدية لا يتوقف، و عدد الحظائر لا ينفك يرتفع كما أوضح جامعو القمامة و أصحاب الحظائر، إذ تمتد نقاط التجميع داخل النسيج العمراني أين يقوم أصحاب وحدات التحويل، بعجن قناطير مقنطرة من النفايات البلاستيكية التي تصل مكباتهم يوميا من قبل جامعي القمامة،علما أن القنطار الواحد من القارورات البلاستيكية يستخرج منه وزنه من البلاستيك المطحون، الذي يرتفع سعره بحوالي ألف دج عند بيعه للمصانع. بالمقابل تعمل حظائر أخرى على صهر الألمنيوم و النحاس و الحديد داخل أفران خاصة، حاولنا دخولها و الحصول على صور لها لكننا منعنا من قبل ملاكها الذين علموا بوجودنا في المنطقة حتى قبل أن نصل إليهم و أعطوا تعليمات بغلق الأبواب ومنعنا من الدخول. أخبرنا عمال من داخل واحدة من أكبر حظائر رسكلة الألمنيوم في أولاد سمايل، بأن العملية تتم عادة في الفترة الليلية أو عند الفجر، لتجنب مداهمات دوريات الدرك الوطني، إذ يتم إفراغ كميات من الألمنيوم المعالج أي " بعد الفرز و التقطيع"، داخل أقبية مجهزة بأفران كبيرة تشبه فرن الخباز لكنه أكبر بحوالي خمس مرات، يدفن تحت الأرض و يستغل في إعادة تدوير هذه المادة التي توجه مباشرة نحو مصانع ولاية سطيف. أما بالنسبة لبطاريات السيارات و المكيفات فتصهر داخل أفران تشبه تلك الخاصة بالتدفئة المركزية، أو تحرق الطبقات المغلفة لها و تباع كمادة خام لمصانع بالعاصمة، بينما يوجه الحديد إلى وهران، و يهرب النحاس المسروق من كابلات الكهرباء نحو تونس بقيمة 2ملايين سنتيم للقنطار. سوق سوداء يتحكم فيها أتراك مصريون و فلسطيني خلال تواجدنا بأولاد سمايل، تمكنا من دخول العديد من الحظائر و الحديث إلى ملاكها و العاملين على مستواها، فأدركنا بأن جمع النفايات البلاستيكية و الخردة، مهنة متوارثة في المنطقة لا يعرف أبناء البلدية غيرها. أوضح لنا مالك الميزان الكبير الوحيد المتواجد بالمنطقة والمخصص لوزن شاحنات البضائع، بأن العزلة المفروضة على البلدية دفعت بأبنائها إلى المزابل هربا من البطالة و بحثا عن لقمة العيش، مشيرا إلى أنه واحد من الكثيرين وقد بدأ صغيرا جدا كجامع للخردة قبل أن يتمكن من امتلاك حظيرته الخاصة لتجميع الألمنيوم و إعادة بيعه، ثم اهتدى بعد ذلك الى شراء الميزان " الباسكولة" التي كلفته 300مليون سنتيم، قال لنا بأنه ابتاعها من مدينة وهران. أما عن تكلفة الوزن فتختلف كما قال، حسب حجم الشاحنة، فتلك الصغيرة من نوع " بيجو 404" وهي الشائعة، توزن مقابل100دج، أما الشاحنات الكبيرة المخصصة لنقل البضائع فتوزن مقابل200دج، علما أن عدد الشاحنات التي تمر يوميا على الميزان يتعدى 100 شاحنة. تركناه و واصلنا رحلتنا بين حظائر الرسكلة و وحدات التحويل المنتشرة حتى داخل المنازل، تقربنا من بعض ملاكها فأجبرونا بأن المنطقة عرفت توسعا كبيرا منذ سنة 2000، بعد دخول مستثمرين أجانب على الخط يعملون في مجال الألمنيوم و الحديد، أكبرهم مستثمر فلسطيني، أما البقية فهم مصريون و أتراك و جزائريون كذلك، منهم من يعمل بطريقة مباشرة مع أصحاب الحظائر ومنهم من يتعاقد مع ملاك الشاحنات الكبرى اللذين يمثلون حلقة الوصل بين الزبون و جامعي الخردة. من جهة ثانية أكد لنا أحد أصحاب الحظائر بأنه سمع عن مستثمر ياباني جديد، قيل له بأنه ينوي النشاط في مجال استرجاع الأجهزة الالكترونية كالهواتف النقالة و أجهزة الكمبيوتر، و التي يستخرج منها الذهب حسبه. عمالة غير مؤمنة وسكان يشتكون التلوث والأمراض الملاحظ هو أن غالبية العاملين بمكبات الخردة بأولاد سمايل، ينشطون بطريقة بدائية دون استعمال وسائل واقية، لا قفازات و لا كمامات، جلهم لا يتمتعون بأي تأمين يذكر، بل يتم تشغيلهم دون تصاريح أو عقود، و السبب هو أن أرباب عملهم يفتقرون لسجلات تجارية تقنن نشاطهم، أما بالنسبة لأصحاب الأنشطة المصرحة فقد أوضح لنا أحدهم، بأن عماله يرفضون اقتطاع مبلغ التأمين من دخلهم اليومي، الذي يحدد بنسبة معينة عادة، تضبط بدورها بحسب كمية البضائع التي تدخل الحظيرة، وهو ما يعادل من 1000 دج إلى 3000دج يوميا، إذ يفضلون الحصول على المبلغ كاملا عوضا عن الحصول على التأمين. أما باقي سكان المنطقة وعددهم 20 ألف نسمة، فيعانون في صمت منذ سنوات، بسبب تبعات هذا النوع من النشاط، الذي شجعت أرباحه المراهقين و حتى الأطفال على ترك المدارس و التوجه نحو الحياة العملية أي النبش في المزابل سعيا خلف حلم الثراء السريع. من جهة ثانية يطرح مشكل تلوث المياه و الهواء الناجم عن السوائل الحمضية و الغازات السامة المنبعثة من عملية حرق الطبقات المغلفة للمعادن آو صهر البطاريات، و البلاستيك و الألمنيوم، وهي غازات مشبعة بالرصاص و الزنك و البلاتين، أثرت سلبا على صحة السكان، و أدت إلى انتشار أمراض الربو والحساسية بشكل كبير بين مختلف الفئات العمرية و من الجنسين. كما تم تسجيل ارتفاع في حالات الوفيات الناجمة عن مرض السرطان، و القصور الكلوي، و استفحال مشكل العجز الجنسي و الإجهاض، إضافة إلى ظهور أمراض جلدية عديدة، سببها اختلاط زيوت التشحيم و المواد البتروكيميائية التي يتم تفريغها من بعض العبوات و البطاريات بمياه الشرب، خصوصا المياه الجوفية التي تعد المصدر الوحيد للسكان الذين يفتقرون للربط بشبكات المياه، وذلك حسب ما أفضى إليه استطلاع شمل عددا من سكان المنطقة، الذين عبروا عن تخوفهم من ردة فعل أصحاب الحظائر، في حال قاموا بطرح المشكل بصفة علنية، مؤكدين بأنهم تقدموا مرارا من مصالح بلدية التلاغمة للشكوى، كما راسلوا مديرية البيئة بميلة لكن دون جدوى. مديرة البيئة بميلة: تواطؤ السكان و بعض الأطراف يصعب مهمة الرقابة بهذا الخصوص أوضحت مديرة البيئة لولاية ميلة بوجدير نجاة، بأنها سبق و أن اطلعت الوصاية ممثلة في الولاية والوزارة على واقع النشاط الفوضوي الموازي الحاصل بمنطقة أولاد سمايل ، و ذلك من خلال تقرير مفصل عن الوضع، أشارت فيه إلى أن المنطقة مهددة بكارثة بيئية و صحية في حال استمر الوضع، خصوصا و أن مصالحها تعجز عن التحكم في نشاط أصحاب المكبات الذين يبرعون في التحايل على القانون، تماما كما تعجز عن معرفة نسبة التلوث الناجمة عن الغازات المنبعثة، بسبب افتقارها لجهاز قياس التلوث. و باستثناء وحدة تحويل البلاستيك الكائنة بمدينة شلغوم العيد و أحد المتعاملين الناشط في مجال تحويل مطاط العجلات، فإن بقية المتعاملين في هذا المجال يمارسون نشاطهم دون اعتمادات آو تراخيص، رغم خطورة هذا النشاط وحساسيته، كما أضافت المسؤولة، مؤكدة بأن بعض جامعي النفيات يتحايلون على مصالح الرقابة من خلال استخراج سجلات تجارية من قسنطينة، ما يمنحهم نوعا من الحصانة الإدارية كونهم ينشطون خارج نطاق الاختصاص الإداري لولاية ميلة، أما البعض الآخر فلهم معارف حولوهم إلى "بارونات"، تنشط بطريقة شرعية لكنها تمول السوق. أما المشكل الأكبر فيكمن حسب المسؤولة، في وجود بعض السكان الذين يمارسون بدورهم نشاط التحويل داخل أقبية منازلهم، أين قاموا بتركيب أفران لصهر البلاستيك و الألمنيوم، و الأخطر من ذلك بطاريات السيارات، وهو ما أعاق تدخلات مصالح البيئة و الرقابة التابعة للسجل التجاري، وأدى إلى استفحال هذا النشاط الفوضوي، الذي تشير آخر الإحصائيات بشأنه إلى تسجيل ما يزيد عن 200 جامع للنفايات، و 45 وحدة للتجميع تنشط داخل المحيط السكني، يتحايل أصحابها على القانون من خلال عدم التصريح الفعلي بنوعية وحقيقة نشاطهم، إذ أن تراخيص عملهم تحصر ممارستهم في جمع النفايات المعدنية، لكنهم و بالتواطؤ مع بعض السكان يقومون بحرقه و تحويلها داخل المنازل للتهرب من الرقابة. كما يطرح مشكل استحالة التدخل لتفتيش المنازل دون رخصة من وكيل الجمهورية، وإلا فإن لجان الرقابة ستتابع قضائيا بتهمة انتهاك حرمة منزل، أما المعضلة الحقيقية فتكمن في شبكة علاقات أصحاب هذه الحظائر و الوحدات التحويلية، التي تخول لهم معرفة تواريخ المداهمات و برنامج نشاط دوريات الرقابة و بالتالي اتخاذ احتياطاتهم مسبقا، ما يضع الجهات الرقابية دائما أمام حتمية وجود أطراف إدارية متواطئة مع هؤلاء. رئيس بلدية تلاغمة: نتوجه لتنظيم النشاط من خلال خلق منطقة صناعية نهاية تحقيقنا أوصلتنا الى مكتب رئيس بلدية تلاغمة عبد العزيز أحمد، الذي اعترف بأن منطقة أولاد سمايل تعد بمثابة نقطة سوداء، أصبح التعامل معها ضرورة قصوى و أولوية، بسبب توسع نشاط جامعي النفيات و أصحاب وحدات التحويل و الرسكلة العشوائية، الذي أتى على مساحة 200هكتار من الأراضي الزراعية التابعة للدولة، إضافة إلى جزء هام من المنطقتين الصناعيتين الرئيسيتين، ما تطلب حسبه اقتراح مشروع لإنشاء منطقة صناعية متخصصة لاستيعاب هذا النشاط خصص لها وعاء عقاري بسعة 46 هكتار، بجبل تايوالت، سيوزع على المستثمرين أصحاب التراخيص و السجلات التجارية. و أضاف المسؤول، بأن ظاهرة التجميع و التحويل لطالما كانت شائعة في المنطقة، لكنها استفحلت بشكل كبير بعد ترحيل سكان منطقة قطار العيش بقسنطينة، حيث استقر غالبيتهم بأولاد سمايل، لتخرج بذلك الأمور عن السيطرة، و يرتفع عددهم من 76 جامع للقمامة سنة 2012 إلى أزيد من 200 حاليا. المتحدث أشار إلى أن كل جهود البلدية للتصدي لهؤلاء الأشخاص باءت بالفشل، لأن غالبيتهم يتمتعون بشبكة علاقات قوية، تخول لهم الحصول على سجلات تجارية و تراخيص للنشاط دون المرور بالبلدية و دراسة مشاريعهم و المصادق على ملفاتهم. وقد تم في الفترة الأخيرة حسبه تنظيم حملة مراقبة على مستوى منطقة النشاط أسفرت عن تحرير 7 مقررات غلق، ضد المخالفين، لكن أحدهم تمكن من الحصول على ترخيص بالنشاط من مديرية البيئة بالرغم من أنه يقوم بصهر و تحويل البطاريات. من جهته أضاف الأمين العام لدائرة التلاغمة كمال مكرود، بأن لجنة مشتركة مكونة من مصالح البلدية والدائرة و التجارة و البيئة و الأسلاك الأمنية، قد جندت لغرض متابعة الوضع بالمنطقة و التحكم في نشاط هؤلاء الأشخاص، وذلك في انتظار تحرير القطعة الأرضية التي اقترحت سنة 2007 لاحتوائهم، و التي رفضت مصالح الفلاحة التنازل عنها بحجة أنها أرض زراعية، بالرغم من كونها منطقة حجرية مهملة منذ سنوات، إذ يتوقع أن تفصل المركزية في ملف الوعاء العقاري قريبا ، ليدخل حيز الاستغلال الرسمي، ما سيسمح بضبط نشاط جامعي النفايات و الخردة، و أصحاب وحدات التحويل ولو بشكل نسبي، خصوصا وأنها ستتدعم بمركز للردم التقني على مستوى بلدية المشيرة، سيحول لتجميع نفايات منطقة واد سغان و التلاغمة و المشيرة. وحسب ذات المصدر، فإن الإسراع في إنشاء منطقة نشاط صناعي قانونية، من شأنها التصدي للخطر المحدق بمشروع محيط السقي الكبير الذي باشرت الدائرة العمل عليه، قبل سنوات و الذي يمتد على مساحة قدرها 8400 هكتار، يرجح بأنها ستزول مع مرور الوقت بسبب زحف سرطان النفايات و الألمنيوم، الذي أتى إلى غاية الآن على مساحة واسعة من الأراضي الفلاحية الخصبة.