الورود تعود إلى غرناطة إفريقيا جعل منها مؤسسها الولي الصالح سيدي الكبير في سنة 1535، غرناطة المتيجة و إفريقيا، بورودها و أزهارها و حدائقها الغناء، لكن بمرور الزمن، فقدت مدينة البليدة فضاءاتها الخضراء و ورودها و رونقها و غزاها الإسفلت و الإسمنت و الركود، فتحولت إلى تجمعات سكنية مكثفة، تفتقد لمظاهر الخضرة و الجمال و استمر هذا الوضع المؤسف لعقود طويلة، إلى أن شرعت السلطات المحلية مؤخرا في إعادة الورود إلى مدينتها، انطلاقا من بوابات مداخلها الرئيسية.بدأت الورود تعود تدريجيا إلى مدينة الورود، بعد أن كانت مفقودة تقريبا لعقود طويلة، و بالرغم من أن مدينة البليدة لم تعد كسابق عهدها، عندما كانت تزين الورود كل الساحات العمومية و الحدائق و شرفات المنازل، إلا أن الأوضاع بدأت تتحسن تدريجيا، خاصة في مداخل المدينة التي شرعت السلطات الولائية في تزيينها بالمساحات الخضراء والورود والأشجار، لإعادة الوجه الجميل للمدينة الذي ارتبط بها في عقود سابقة إلى أن وصفت بمدينة الورود لكثرة زراعة الورود وانتشارها بشكل كبير في المدينة. قرار إعادة الوجه الجميل لمدينة الورود اتخذه والي الولاية عبد القادر بوعزقي، مباشرة بعد تعيينه على رأس الولاية في الصيف الفارط، فكان أول قرار أعلن عنه بعد تعيينه و أكد بأنه سيعمل على تنفيذه، هو إعادة الورود والأزهار إلى مدينة الورود، متأسفا في نفس الوقت على الوضع السيئ الذي أصبحت عليه المدينة من انتشار للأوساخ والنفايات وغياب التهيئة و الورود عن المدينة التي اشتهرت بها حتى في الفترة الاستعمارية. عمارات و واجهات تجارية تخفي الوجه المشرق للمدينة كانت الإدارة الاستعمارية تنظم مهرجانا للورود في فصل الربيع من كل سنة، و تطلق من خلاله ما يسمى ب»معركة الورود»، أين يتراشق الفرنسيون في ساحة التوت بوسط مدينة البليدة بالورود، و لم يكن يسمح للجزائريين المشاركة في الاحتفال، وبعد استقلال الجزائر، حافظت مدينة الورود على أزهارها وورودها لكنها بدأت تتراجع تدريجيا، و بدأ هذا التغيير يظهر من خلال تغيير الأشكال المعمارية للمنازل، فكل السكنات القديمة كانت تتوفر على حدائق تزينها الأشجار المختلفة و الورود، لكن البنايات الحديثة تختلف بشكل كبير عن القديمة. الملاحظ أن بعض البنايات القديمة التي كانت تضم مسكنا وحديقة، تحولت بعد هدمها إلى عمارات من08 طوابق أو أكثر والحدائق التي كان تزين واجهة هذه المنازل اختفت وتحولت إلى محلات تجارية و فقدت بذلك مدينة الورود، بسبب التغيير في النمط العمراني، الكثير من ورودها وأزهارها التي كانت تزينها. في نفس الوقت لم يكن هناك أي اهتمام بالنسبة للأحياء السكنية الجديدة في ما يتعلق بالحدائق العمومية والساحات المخصصة للعب الأطفال، وما وجد منها فهو مهمل ولا يخضع للصيانة وتحولت هذه المساحات، إما لفضاءات للمنحرفين أو أماكن غطتها الأحراش والنفايات، كما تأثرت الورود بالأزمة الأمنية التي عرفتها الجزائر في العشرية السوداء، حيث تراجعت مشاتل الورود بشكل كبير، خاصة بمنطقتي الصومعة و حلوية اللتين تشتهران بمشاتل الأشجار والنباتات والزهور، وقلت معها محلات بيع الورود بوسط المدينة، كما ارتفعت أسعار الورود ووصلت إلى 100 دينار للوردة الواحدة،و لجأ أصحاب المحلات لتسويق الورود الاصطناعية أمام قلة الطبيعية. و في ظل عودة الأمن والاستقرار، بدأت مشاتل الورود تعود تدريجيا ، لكن وجه مدينة البليدة لم يرجع إلى سابق عهده، إلا في السنوات الأخيرة أين بدأت السلطات الولائية من خلال عدة مبادرات لإعادة بعث الورود من جديد وتنظيم حملات نظافة واسعة على أمل استعادة الوجه الجميل للمدينة . وفي إطار هذه المساعي، أطلقت السلطات المحلية مهرجان الربيع البليدي و صالون الورود في سنة 2012، ليصبح سنويا، و تتخلله عدة نشاطات منها معارض لمختلف النباتات والورود بالشارع الرابط بين ساحتي التوت وباب السبت، و يدوم هذا النشاط لمدة شهر كامل بهدف تحسيس المواطنين بأهمية تزيين المدينة والعودة إلى غرس الورود في الحدائق وساحات المنازل، إلا أن صدى هذا النشاط لم يكن كبيرا ولم يتغير وجه المدينة و بقيت صور المزابل الفوضوية تفرض وجودها بعدة مواقع حتى أصبحت تلقب مدينة البليدة بمدينة المزابل لا مدينة الورود، ورغم إنشاء مؤسسة عمومية ذات طابع اقتصادي خاصة بالنظافة مهمتها جمع القمامة و إزالة النفايات التي شوهت صورة المدينة، إلا أن النتيجة لم تكن بالمستوى المطلوب، حيث اقتصر دورها في رفع القمامة بانتظام، في حين الأحياء والشوارع بقيت على عهدها ولم تتزين ولم تعد للمدينة جمالها. حدائق عمومية لا تفتح لعامة الناس تتوفر مدينة البليدة على عدة حدائق عمومية، كانت في السابق تزين الأحياء بأزهارها وورودها وتعد المكان المفضل لراحة العائلات و المتقاعدين خاصة، لكن وضعيتها تدهورت في السنوات السابقة، ومنها ما أغلقت وأخرى تحولت إلى ملجأ للمنحرفين، مثل حديقة 19 جوان، وبهدف إعادة الاعتبار لهذه الحدائق شرعت السلطات المحلية في ترميم وإعادة تشجير هذه الحدائق، حتى تساهم في إعادة المنظر الجميل لمدينة البليدة، لكن عدة حدائق رممت وزينت و بقيت مغلقة في وجه عامة الناس. وكان والي الولاية خلال زياراته الميدانية لمدينة البليدة والبلديات المجاورة، قد انتقد غلق هذه الحدائق وعدم فتحها للمواطنين للجلوس فيها، منتقدا إحاطة هذه الحدائق بجدار و أبواب، وأضاف بأن الحديقة العمومية في أصلها تفتح لعامة الناس ولا تغلق و تحاط بجدار. بعد هذه الملاحظات التي قدمها الوالي للمسؤولين المحليين أعيد فتح عدة حقائق في وجه الجمهور، منها حديقة بن بو العيد التي تم دعمها بألعاب للأطفال، إلى جانب حديقة أولاديعش التي كانت مهملة و حديقة بوفاريك، المحاذية لمحطة سيارات الأجرة التي كانت مغلقة ولا يسمح للمواطنين بدخولها، في حين في الأيام الأخيرة تم فتحها وتحولت إلى متنفس للمسافرين و السكان. وفي إطار توسيع الاهتمام بالمساحات الخضراء وتزيين المحيط، قرر والي الولاية مؤخرا، توسيع مؤسسات المساحات الخضراء، النظافة و الإنارة العمومية إلى مؤسسات عمومية ولائية ذات طابع اقتصادي، بدل أن تبقى تابعة لبلدية البليدة فقط، وهدفها تخفيف العبء على رؤساء البلديات و تحويل ملفات النفايات وتزيين المساحات الخضراء و الإنارة العمومية للمؤسسات المذكورة، قصد إعادة الوجه الجميل لمدينة الورود وبلديات الولاية، و يتفرغ بالمقابل رؤساء البلديات للمشاريع التنموية. تجند تام لاستعادة وجه المدينة و قد أطلقت مؤخرا مصالح ولاية البليدة حملة واسعة لغرس أزيد من 50 ألف شتلة ورود بمناسبة عيد النصر، وجاءت هذه المبادرة بهدف رد الاعتبار لمدينة الورود، بعد أن غابت عنها الزهور والورود، و شكل والي الولاية خلية على مستوى ديوان الولاية لمتابعة هذه المبادرة و إنجاحها. الوالي دعا في اجتماع المجلس التنفيذي مؤخرا كل القطاعات للتجند لهذه الحملة الواسعة بهدف إعادة الورود لهذه المدينة التي اشتهرت بها، و أمر في ذات الاجتماع كل المدراء التنفيذيين ورؤساء البلديات بتسخير كل الإمكانيات المادية والبشرية لإنجاح العملية و تعميمها على كل بلديات الولاية، من خلال خلق فضاءات للمساحات الخضراء تتحول إلى متنفس للمواطنين، وأضاف الوالي بأن الهدف الأساسي من هذه الحملة هو جعل المواطن يلتف حولها لتقديم صورة جمالية ممزوجة بالورود والاخضرار بمناسبة عيد النصر، كما دعا في نفس الوقت إلى تجنيد كل حركات المجتمع المدني في هذه الحملة و تحسيس المواطنين للمشاركة فيها. وأوضح مدير مؤسسة المساحات الخضراء بأن هذه العملية تشمل غرس الأشجار والورود بشتى أنواعها عبر كل بلديات الولاية، مشيرا إلى أن مؤسس مدينة البليدة الولي الصالح سيدي الكبير في سنة 1535، جعل منها غرناطة المتيجة و إفريقيا، بورودها و مساحاتها الخضراء، في حين تحولت اليوم إلى تجمعات سكانية خالية من الورود ، وأضاف بأن هذه الحملة سخر لها 2500 عامل و إطار وعدد معتبر من الإمكانيات المادية المختلفة، بمشاركة كل القطاعات، فهناك تقاليد كانت تعرفها مدينة البليدة، غابت اليوم و من خلال هذه الحملة الواسعة التي ستمس كل البلديات، ستعود هذه التقاليد للمواطن البليدي و تحسسه بأهمية إعادة الوجه الجميل للمدينة.