اختار الحلفاء اسما شاعريا لحملتهم العسكرية على العقيد، اسم يذكر بالأسماء الشاعرية التي ظلت إسرائيل تطلقها على مختلف عملياتها ضد العرب. وإذا كانت قصة الملحمة الإغريقية معروفة فإن اسقاطاتها على الواقع الليبي يطرح عديد الاستفهمات، وعلى رأسها: من يكون أوليس في الحكاية الليبية وممن سينتقم بعد عودته، ومن تكون بينيلوب ومن هم مضطهدوها الذين سيلقون العقاب على يد الحبيب العائد؟ ثمة مكر مقصود في اختيار مرجعية غربية لحملة على بلد عربي يثور لتغيير حاله وثمة لعبة رموز يمكن أن نقرأ منها على الخصوص: مثلما احتجتم إلى صواريخنا وطائراتنا وحاملاتها لإكمال ثورتكم فإنكم تحتاجون إلى "أساطيرنا المؤسسة" لتفسيرها. وإذا أسرفنا في سوء الظن فإننا نقرأ أيضا بأن بينيلوب الزوجة المعذبة التي تلهي طالبي يدها بحياكة ثوب العرس هي ليبيا وأن الزوج العائد هو ذلك المحارب الذي يقود طائرة رافال أو يبحر في حاملة الطائرات "شارل دوغول". والحكاية تحيل إلى العقيدة الاستعمارية التي يبحث لها الغرب الآن عن أغلفة جديدة. وربما برّر من أطلقوا تسمية "فجر الأوديسا" على حرب ليبيا بعبور أوليس على هذه الأرض في ملحمة الشاعر الإغريقي هوميروس، لكنهم لن ينجحوا أبدا في إخفاء التورية الخطيرة التي تفصح عن ترجمة عسكرية لصراع الحضارات. صحيح أن الثورات العربية على حق وصحيح أنها نتيجة لأسباب تقدمت وتراكمت، لكن اليد الغربية التي امتدت لترافق هذه الثورات ليست بيضاء و ساركوزي الفرح بقيادة الحرب على الديكتاتور هو ساركوزي ذاته الذي امتدح الديكتاتور ذاته وعمل من أجل إعادته إلى المسرح الدولي و أرسل زوجته السابقة لتفاوضه في الخيمة ذاتها وربما دعاها إلى الإسلام، كما يفعل عادة مع النساء الغربيات، قبل أن ينصب الخيمة ذاتها في قلب باريس. اليد الغربية التي امتدت تريد في النهاية تحريف مقاصد الثورات وجني ثمارها كما فعلت مع أنظمة عملت على إدامتها بل وكما عملت مع تنظيمات إرهابية وظفتها في خدمة أهدافها الاستراتيجية وإشباع شهيتها المفتوحة للنفط. لكل ما سبق، يبدو الفرح بفجر الأوديسا في غير محله، لأن عوليس هنا يريد إفساد الثورة وليس نصرتها.